هجر فيسبوك.. هل حان وقت مقاطعة الموقع الأزرق؟

فيسبوك شأنه شأن الكثير من الابتكارات العلمية سلاح ذو حدين فيمكننا الاستفادة من جوانبه الإيجابية وتجنب أضراره في نفس الوقت، كي نحافظ على صحتنا النفسية.
الاثنين 2018/05/21
كانت فيسبوك اعترفت في وقت سابق بأن شركة كامبريدج أناليتيكا المختصة في الاستشارات السياسية يمكن أن تكون قد حصلت بطريقة غير مشروعة على البيانات الشخصية لما يقدر بنحو 50 مليون مستخدم، ما يثير الشكوك حول سياسات الأمان التي وثق فيها أكثر من مليار مستخدم حول العالم، لتفتح تلك الشكوك الطريق أمام ضياع ثقة الملايين في فيسبوك والبحث عن بدائل أو ربما التخلي عن فكرة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي من الأساس.

أثارت فضيحة تسريب بيانات الملايين من مستخدمي فيسبوك، مخاوف عشاق الموقع الأزرق في مختلف أنحاء العالم، فعلى الرغم من أن فضيحة كامبريدج أناليتيكا وقعت في الولايات المتحدة، إلا أنها أثارت عدة أسئلة حول إمكانية تكرار حدوث الكارثة ذاتها في أي دولة أخرى، الأمر الذي قد يشترك مع عوامل عديدة لإحجام مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي عن التعامل مع فيسبوك ما يعني تهديد أحد أشهر المواقع في العالم

وإذا افترضنا جدلا وجود توجه عالمي نحو هجر البعض لمواقع التواصل الاجتماعي بوجه عام وفيسبوك بشكل خاص، فإن التشكك في سياسات الأمان ليس الداعم الوحيد لمثل هذا التوجه، إذ جاء ما ذكرته وكالة بلومبيرغ الأميركية بمثابة صدمة لمستخدمي فيسبوك، حيث قالت إن مارك زوكربيرغ، مؤسس الموقع، هو نفسه لا يستخدم موقعه، ويعتمد على فريق معين لإدارة صفحته الشخصية.

يتولى موظفون لدى زوكربيرغ إدارة اتصالاته عبر صفحته الشخصية، يساعدوه على كتابة البيانات والمنشورات، في حين أن هناك موظفين آخرين مختصين بحذف التعليقات المزعجة، كما أن فيسبوك لديه فريق من المصورين المحترفين يتولون مهمة التقاط الصور لزوكربيرغ خلال ممارسة أنشطته المختلفة ومشاركتها عبر صفحته، فإن كان “طباخ السم يذوقه” فلنا أن نقول إن مواقع التواصل الاجتماعي وفيسبوك على وجه التحديد تحتوي على ما هو أخطر من السم، جعل أصحابها يتجنبون تذوقها.

بالفعل ينطوي استخدام فيسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي على مخاطر كبيرة، ربما لا ندرك حجمها إلا عند الإقلاع عن استخدامها، وحينها فقط نستشعر كيف أن مواقع التواصل الاجتماعي كالسرطان تقتلنا ببطء وبصمت. نذكر في ما يلي بعض تلك المخاطر ليتسنى لنا تخيل مدى التحسن في حياتنا عند مقاطعة مواقع التواصل الاجتماعي وعلى رأسها فيسبوك.

يعتبر فيسبوك أحد أكبر مصادر إهدار الوقت في العصر الحديث، فالتنقل بين عناصر الصفحة الرئيسية وحده كفيل بمحاصرة المستخدم والسيطرة على انتباهه لوقت طويل قد يقدر بعدة ساعات على مدار اليوم، فالتنقل من صورة جذابة إلى مقطع فيديو طريف إلى حدث شخصي لأحد الأصدقاء يلغي إحساس المستخدم بالوقت. وعلى الرغم من توهمنا بأننا نستخدم فيسبوك في وقت فراغنا، إلا أننا في الحقيقة نهدر وقتا ثمينا يمكننا الاستفادة منه بشكل أكبر أو حتى نستمتع به بشكل أكثر إفادة.

