هل هي بدايات تشكل العصيان الشعبي في الجزائر

الاحتجاجات الشعبية التي تحدث هنا وهناك، ومنها احتجاجات محافظة بجاية، تكتسب أهمية كبرى وتعلق عليها الآمال في إحداث تحول تدريجي في الوعي والممارسة السياسيين على طريق خلخلة بنية النظام الحاكم.

التحرك الشعبي في بجاية بمثابة النواة الأولى لتشكل بديل حقيقي
تميز الأسبوع الماضي في الجزائر بانفجار الاحتجاجات في محافظة بجاية ذات الأغلبية الأمازيغية ما أدى إلى إغلاق 4 طرقات وطنية وخط السكك الحديدية، ويذكّر هذا الحدث ببدايات أحداث الثمانينات من القرن الماضي التي بدأت في هذه المنطقة العصية على النظام الجزائري، ثم انتشرت في البلاد كلها وتطورت مع الوقت إلى سقوط حكم الحزب الواحد في الجزائر، وإلى فتح التعددية الحزبية ثم أدى كل ذلك بعد مدة غير طويلة إلى اندلاع الحرب الأهلية المدعوة في الأدبيات السياسية الجزائرية بالعشرية الدموية التي كادت أن تمحو الدولة الجزائرية من الوجود.

هذا التحرك الشعبي، الذي شهدته منطقة بجاية، له دلالات كثيرة ويعتقد كثير من المحللين السياسيين أنه بمثابة النواة الأولى لتشكل بديل حقيقي لسلبية أحزاب المعارضة التي تفتقد إلى التأثير والفعالية في البلاد جراء ضعفها البنيوي وانعدام العمق الشعبي لقياداتها.

في هذا السياق يمكن القول إن هذه التحركات يمكن أن تكون انطلاقة جدية لحركة منظمة نابعة من القاعدة الشعبية قد تتحول إلى عصيان شعبي شامل. غير أن السؤال المطروح الآن هو: لماذا تحدث هذه الاحتجاجات في المنطقة الأمازيغية بمحافظة بجاية في ظل صمت المحافظات الأخرى؟ ثم كيف يمكن تفسير أسباب انقسام القاعدة الشعبية بمكوناتها العربية والأمازيغية تجاه النظام الجزائري؟

لا شك أن احتجاجات الأسبوع الماضي ليست وحيدة في المشهد السياسي الجزائري، بل هناك أحداث فرعية أخرى تتفاعل وينتظر أن تساهم على المدى الطويل في رص صفوف جبهة شعبية عريضة تكون مهمتها التصدي لفساد النظام الحاكم في الجزائر.

من بين علامات هذا التوجه يمكن ذكر الفشل الذي مني به خلال الأيام القليلة الماضية دعاة الموالاة والتكتل الرئاسي التقليدي في حزب حركة مجتمع السلم (حمس) في المؤتمر الذي انعقد مؤخرا، وتمثل هذا الفشل في عدم فوز جماعتهم برئاسة هذا الحزب حيث وُضعت الثقة مجددا في شخص رئيسه عبدالرزاق مقري المعروف بانفتاحه على أحزاب المعارضة الأخرى وبرفضه للتطبيع مع النظام أو التخندق البراغماتي معه.

وهناك أيضا مسيرات الأطباء وإضراباتهم، في إطار التنسيقية الوطنية للأطباء المقيمين، وهي ذات أهمية على طريق البحث عن آليات تشكيل الوعي الجديد بين أوساط الجمعيات ذات الطابع المهني في الجزائر.

رغم أهمية هذه التحركات ذات الطابع المهني النخبوي والتحركات الأخرى ذات الملامح الشعبية، فإن النظام الجزائري لا يزال يعرقل بروز تنظيم وطني موحد له امتدادات تنظيمية وعقائدية وعملية في الجزائر يمكن أن تفضي إلى إحداث الفرق الجوهري في الحياة السياسية الجزائرية.

ويلاحظ هنا أن الخطر الأكبر يتمثل في تمكن أجهزة السلطة الجزائرية، خاصة جهاز الرئاسة وجهاز الأمن والدفاع الوطني، من مواصلة تعميق الانقسامات في صفوف الأحزاب المعارضة، وجعلها تضرب بعضها البعض بدلا من توحيد صفوفها في إطار مشروع يمكن أن يؤدي إلى تأسيس بنيتها التنظيمية الوطنية.

إلى جانب هذا فإن النظام الجزائري استطاع تشتيت البنية البشرية المعارضة في عدد من الأحزاب التي كانت راديكالية، مباشرة بعد فتح مسار التعددية الحزبية في الجزائر.

ولا شك أن تقليم أظافر حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية بطرق ملتوية، وشل حركة حزب القوى الاشتراكية، مكّن النظام الجزائري من إضعاف صفوف المعارضة من جهة، ومن كسر الثقة التي كانت في بدايات تشكلها خلال الشروع في تنفيذ مرحلة التعددية الحزبية بين الأحزاب المعارضة وبين الجماهير الشعبية من جهة أخرى.

وفضلا عن ذلك فإن استقطاب النظام لرؤساء المؤسسات الكبرى عرقل إمكانية تشكيل تكتل قوة معارضة جادة لها تأثير في مختلف قطاعات التنمية الوطنية والحياة الاقتصادية.

وهو ما يكسبُ الاحتجاجات الشعبية التي تحدث هنا وهناك بصفة متواصلة أو متقطعة، ومنها احتجاجات محافظة بجاية، أهمية كبرى وتعلق عليها الآمال في إحداث تحول تدريجي في الوعي والممارسة السياسيين على طريق خلخلة بنية النظام الحاكم، ثم التخلص منه بصفة نهائية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: