تحركات فرنسا تثير مخاوف الليبيين ودول الجوار
علمت “أخبارنا الجالية ” من مصادر سياسية أن هناك امتعاضا من التحركات التي تقودها باريس حاليا بالتنسيق مع تركيا وقطر تجاه الأزمة الليبية، لأنها تتجاهل الكثير من التطورات على الأرض، وتنجرف وراء حسابات تخدم بعض الأطراف دون مراعاة للتوازن في المشهد الليبي، وتعيد ذكريات الحماس الذي اكتنف خطة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عام 2011 للإطاحة بالعقيد الليبي معمر القذافي.
وبدأت فرنسا تتحرك لحلحلة الأزمة الليبية بما يخدم مصالحها المباشرة، معتقدة بأن الفرصة مهيأة لإحداث اختراق في ظل التباين الظاهر في تقديرات بعض القوى الإقليمية والدولية الفاعلة، ومستفيدة من وجود المبعوث الأممي غسان سلامة الذي يعمل على تنفيذ أجندتها والذي أصبح بدوره جزءا من الأزمة بدل أن تقود خطته إلى الحل في ليبيا.
وتستعد فرنسا لعقد اجتماع دولي في باريس في الـ29 من مايو الجاري، دعت إليه فايز السراج رئيس حكومة الوفاق، والمشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، وعقيلة صالح رئيس البرلمان، وخالد المشري رئيس مجلس الدولة، فضلا عن ممثلين للزنتان ومصراتة، وعدد من قادة الميليشيات.
وقالت مصادر “أخبارنا الجالية ” إن الاجتماع بهذه الصورة يضخ دماء سياسية جديدة في عروق التيار الإسلامي في ليبيا، وينسجم مع تطلعات قادة هذا التيار الذين يحاولون الإيهام بأنهم رقم رئيسي في المعادلة الليبية، ويتصرفون على خطوط متوازية في الداخل والخارج.
وأضافت المصادر أن إخوان ليبيا يسعون للاستفادة من التحركات الفرنسية الأخيرة، للتغطية على تراجع شعبيتهم وتضاؤل تأثيرهم في ظل العودة المتوقعة لعناصر كثيرة للتيار المحسوب على نظام القذافي.
وأشارت إلى أن فرنسا ساهمت بقوة في التئام اجتماع داكار الذي عقد منذ أسبوعين، بالتنسيق مع تركيا وقطر، وضم عددا من قياديي تيار الإسلام السياسي، منهم الداعية الليبي الأصل علي محمد الصلابي، والقائد السابق للجماعة الليبية المقاتلة عبدالحكيم بلحاج.
وتتهم أوساط ليبية مقيمة في القاهرة باريس بأنها تقف خلف الكثير من التحركات السياسية لتقريب وجهات النظر بين عناصر إسلامية وأخرى مدنية، وأنها باركت اللقاء الذي عقد الشهر الماضي بين خالد المشري وعقيلة صالح بالمغرب، في محاولة لإضعاف وتفتيت القوى المدنية التقليدية التي لها حظوظ في الحصول على نسبة كبيرة في أي انتخابات مقبلة.
وتتحرك باريس الآن بدافع تكثيف التواجد في ليبيا، لتأمين وحماية مصالحها في مالي والنيجر وأفريقيا الوسطى وتشاد، وهي دول تحتفظ فيها فرنسا بتواجد عسكري لافت. كما تسعى إلى ترسيخ نفوذها جنوب ليبيا للسيطرة على أهم حقول النفط هناك، وتقليص نفوذ إيطاليا الاقتصادي المتزايد، وتحاول عدم الصدام مع الولايات المتحدة .
وأوضحت أن تصرفات سلامة تساعد في تنفيذ أجندة باريس حرفيا، مع أنه أصبح جزءا من الأزمة بدلا من أن يكون مفتاحا للحل، مشيرة إلى أن خطته لتحريك الحل السياسي لم تفض إلى نتائج ملموسة، على الرغم من أنها تحظى بموافقة مجلس الأمن منذ شتنبر الماضي، وتقوم على تعديل اتفاق الصخيرات ووضع دستور وإجراء انتخابات.
وفي ظل تعثر تنفيذ البندين الأولين، أعلن المبعوث الأممي مؤخرا إمكانية الوصول مباشرة إلى الانتخابات، ولقي دعما من جانب بعض القوى الدولية بينها فرنسا.
وقال مصدر مصري لـ”أخبارنا الجالية ” حضر اجتماع الجزائر بشأن ليبيا، الذي شاركت فيه مصر وتونس والجزائر الاثنين الماضي، إن الدول الثلاث متوافقة على فشل خطة غسان سلامة حتى الآن، وترى ضرورة الإعداد جيدا لخطوة الانتخابات، وتوفير كل سبل الدعم اللوجستي والأمني لنجاحها، والظروف الراهنة لا تشجع عليها.
وكشف المصدر أن دول جوار ليبيا ينتابها قلق متزايد من تدهور الأوضاع في منطقة سبها، وغالبية مناطق الجنوب التي تحولت إلى مركز لاستقبال الكثير من المتطرفين، التابعين لتنظيمي داعش والقاعدة، وأن تجاهل ما يجري هناك سوف يفضي إلى المزيد من التدهور.
وأكد أن القرار الفرنسي الخاص بليبيا، في أيدي جهاز الاستخبارات هناك، والذي تتحكم في مفاصله عناصر قوية محسوبة على الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، وتريد تطبيق سياساته، والإصرار على عدم تحاشي أخطائه التي ساهمت في وصول الأزمة الليبية إلى ما وصلت إليه.
وحذر المصدر من هرولة باريس الحالية جريا وراء الطموحات السياسية التي يتبناها الرئيس ماكرون. وقال إن “عدم دراسة الأمور على صورتها الصحيحة، والرضوخ لفكرة التنسيق الكبير مع كل من تركيا وقطر، باعتبارهما أهم وكلاء الإسلاميين في ليبيا، لعبا دورا في التحركات الغامضة التي تتبناها باريس″.