ويصدّر فيسبوك شعورا كبيرا بالإحباط، فالمستخدم دون وعي منه، يقارن نسبة تفاعل أصدقائه مع منشوراته بالتفاعل الذي يراه على صفحات الآخرين، خاصة ممن لديهم عدد من الأصدقاء والمتابعين يفوق ما لديه بكثير، فضلا عن أن مشاعر الحقد قد تتولد لديه من مقارنة نمط حياته بحياة الآخرين عندما ينشرون صور رحلاتهم وما لديهم من سلع ومقتنيات.

ويضطر فيسبوك المستخدم للدخول في علاقات، ولو كانت سطحية، مع أشخاص وهميين ربما لن يراهم في حياته كلها، ورغم ذلك فإنه قد يشغل تفكيره بهؤلاء الوهميين وبمشاكلهم وإنجازاتهم بلا أي داع لذلك، ما يعني استنزاف قدر كبير من الطاقة والمشاعر التي تنهك الإنسان نفسيا دون أن يشعر بخطورة ذلك إلا عندما يداهمه شعور بالضيق لا يدرك تفسيره.

وتندرج تحت تلك المشكلة، مشكلة أخرى وهي فقدان الإنسان تدريجيا مهارات التواصل الواقعي، فعلى الرغم من أن فيسبوك وأمثاله من المواقع يطلق عليها مواقع تواصل اجتماعي، إلا أنها في الواقع تضر عملية التواصل الاجتماعي أكثر مما تنفعه، فعندما تتم التهاني والتعازي والأحاديث الودية عبر المحادثات الكتابية يفقد الإنسان بالتدريج إحساسه بأهمية التفاعلات الاجتماعية الواقعية، ما يدمر علاقات الصداقة والقرابة وربما العلاقات العاطفية.

وأحد أكبر الأوهام المنتشرة حول فيسبوك أنه مصدر للمعلومات، لكن الحقيقة هي أنه مصدر للتضليل والكثير من المعلومات المغلوطة والشائعات، فضلا عن ذلك أن المستخدم يصادف هذا النوع من المعلومات وسط ركام كبير منها غير مفيد والصور التي لا علاقة له بمطالعتها، ما يعمل على تشتيت الذهن وتقليل احتمالات الاستفادة إلى أقل مستوياتها، بعكس مطالعة صحيفة إلكترونية أو جريدة ورقية، تقدم المعلومات أو الأخبار بشكل احترافي يمكن المستخدم من انتقاء ما يريده وتجنب ما لا يعنيه.

فضلا عن استنزاف الطاقة والوقت والمشاعر، فإن فيسبوك يستنزف القدرة الإبداعية أيضا، صحيح أنه منصة تواصل اجتماعي مجانية تتيح للمستخدم مشاركة النوعية التي يريدها من المنشورات، إلا أن السعي وراء الحصول على نسبة عالية من تفاعل الأصدقاء يدفع المستخدم إلى الاجتهاد للخروج بمنشور جذاب، سواء كان طريفا أو مفيدا، لكنه في النهاية يظل مجرد منشور يتجاهله الكثيرون وحتى من يهتم قد يضع إعجابا أو تعليقا قبل أن ينساه بعدها بثوان معدودة، لذلك فإن فيسبوك ليس المكان الأنسب لاستهلاك الطاقة الإبداعية.

وينتهي أمر مدمن فيسبوك بتحوله إلى إنسان يعيش في عالم مواز، فالعديد من المستخدمين يريدون أن يظهروا على صفحتهم الشخصية بشكل مغاير لحقيقتهم، لينعزلوا في نهاية المطاف عن واقعهم، وربما من الأفضل لهم أن يوفروا الساعات الطويلة المهدرة على فيسبوك لتطوير أنفسهم لتحسين واقعهم بدلا من التعلق بالأوهام.

الاقتناع بما ذكرناه من أضرار لفيسبوك كفيل بدفع أعداد من المستخدمين إلى هجره فورا، أو على الأقل الإقلاع عن التفاعل مع محتواه بشكل كبير، لكن الأمر ليس بتلك السهولة، فهناك وجهة نظر أخرى تفيد بأن فيسبوك، ومن خلفه جميع مواقع التواصل الاجتماعي، أصبحت ضرورة تقتضيها طبيعة العصر، لا يمكن تجاهلها بسهولة.

