الإسلام يربي النفس على الاكتمال الإنساني ككل المذاهب الروحية

وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي: الاحتكام إلى الأخلاق كيفما كان منبعها، ضروري للتجاور السلمي في المجتمع.

الأربعاء 2018/05/23
تقليد مغربي أصيل ومسؤول

قال محمد توفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي، في درسه الافتتاحي للدروس الحسنية الرمضانية آخر الأسبوع في القصر الملكي بالعاصمة الرباط، إن كل المذاهب الروحية الكونية الكبرى اعتبرت تربية النفس -مثلما هو الشأن في الإسلام- سبيلا إلى الاكتمال الإنساني.

وأضاف المحاضر وهو يفتتح الدروس الحسنية الرمضانية التي تلقى في حضور العاهل المغربي الملك محمد السادس، مطلع كل رمضان، أنه في الإسلام، وبعد المبالغة المقصودة في اتهام النفس على أيدي الزهاد والصوفية، مقابل مبالغة قوم أطلقوا للنفس عنانها بالإقبال المسرف على الدنيا في القرنين الثاني والثالث للهجرة، ظهر ابتداء من القرنين الرابع والخامس حكماء من علماء مكارم الأخلاق، وضعوا نصب أعينهم ما ورد عن النفس في القرآن، مع علم جلهم بتراث اليونان في الموضوع، لا سيما أرسطو في كتابه عن النفس، ومن هؤلاء مسكويه، في ” تهذيب الأخلاق “، والراغب الأصفهاني في “تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين”، ومعاصره أبو حامد الغزالي في “إحياء علوم الدين”.

 ضمن افتتاحية الدروس الحسنية الرمضانية التي تتم عادة بحضور العاهل المغربي الملك محمد السادس، مطلع كل رمضان، وتشارك فيها شخصيات من داخل البلاد وخارجها، أكد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي، محمد توفيق، على أهمية ترويض النفس البشرية على جملة قيم من شأنها أن تخدم الذات والمجموعة على حد سواء، وتتصدى لأي مرض يمكن أن يفتك بالمجتمع، وذلك ضمن منظومة أخلاقية موحدة، رابطا في ذلك بين أطروحات الفكر الإنساني منذ فلاسفة اليونان إلى يومنا هذا، مشيرا إلى أن كل المذاهب الروحية تهدف إلى تربية النفس على الاكتمال الإنساني.

وأفاد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في الحكومة المغربية في درسه الافتتاحي تحت عنوان “حقوق النفس في الإسلام وأبعادها الاقتصادية”، أن الحكماء الثلاثة السالف ذكرهم، يلتقون في أربع خُلاصات هي من أعمق ما وصل إليه فكر الإنسانية إلى اليوم، وهي تدبير قوى النفس على الاعتدال ومنهج التزكية وتهذيب الأخلاق، فالنفس قابلة للتزكية بالرغم من أثر الوراثة، يعلق المحاضر، والعطاء هو الدليل الأعظم على التزكية، وبالتزكية تحصل سعادة الأولى والآخرة.

وبعد أن تساءل الوزير توفيق “هل حدث في هذا العصر تطور في معرفة نفس الإنسان من شأنه أن يعيد النظر في الحكم على سلوكه، وبالتالي في علاقة الاقتصاد بالدين؟” بيّن أن الاحتكام إلى الأخلاق كيفما كان منبعها، ضروري للتجاور السلمي في المجتمع، مبرزا أن الجهد الفردي المطلوب في الالتزام بالأخلاق المدنية يقل عن الجهد المطلوب في التزكية من وجهة الدين، وأن لهذا الجهد الموازي للتزكية بالدين في الحياة المعاصرة أسماء منها مصطلح “ترويض النفس” وهو التحقق بلغة التصوف، ثم تقنية أخرى هي الإرشاد لا سيما في طلب النجاح المهني في هذا العصر.

