الهجرة إلى الضفاف الإسبانية حلم يستحوذ على مغاربة قاصرين
السلطات الإسبانية تتخذ إجراءات تعسفية بإرجاع الأطفال المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية، وشباب في المغرب يتطوعون لمساعدة وتوعية المهاجرين الصغار.
الأربعاء 2018/05/16
في انتظار فرصة قد لا تأتي
لا يرى إسماعيل (14 سنة) ما يستحق الحياة في طنجة التي غادرها إلى جيب سبتة الإسباني، على أمل الوصول إلى أوروبا متسللا عبر إحدى البواخر التي تربط بين ضفتي المتوسط.
ويؤكد “أنا مستعد لأي شيء” لتحقيق هذا الحلم الذي يراود العشرات من الشباب التائهين مثله في جنبات ميناء سبتة وأزقتها، والقادمين في الغالب من المغرب.
يروي قصته وهو يجلس على رصيف عند مدخل الميناء “نشأت في أسرة فقيرة وانقطعت عن الدراسة في سن الـ12 عاما”، ويضيف “لا أضمن أي مستقبل لي في بلدي”.
ويتذكر كيف تسلق فجرا قبل شهرين السياج الذي يفصل هذا الجيب الإسباني عن القارة الأفريقية “متسلحا بدعوات والدته كي ينجح في بلوغ أوروبا”.
في أثناء ذلك كان أصغر اليافعين المتحلقين حول إسماعيل منشغلا برصد دورية الحرس المدني الإسباني التي يمكن أن تباغتهم في أي لحظة، بينما يتقاسم الآخرون لفافة حشيش.
وتعد سبتة المحطة النهائية بالنسبة للمهاجرين القادمين من شمال أفريقيا أو من بلدان جنوب الصحراء، الذين يحلمون ببلوغ “الإلدورادو” الأوروبي.
المهاجرون القاصرون غالبا ما يجدون أنفسهم وحيدين في أزقة سبتة معرضين لكل أنواع المخاطر
وسواء كانوا راشدين أم قاصرين فهم يحتاجون أولا إلى اجتياز سياج من الأسلاك الشائكة يحيط بالجيبين الإسبانيين سبتة ومليلية، في ما يمثل الحدود البرية الوحيدة بين أفريقيا وأوروبا.
لكن القاصرين من بين هؤلاء المغامرين يأملون في الاستفادة من التشريعات الأوروبية التي تنص على إيوائهم في مراكز استقبال خاصة، ما يقلل حظوظ ترحيلهم نحو بلدانهم الأصلية.
بيد أن القوانين المتبعة داخل الاتحاد الأوروبي، والمتباينة بين بلد وآخر، باتت أكثر تشددا في السنوات الأخيرة بفعل تزايد موجات المهاجرين. ففي إسبانيا بدل أن يتمّ استقبال الأطفال القصر وتأطيرهم، عمدوا إلى بناء السياج الحديدي على طول ميناء مليلية، واتخذت السلطات الإسبانية إجراءات تعسفية لإرجاعهم إلى المغرب.
ويأمل إسماعيل أن يسير على خطى أحد أبناء جيرانه الذي استطاع العبور نحو الضفة الأخرى. ويتحدث عنه متحمسا “لقد حصل على أوراق إقامة وهو يقطن حاليا في مدريد، إنها مدينة جميلة”، مشيرا إلى حلمه في أن “يصبح ميكانيكيا ويشتري سيارة وبيتا”.
في سبيل مثل هذه الأحلام يغامر العشرات من القاصرين متسللين عبر بوابات ميناء سبتة للتخفي تحت شاحنات تقلها سفن نحو ميناء الجزيرة الخضراء جنوب إسبانيا، على بعد 40 دقيقة فقط من الإبحار.
ومن ثم يصبح بإمكانهم مواصلة المغامرة نحو مدريد أو باريس أو برلين في ظروف غالبا ما تكون قاسية.
ونبهت منظمة “سايف ذي شيلدرن” أخيرا إلى “هشاشة أوضاع المهاجرين القاصرين الذين غالبا ما يجدون أنفسهم وحيدين في أزقة سبتة معرضين لكل أنواع المخاطر”.
وأحصت هذه المنظمة غير الحكومية 246 قاصرا دون مرافق في سبتة سنة 2016، و999 آخرين في مليلية.