يرى من يتبنون وجهة نظر مؤيدة للإبقاء على استخدام فيسبوك أنه، رغم كل شيء، لا تزال له مزايا لا تتوافر في الكثير من بدائله، منها أنه يناسب طبيعة العصر وما يعانيه الناس حاليا من ضيق الوقت وازدحام جداول الأعمال، ما يسلبهم رفاهية اللقاءات الدورية مع الأهل والأصدقاء، فيوفر فيسبوك إمكانية التواصل مع الآخرين بسرعة ومن مكان واحد دون إهدار الوقت، كذلك فإن فيسبوك يتيح متابعة مستجدات الأحداث لحظة بلحظة والتعليقات عليها حتى وإن وقع الإنسان أسيرا لظروف منعته من استقاء المعلومات من قنواتها الرسمية.

ويضاف إلى ذلك، أن بعض الوظائف أصبحت معتمدة بشكل أو بآخر على فيسبوك، منها ما يرتبط به بشكل مباشر مثل الإعلاميين، ومنها ما يمثل فيسبوك عاملا مساعدا للوصول إلى قاعدة جماهيرية مثل أصحاب الشركات الناشئة والتجار والمسوقين الإلكترونيين، فبعد أن اقترب عدد المستخدمين النشطين لفيسبوك من المليار مستخدم، أصبح الموقع الأزرق يمثل قاعدة جماهيرية لا توفرها أي قناة إعلانية أخرى.

ونجد أن هناك علاقة منفعة متبادلة بين المستخدم وفيسبوك من هذا التجمع البشري المهول المتاح على الموقع، فمثلا من يريد التواصل مع سكان منطقة انتقل للعيش فيها حديثا لن يجد أفضل من منصة فيسبوك لتحقيق هذا الغرض الذي ربما يستغرق منه سنوات للتعرف على عدد كبير منهم، في حين أنه بضغطة زر واحدة يمكنه تبادل المعلومات والحصول على أجوبة لاستفساراته منهم.

حتى الأضرار النفسية التي قد يسببها فيسبوك مثل الإحباط والحقد وضعف الثقة بالنفس نتيجة مقارنة الذات بالآخرين، فقد رد عليها من يؤيدون استخدام الموقع بدراسة أجراها الباحث رينوين تسانغ استطلع فيها آراء 560 من مستخدمي فيسبوك، نشرت نتائجها صحيفة “Computers in Human Behavior”، ذكر فيها أن قيام المستخدمين بالبوح بمشاعرهم السلبية عبر صفحاتهم الشخصية يساعدهم على التعامل نفسيا مع المواقف المسببة للضغط والتوتر، لأنهم يستشعرون دعم أصدقائهم ويجدون بينهم من يسدي النصح.

وبين من يؤيدون الاستخدام المطلق لفيسبوك ومن يعارضونه، يظهر فريق ثالث يرى أهمية التوفيق بين الطرفين، بحيث نتجنب المخاطر الأمنية والنفسية والاجتماعية لفيسبوك، وفي نفس الوقت لا نحرم أنفسنا من أحد أبرز أدوات التكنولوجيا لعصرنا الحالي، ويرى هؤلاء أنه لو وجدت ثغرات أمنية فيمكن تفاديها باتباع إجراءات الأمن الإلكتروني، وإن كانت هناك أضرار نفسية أو اجتماعية فيمكن الحد من أثرها بالاعتدال في استخدام الموقع، لكن ليس الحل في مقاطعته تماما.

ويمكن للمستخدم أخذ حذره من الوقوع في فخ تسريب البيانات الشخصية التي قد تضعه في أزمات كبيرة، عن طريق اتباع تعليمات الأمن الإلكتروني، والتي قد لا يتسع المجال هنا لذكرها بالتفصيل، لكن ربما أهمها عدم مشاركة أي بيانات بنكية أو عناوين وأرقام هواتف خاصة.

وكذلك الانتباه إلى وقف خاصية التتبع جي بي إس في حال عدم الحاجة إليها، وأيضا يفضل عدم الضغط على روابط مرسلة من أشخاص مجهولين قبل التحقق من محتواها، وأخيرا تسجيل خروج بعد كل مرة يتم فيها استخدام الحساب الشخصي على أجهزة غير شخصية.