وأبرز المحاضر أنه يمكن إجمال ذكر الحقوق الواجبة للنفس بمفهوم القرآن وصياغتها في عشرين نقطة تتمثل في حقها في الصلاة والذكر حتى لا تنسى أصلها، وحقها في حياة نوعية سوية ذات معنى، وحقها في التربية والتزكية، وحقها في حرية نوعية، لأن الشهوة تستعبدها، وحقها في متعة نوعية، بالنعم مع لزوم الشكر، وحقها في الاسترواح، وحقها في صحة باطنية نوعية لا سيما بالوقاية من الطغيان، وحقها في يقظة نوعية مبنية على النقد واللوم، وحقها في تغليب متعة العطاء على متعة الأخذ، وحقها في التواصي بالحق، وحقها في التواصي بالصبر الذي به يكتمل الحق وتتجاوز الأنانية، وحقها في صيانة حاملها الذي هو الجسد، لا سيما بالحرص على أكل الحلال وممارسة الرياضة وحسن الغذاء وصيانة البيئة.

محمد توفيق: الالتزام بالأخلاق المدنية يقل عن الجهد المطلوب في التزكية من وجهة الدين
محمد توفيق: الالتزام بالأخلاق المدنية يقل عن الجهد المطلوب في التزكية من وجهة الدين

وأشار الوزير الفقيه الأديب، صاحب رواية “جارات أبي موسى”، إلى أن الحقوق المذكورة سلفا تتمثل في حقها في صيانة شريكها العقل بالعلم، وحقها في صيانة شريكها القلب بالاطمئنان وقلة التهم، وحقها في صيانة شريكها القلب بالتدبر، وحقها في التربية على نبذ الاتكال سواء على العائلة أو على أي مؤسسة أخرى، وحقها في تحقيق المعادلة الدقيقة بين العزم والتوكل، وحقها في السكينة بالذكر، وحقها في التشوف إلى حياة اليقين.

وأفاد بأنها حقوق لا ترتبط بسن معينة، ولكنها قبل كل شيء من حقوق الطفل التي ينبغي أن ينشأ عليها في الأسرة والمدرسة والمجتمع، مؤكدا أنها حقوق لا يتوقف أداؤها إلا على إرادة الفرد الذي ينبغي أن يستعد لمواجهة أنواع الابتلاء والإحباط، لا سيما من أثر المحيط، فلا يحاط من آثاره السلبية فحسب، بل يستحضر، بالخصوص وعلى الدوام، آثار سلوكه هو على ذلك المحيط، فكل تفريط في نعمة من النعم كنعمة الوقت، أو نعمة الصحة، أو نعمة المعروف، أي النظام، وغيرها، يعود بكلفة باهظة على الفرد والمجتمع وهذا ما يقصد بالأبعاد الاقتصادية لحقوق النفس.

وخلص المحاضر بدرسه الافتتاحي للدروس الحسنية الرمضانية التي يحضرها الوزراء والسفراء ورجال الدين من المغرب وخارجه، إلى أن التزام الفرد والجماعة بسلوك التزكية يعود بثمراته على ثلاثة مستويات هي: النظرية الاقتصادية، والعدالة الاقتصادية، والكلفة الاقتصادية. فعلى المستوى الأول، ليس القصد هو مناقشة التوجهات العامة بين الليبرالية والاشتراكية، بل المقصود الإقرار بأن مراعاة حقوق النفس تعني إدخال قيم خارجية على منطق السوق.

أما العدالة الاقتصادية فتتأتى، على الخصوص، بتوجيه إرادي مقنع لفضول الأموال، لا على أساس مجرد الإلزام الضريبي أو الزكاة أو التصدق الاختياري المحدود، بل على أساس سواد الشعور الطوعي بأن الإنسان مستخلف في مكتسباته.

أما الكلفة الاقتصادية على الفرد والمجتمع فيمكن تصور حسابها، يضيف المحاضر، على أساس تصور درجة عالية من ضبط سلوك الإسراف على النفس، ودرجة عالية من تجنب التبذير في الاحتياجات.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: