الحكومة المغربية تتوعد «المقاطعين» بالمتابعة القضائية
صمتت الحكومة المغربية عن المقاطعة التي يخوضها المواطنون لثلاثة منتجات استهلاكية مدة طويلة، ولما خرجت بتصريح رسمي ما كان لحديثها سوى أن يؤجج غضبا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي وحملة مضادة من لدن من اعتبروا المقاطعة وسيلة احتجاج سلمي ضد الاحتكار والجمع بين النفوذ الاقتصادي والسياسي.
فبعد أن انطلقت حملة المقاطعة منذ ثلاثة أسابيع، صرح الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة أول من أمس، مصطفى الخلفي، بعد اجتماع المجلس الحكومي معتبراً أن حملة المقاطعة انطلقت بناء على معطيات زائفة ليست لها أي علاقة بحرية التعبير وبأنها أضرت بالاقتصاد الوطني. وشدد على أن القانون واضح، كما توعد بمتابعة كل من ينشر أخباراً زائفة قضائياً، وقال: «سنراجع قانون الصحافة والنشر، من أجل منع ترويج مثل هذه الأخبار التي تضر بالاقتصاد الوطني».
وأوضح في ندوة صحافية أول من أمس الخميس، أن الحكومة تدارست بشكل معمق الآثار الجسيمة للمقاطعة على الفلاحين وعلى عموم الاقتصاد الوطني، مؤكداً أن مقاطعة الحليب أنبنت على أخبار زائفة، وبأن الشركة المعنية بالمقاطعة لم ترفع ثمن البيع منذ سنة 2013، معتبراً أن هامش ربح الشركة محدود. وأكد الوزير المذكور أن الحكومة تعمل على حماية حقوق المستهلكين وعلى الحد من أشكال المنافسة غير الشريفة، وبأنها ستتحمل المسؤولية كاملة في كل ما يستهدف اقتصاد البلاد.
وبخصوص لفظة « المداويخ « التي نعت بها محمد بوسعيد، وزير المالية، المقاطعين، قال الخلفي جوابا على إلحاح الصحافيين لمعرفة موقف الحكومة، بأنه يجب توجيه السؤال للوزير المعني، مضيفاً: «أي أمر صدر عن أي وزير يجب توجيه السؤال له لتوضيحه، لا نتصور كحكومة الإساءة لأي مواطن».
لم تمر هذه التصريحات بسلام، فقد انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي حملة استنكار وسخرية من الحكومة كالنار في الهشيم، اعتبرت أن الحكومة أصبحت ناطقة باسم الشركات وخرجت تدافع عن مصالحها لا عن مصلحة المواطنين الذين صوتوا لها، وبأنه عِوَض دعوة الشركات لتجويد المنتوجات وخفض أسعارها قامت الحكومة بإطلاق وعيد بالمتابعة في حق الداعين للمقاطعة. كما نشر نشطاء على الفضاء الأزرق و مواقع إلكترونية تصريحات سابقة لوزراء حاليين في حزب العدالة والتنمية ينتقدون فيها مستوى الأسعار لما كانوا في المعارضة.
واستهدفت الانتقادات بشكل خاص حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة عن مفارقة خطابه أثناء حملة الانتخابات وعن مواقفه التي صرفها قياديون له في الحكومة حول أزمة المقاطعة التي وضعت وجها لوجه الحكومة والشركات المعنية بالمقاطعة في مواجهة المواطنين المقاطعين.
عبد العزيز أفتاتي، القيادي البارز في حزب العدالة والتنمية علّق على التصريح الحكومي بأنه «متهافت وغير مؤسس ولا علاقة له بحزب العدالة و التنمية «، معتبراً أن النقاش الحقيقي الذي يجب الخوض فيه هو «هل هناك منافسة حقيقية في بيع بعض المنتجات منها الحليب». وأوضح أن الحليب المعني بالمقاطعة لا يخضع للمنافسة منذ سنة 2013 وأنه في تلك السنة عرف ثمن الحليب «زيادة غير مشروعة بفعل التواطؤ وتلك الزيادة استمرت خمس سنوات»، مضيفا ان السؤال اليوم هو «من قام بإخبار مجلس المنافسة المختص في قمع المتلاعبين والمتواطئين في موضوع المنافسة، من يضع يده على مجلس المنافسة منذ أربع سنوات؟».
واعتبر افتاتي النقاش الذي طرحته المقاطعة بين المغاربة نقاشا صحيا، لا تقف خلفه اَي جهة، كنا لا يمكن لأي جهة أن توقفه، لأنه نقاش مشروع بين المواطنين.
واعتبر عمر بلافريج، النائب البرلماني عن فيدرالية اليسار أن تصريح الحكومة «خارج عن السياق ويؤجج الأوضاع لأنه يدل على أن رسالة المقاطعة لم تصل، و بأن المسؤولين لم يفهموا بعد الأزمة السياسية و الاجتماعية التي يعانيها المغرب»، موضحا في تصريحه ان هذه الأزمة اتخذت عدة أشكال من حراك الريف الى حراك جرادة ثم حاليا المقاطعة، وهي أشكال احتجاجية وإن اختلفت، إلا أنها تعبر عن نفس المطالب، وهي «إعادة النظر في الطريقة التي يتم بهذا توزيع الثروات « وتعبر كذلك على ان «استثمارات الدولة لا علاقة لها بأولويات المغاربة».
وأضاف أن «المقاطعة تعبير حداثي ابتكره المغاربة ليقولوا كفى من العبث»، مضيفاً: «بعدما خرجوا للشارع في احتجاجات وتعرضوا للضرب والاعتقال، الآن اختاروا المقاطعة، وهم يمارسون حقهم في الدفاع عن حقوقهم» .
وتتواصل المقاطعة لثلاثة منتجات استهلاكية (حليب وغاز وماء) تابعة لثلاث شركات استهدفتها الحملة دون سواها من الشركات، حيث كبدتها خسائر مهمة وفق ما أظهرته بورصة الدار البيضاء.