لتحاشي الآثار النفسية لفيسبوك مع الإبقاء على استخدامه، يُنصح بتحديد الوقت المخصص لتصفح الموقع ومطالعة صفحتك الشخصية، ومع تحديد الوقت الذي تقضيه على الموقع حاليا يمكنك بعدها أن تقلص هذا الوقت بالتدريج، كما ينصح بكتم صوت التنبيهات الصادرة عن الإشعارات أو الرسائل الواردة حتى لا تضطر لاستخدام الموقع في غير الأوقات المخصصة لذلك.

حاول أن تحدد هدفك من وراء استخدام فيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل عام، فإن كنت ترى فيها وسيلة للتواصل مع الأصدقاء فلا داعي لأن تشغل نفسك بمطالعة الصفحة الرئيسية بين حين وآخر، لأن ذلك -كما ذكرنا سابقا- من شأنه أن يعرضك لمقارنة نفسك بالآخرين وهو أحد المسببات الرئيسية للشعور بالضيق وضعف الثقة بالنفس.

وللحد من آثار فيسبوك في ما يتعلق بالتشتت والتضليل، ينبغي عدم الاعتماد على فيسبوك كمصدر للأخبار، وتصفح مواقع وكالات الأنباء الرسمية ومواقع الشبكات الإخبارية المعروفة، لتجنب الخلط بين الخبر الخاضع للمعايير المهنية الصحافية والإشاعات التي تلبس عباءة الأخبار وغالبا ما تمتزج بالآراء الشخصية والتعليقات المتحيزة، ما قد يثير في نفس المستخدم مخاوف لا أساس لها من الصحة.

وباعتبار فيسبوك إحدى أشهر منصات التواصل الاجتماعي، فإن تأثيره سلبيا كان أم إيجابيا يظهر كأوضح ما يكون في الجانب الاجتماعي وتأثيره على العلاقات بمختلف أنواعها، ولتلافي الأضرار في هذا الصدد، يمكن اتباع القاعدة الذهبية للمشاركة على فيسبوك والتي تقول إن “كنت لا ترى ما تشاركه مناسبا لأن يراه العالم بأسره، فلا تضعه على صفحتك الشخصية” فحتى إن كنت تحدد جمهورا معينا يمكنه مشاهدة منشوراتك، فلا ينبغي الاطمئنان إلى عدم تسريب أي شيء.

وينبغي توخي الحذر في ما يتعلق بتأثير فيسبوك على العلاقات العاطفية أو الزواج، فلا ينصح باستخدام فيسبوك عقب المشاحنات بينك وبين شريكك، وقد يندفع أحد الطرفين إلى كتابة شيء يندم عليه في ما بعد ويؤدي إلى زيادة تعقد الموقف بدلا من محاولات حله، كما أنه في الأوقات العادية ينصح بالتفكير أكثر من مرة في الغرض من كتابة أي منشور، كي لا يسيء الشريك فهمه.

ويلاحظ أيضا أن تفاصيل علاقاتك العاطفية ينبغي أن تتميز بالخصوصية بينك وبين شريكك، فسواء كانت الأمور تسير على ما يرام أو أن هناك ما يعكر صفو العلاقة فلن يكون في صالح الشريكين عرض مثل هذه التفاصيل للعامة، بل ينبغي الاستمتاع بالأوقات السعيدة أو معالجة المشكلات بعيدا عن أعين المتطفلين الذين قد تجد من بينهم من يحاول إفساد العلاقة.

وأخيرا ينبغي الانتباه إلى عدم الانشغال بتصفح فيسبوك في أثناء التواجد برفقة الأصدقاء أو الأقارب كي لا يشعر الآخرون بالإهانة والإهمال، كذلك لا ينبغي السماح للفيسبوك بأن يكون عائقا عن التواصل الحقيقي على أرض الواقع، فلا تكتفي بالمحادثات الكتابية الجافة للتعبير عن اهتمامك بالآخرين، وإن ضاق وقتك بالزيارات العائلية، فإن فيسبوك أيضا يتيح خاصية مكالمات الفيديو التي تشعر معارفك باهتمامك برؤيتهم.

خلاصة القول، فيسبوك شأنه شأن الكثير من الابتكارات العلمية الجديدة سلاح ذو حدين فيمكننا الاستفادة من جوانبه الإيجابية وتجنب أضراره في نفس الوقت، كي نحافظ على حياتنا الاجتماعية وصحتنا النفسية ولا نترك ركب التطور.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: