غموض يلف مصير جهاديي فرنسا المعتقلين في سوريا
محامو فرنسيات معتقلات في سوريا يرفعون شكوى في فرنسا ضد “الاحتجاز غير القانوني” وينددون بعدم شرعية المحاكمات في ظل إدارة غير معترف بها دوليا.
الجمعة 2018/05/18
لا يزال مصير توماس برنوين وايميلي كونيغ وعشرات غيرهم من الجهاديين الفرنسيين المعتقلين مع أطفالهم في سوريا غامضاً، إذ تؤكد باريس أنه ينبغي محاكمتهم حيث هم مع التطرق إلى إعادة البعض، على أن تدرس كل حالة على حدة.
ويقدر بنحو أربعين عدد الفرنسيين، ومعظمهم نساء وأطفال، المعتقلين في مناطق سيطرة الفصائل الكردية في شمال سوريا التي تجتاحها الحرب منذ 2011. اعتقل هؤلاء بعد انهيار تنظيم الدولة الاسلامية وهزيمته امام تقدم القوات الكردية مدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن وفرنسا عضو فيه.
وأعرب العديد من النساء عن رغبتهن بالعودة إلى فرنسا حتى لو تعرضن فيها للسجن والمحاكمة. ولكن أمام معارضة الرأي العام، ترغب فرنسا في محاكمة البالغين في سوريا على أن يحظوا “بمحاكمة عادلة”.
ولكن محاموهم ينددون بعدم شرعية مثل هذه المحاكمات مؤكدين أن الإدارة الكردية غير معترف بها دولياً وبأن حقوقهم غير مصانة لديها. مع ذلك، تدافع باريس عن موقف دراسة كل حالة بحالة بالنسبة لإعادة النساء والأطفال خصوصاً، مبقية على حالة من الغموض.
وأمام هذا الوضع، رفع محامو فرنسيات معتقلات ومن بينهم ماري جوزيه ووليام بوردون ومارتن براديل شكوى في فرنسا ضد “الاحتجاز غير القانوني”. وانضم نحو الفي فرنسي الى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا ابتداء من 2012. ويؤكد المؤرخ العراقي هشام الهاشمي المختص بشؤون تنظيم الدولة الإسلامية ان الكثير من “هؤلاء قتلوا في المعارك”.
لكن مصدراً مطلعا على التحقيقات يقول “إن بعض الفرنسيين عملوا لدى التنظيم محاسبين ومدرسين أو في فرع الاتصالات” في سوريا. ويقول الهاشمي ان “بعضهم أدى دوراً مهماً في التجنيد في أوروبا وفي التمويل”.
وتقول باريس إن 500 فرنسي جهادي لا يزالون في سوريا والعراق، وانهم معتقلون أو فارون. ومن بين المعتقلين في سوريا، يعد توماس برنوين البالغ من العمر 36 عاماً الأكثر شهرة وهو من المنتمين إلى التيار الإسلامي منذ نحو عشرين عاما.
ويقول المصدر المطلع على التحقيقات انه “كان يؤدي دوراً دينياً بشكل خاص (مثل اعطاء دروس في الشريعة والدعاية) وكان ضمن الفرع الأكثر تطرفاً في التنظيم”، وهو يعد مقرباً من الأخوين كلاين اللذين تبنيا بصوتهما اعتداءات 13 نونبر 2015 التي أوقعت 130 قتيلا في باريس.
وتعتقل في سوريا كذلك ايميلي كونيغ وهي جهادية فرنسية معروفة ومتهمة بالتجنيد والدعوة لارتكاب هجمات في الغرب باسم تنظيم الدولة الإسلامية.
ويوضح العديد من القادة الأكراد السوريين انهم يتعاونون مع السلطات الفرنسية ويقولون ان الجهاديين مثل برنوين وكونيغ، سيدانون في حال محاكمتهم بالسجن حتى 20 عاماً.
لكن ليس في حوزة هذه السلطات أدلة مهمة بحق كثيرين آخرين، في حين يركز القانون الجنائي الكردي في ما يتعلق بمكافحة الارهاب والمعتمد منذ 2014 على مرتكبي أعمال العنف. وعليه، أدينت النساء (السوريات) اللواتي حوكمن حتى الآن واللواتي تبعن أزواجهن ولم يقاتلن بأحكام مخففة أو برئن.
أما في فرنسا، فإن العائدين من سوريا والعراق حتى وإن لم يثبت أنهم قاتلوا مع التنظيمات الجهادية فيمكن أن يحكم عليهم بالسجن من ثماني الى عشر سنوات، وفق الخبير الجنائي انطوان ميجي في جامعة روان الفرنسية.
ما الذي سيحل اذن بالفرنسيين الذين سيفرج عنهم الأكراد سريعاً بقرار قضائي أو في خضم تطورات تشهدها هذه المنطقة المضطربة. وتقول المحامية دوزيه “ليس لدينا أي فكرة، وهذا أمر يمثل خطراً على الجميع”.
ويقول المصدر المطلع على التحقيقات ان “برنوين وعدداً آخر من المعتقلين يمثلون خطراً ومصدراً ثميناً للمعلومات حول تنظيم الدولة الإسلامية. وليست لدى فرنسا اليوم أي رغبة في إعادتهم ولكنها قد تقرر ذلك لاحقاً لسجنهم أو إعادة محاكمتهم”.
ويقول المحامون إن الجميع خاسر جراء الوضع الحالي: النساء والأطفال لوجودهم في مخيمات تسودها أجواء التطرف التي تمثل حالة خطرة، وفرنسا لأن ليس لديها ما يضمن عدم الافراج عن المعتقلين الخطرين.
ويقول المحامي بوردون “يجب إعادة كل النساء، حتى لو اعتقلن بعد وصولهن، وكل الأطفال لوضعهم لدى عائلات تتولى تربيتهم”. ولكن ميجي وفابريس بالانش الاستاذ الجامعي المختص بشؤون سوريا، يقولان ان الحكومة تراعي أولا الرأي العام وستواصل الدفاع عن سياسة “كل حالة على حدة”. ويقول بالانش انه ربما اذا بُذل جهد لصالح الأطفال “اذ لا يُعقل أن يترك قاصرون فرنسيون يواجهون الأمرَّين في السجون الكردية أو العراقية”.