ومن جهتها أدانت شبكة “ميكريوروب” غير الحكومية منتصف أبريل الماضي “عنف الشرطة” ضد أولئك المهاجرين اليافعين، على جانبي الحدود المغربية الإسبانية، مطالبة بـ”احترام حقوق الأطفال المهاجرين”.
يراهن أولئك المغامرون على التسلل أسفل شاحنات نقل البضائع والاختباء في أي فتحة يمكن أن تسعهم، بينما يحاول سائقو الشاحنات تفاديهم فيسيرون بسرعة فائقة بمجرد أن يصادفوهم عند مدخل الميناء، ما قد يعرضهم لمخاطر.
ويشير إسماعيل إلى شاحنة تتجاوز بوابة الميناء بسرعة فائقة قائلا، “انظر كيف يسير بسرعة، كاد يدهسنا”، مشيرا إلى أن أحد رفاقه “دهسته شاحنة عمدا” مطلع أبريل.
لحسن الحظ أن ثمة من يمد يد العون لهؤلاء القاصرين عابري السبيل كما هو الحال بالنسبة لهذه الشابة التي تعمل في إحدى المنظمات غير الحكومية وعادة ما تأتي لتلقي عليهم التحية. ويوضح نبيل “توفر لنا هذه الجمعية فرصة الاستحمام واستخدام الإنترنت ومشاهدة أفلام”.
ويبلغ هذا الشاب القادم من العاصمة الرباط حيث نشأ في حي شعبي 20 سنة، لكنه يقدم نفسه على أساس أنه قاصر، وقد وصل إلى سبتة متخفيا في شاحنة لنقل البضائع على أمل الوصول يوما إلى ألمانيا، ويقول “أريد العيش في هذا البلد المتقدم وبناء حياتي هناك”.
في انتظار هذا اليوم، يعيش نبيل ورفاقه من المهاجرين القاصرين على تسول السجائر والأغذية، وعندما يحل الليل يلجأون إلى سيارات مهملة للنوم.
أما الذين ينجحون في العبور نحو الضفة الأخرى فلا يضمنون عيشا أكثر رخاء، إذ غالبا ما يجدون أنفسهم مهمشين دون أي رعاية، ويخضعون للاستغلال، في واقع أبعد ما يكون عن صورة الجنة الأوروبية التي تغذي مخيلاتهم.
في باريس أصبح العشرات من اليافعين المغاربة أطفال شوارع، يعيشون في الغالب حياة التسكع والتسول رافضين أي رعاية، ما يثير ردود أفعال ضدهم من طرف المجتمع والسلطات على حد سواء.
أمام إقبال اليافعين على المغامرة الخطيرة للانتقال إلى الضفة الأوروبية المقابلة، تحاول مجوعة من الشباب المغاربة من خلال الجمعيات التطوع لمساعدة الأطفال القصر على مدهم بالمساعدات وإقناعهم بالعدول عن فكرة الهجرة غير الشرعية باعتبارها غير مضمونة وأن العودة إلى الأهل هي أفضل الحلول لهم.
في مدينة الناظور التي لا تبعد إلا عشرة كيلومترات عن مدينة مليلية أطلقت مجموعة شباب متطوعين مبادرة لإنقاذ المهاجرين الأطفال من حياة التشرد وحثهم على العودة إلى عائلاتهم.
يقول إلياس مزيان رئيس جمعية “رامي للمبادرات الإنسانية”، “لا نكتفي بتقديم المساعدات الغذائية والأغطية والحلاقة لهم بل نعمل بجهد على إقناعهم بأهمية عودتهم إلى عائلاتهم”.
ويعتبر مزيان أنّ من بين الصعوبات التي تواجههم رفض بعض الأطفال الاقتناع بفكرة خطورة الهجرة غير الشرعية، خاصة من جاؤوا بطلب من أهلهم. وحسب فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في الناظور، ارتفع عدد القاصرين الوافدين دون مرافق على مدينة الناظور بهدف العبور إلى أوروبا في الآونة الأخيرة، وبلغ عددهم ما بين 450 و500 قاصر في ميناء بني أنصار بالناظور.
ويؤكد إلياس مزيان أن سكان المدينة يتجاوبون مع مبادرات الجمعية، يقول “إن سكان مدينة الناظور يدعمون أي عمل إنساني ولا يترددون في التبرع سواء بالمال أو اللباس أو الأغطية، وتشجيعهم المعنوي للمشروع يشجعنا أكثر”.