متى تواجه الحكومة إشكالية الغلاء…؟

Image processed by CodeCarvings Piczard ### FREE Community Edition ### on 2018-05-07 13:34:06Z | |

انفجرت مواقع التواصل الاجتماعي على حين غفلة بحملة شعبية، بلا قيادة وبلا تنظيم أو إيديولوجية ضد الغلاء الفاحش، وتأثيره على القدرة الشرائية للمواطنين الفقراء، الذي أصاب على يد الشركات العملاقة المواد الغذائية، ومواد البترول، وهو ما أطلقوا عليه “المقاطعة”.

وعلى أن هذه الحملة الغير مسبوقة، واجهتها اتهامات خطيرة استفزت المجتمع المغربي، مثل “الأوباش” و”الخونة” و”الرعاع” و”المداويخ” من داخل البرلمان والحكومة والشركات، فإنها ظلت ملتزمة بالهدوء والسكينة، تطرح مطالبها المشروعة ضد الغلاء، رافضة الرضوخ إلى الاستفزاز أو العودة إلى أساليب الاحتجاج التقليدية، والتي كانت دائما وأبدا تنتهي بالمواجهة مع السلطة وأسلحتها المادية والقانونية.

و”المقاطعة”، التي كانت وما تزال هي الاختيار الأنسب للمواجهة، ولطرح المطالب الشعبية، مصطلح سياسي قديم، عربيا وإسلاميا يعود إلى العصر الإسلامي الأول، حيث أخبرنا التاريخ بثلاثة أحداث هامة للمقاطعة ومفاهيمها السياسية والفكرية :
• الأول : في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، عندما قام كفار قريش بمقاطعة نبي الإسلام وصحابته، وإعلامهم عدم البيع والشراء أو الزواج معهم. ورغم تأثيرها لم يواجههم النبي صلوات الله عليه بالعنف، بل قبل مقاطعتهم، باعتبارها حقهم.
• الثاني : أيضا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، كان يهودي يملك بئرا ويبيع ماءه للمسلمين بسعر مرتفع، فدعاه النبي عليه الصلاة والسلام، أن يخفض الثمن أو يبيع البئر، فرفض اليهودي، فأمر النبي المسلمين بمقاطعته وعدم شراء الماء منه حتى أفلس، فاضطر لبيعه بالثمن الذي يرضاه المسلمون، فاشتراه عثمان وأوقفه على المسلمين يشربون منه دون مقابل ،فكانت المقاطعة سنة نبوية.
• الثالث : في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث جاءه جماعة من المؤمنين، يشتكون الغلاء الذي ضرب السلع والمواد الغذائية، وطلبوا منه التدخل. فأجابهم أنتم من يتحكم في الغلاء، قالوا له كيف ونحن فقراء، لا قوة ولا مال لنا، فقال لهم : اتركوا السلع لأصحابها…وهو ما يعني بلغة السياسة في عصرنا هذا “المقاطعة”.

في المفاهيم اللغوية، “المقاطعة” هي احتجاج جماعي / هي نبذ منظم لقضايا سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية / وهي إحدى وسائل الضغط التي تقوم بها جماعة أو مجموعة من أجل تحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية.
و”المقاطعة” في المفاهيم الاقتصادية، هي عملية التوقف الطوعي عن شراء سلع معينة، أو التعامل مع مقاولات أو شركات اقتصادية معينة، تلحق الضرر بالمستهلك.
و”المقاطعة” في الفكر السياسي، تعد أسلوبا حضاريا للضغط على جهة معينة، لتحقيق هدف أو أهداف، غالبا ما تكون من أجل تحقيق مصالح المستهلك، بالاستجابة لمطالبه المحددة.
أشهر المقاطعات في التاريخ الحديث، تلك التي حملها الزعيم الهندي مها تاغا ندي سنة 1930 ضد البضائع والسلع البريطانية، فكانت مقاومة بلا رصاص، بلا تظاهر، بلا أسلحة، نتج عنها إعلان استقلال الهند.

قبل أيام، وخلال العشر الأواخر لشهر ابريل 2018، انطلقت حملة “مقاطعة” بعض السلع الاستهلاكية، وتركزت بحدة على شركة إفريقيا للغاز والمحروقات، وشركة الحليب دانون (سنترال ليتيير) وشركة ماء سيدي علي، وجميعها شركات عملاقة متحكمة في السوق الاستهلاكي بالمغرب الراهن.
ومنذ انطلاقتها، كانت هذه “المقاطعة” انتفاضة سلمية وحضارية راقية، موجهة ضد غلاء السلع الاستهلاكية، ومقاولاتها التي يختلط بها السياسي بالاقتصادي، فجاءت هادئة ضد الشركات والمقاولات العملاقة، التي تعمل في السوق وتغرف ريعها من داخل الحكومة.
ما أعطى لحملة المقاطعة المغربية استمراريتها ونجاحها مغاربة العالم الذين دعموها على مواقع التواصل الاجتماعي بقوة، إذ أعلنوا جميعا مساندتهم، بعدما أبانوا عن أسعار السلع والمواد الاستهلاكية في الغرب (حليب وأجبان ومياه ولحوم وغيرها) والتي لا مقارنة بين أثمانها المنخفضة بأوروبا، وأثمانها المشتعلة هنا رغم فارق الأجور بين المغرب وأوروبا.

على أرض الواقع، يجب تهنئة الشعب المغربي الذي قام بهذه الحملة، بأسلوب حضاري راق، حيث أعلن عن رفضه لطاعون الغلاء وابتزاز الفقراء، الذين يعيشون في أغلبهم على شرب الشاي المرفق بزيت الزيتون، والذين يشكلون قاعدة صلبة لهذه الحملة، التي أظهرت قوة الشعب المغربي على تطبيق ما يسمح به القانون.

وعلى أرض الواقع أيضا، تقول كل المؤشرات الإعلامية، أنه بإمكان هذه المقاطعة السلمية، أن تخلق تأثيرا سلبيا على الشركات صاحبة السلع المقاطعة، بل أن تأثيرها سيكون كبيرا جدا على سلع أخرى، إذا لم تسرع الحكومة بالضغط على الشركات والمقاولات لتخفيض أثمان سلعها والخضوع للرغبة الشعبية… وإذا لم تجبر المتورطين في مواجهة “المقاطعة” بالكلمات النابية اللاأخلاقية (وزراء ونواب بالبرلمان وموظفين بالشركات المعنية، الذين صبت كلماتهم المزيد من الزيت على نار المقاطعة)، على الاعتذار الصريح والواضح للشعب المغربي والاستقالة، ذلك لأن الأمر يتعلق بالمواطنة وحقوقها التي يضمنها الدستور وحرماته.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: