الأوروبيون يرفضون قرار ترامب نظريا وينفذونه عمليا

بقاء إيران في الاتفاق النووي يهدف إلى تعميق الصدع بين أوروبا والولايات المتحدة.

دخلت الدول الأوروبية في مواجهة مع الولايات المتحدة في محاولة للتقليل من تأثير العقوبات الأميركية على الشركات الأوروبية التي تستثمر في إيران، في محاولة لإنقاذ الاتفاق النووي. لكن خبراء يقولون إن المحاولة الأوروبية لن تتعدى طابعها الكلامي فقط.

وتدرك مجموعة “إي 3″، التي تضم بريطانيا وفرنسا وألمانيا، أن إيران لن تبقى كجزء من الاتفاق بعد إعلان الرئيس دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة منه، إلا في حالة ضمان أن الدول الأخرى الموقعة عليه ستضمن مصالح طهران الاقتصادية. وتشمل هذه المصالح محاولة تحصين الشركات التي تريد عقد اتفاقات في السوق الإيرانية من العقوبات “الثانوية” التي توعّد ترامب بإعادة فرضها على الأطراف الثلاثة المتعاملة مع الإيرانيين.

وقال توني بلينكن، نائب وزير الخارجية الأميركي في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، إن “قدرة الأوروبيين على إبقاء الاتفاق على قيد الحياة ستعتمد كثيرا على حجم الفوائد الاقتصادية التي ستحصدها إيران، من دون الولايات المتحدة”.

لكن المشكلة بالنسبة لإيران تكمن في المدى الذي سيكون الأوروبيون مستعدين للذهاب إليه في تحدي العقوبات الأميركية، التي تشمل النظام المصرفي وصادرات النفط الإيرانية.

ويقول إريك ليزان المحلل القانوني الأميركي، إن “حجم الولايات المتحدة الاقتصادي يؤهلها لفرض عدد كبير من العقوبات التي ستكون كافية لخلق الكثير من المشكلات بالنسبة للأوروبيين على وجه الخصوص، بتأثير أكبر من أقرانهم الصينيين والروس″.

ورغم إدراك المسؤولين الأوروبيين أنه من الصعب خلق نظام مصرفي مواز لنظام عالمي تنتهي خيوطه في الولايات المتحدة، لكن الخلاف مع ترامب دفع الاتحاد الأوروبي إلى تصعيد اللهجة عبر التأكيد على محاولة إنقاذ الاتفاق من دون واشنطن.

وفشلت محاولات أوروبية جرت خلال عامي 2016 و2017 للبحث عن طريقة ما يتم من خلالها فصل الشركات الأوروبية العاملة في إيران عن العقوبات الأميركية، وهو ما دفع طهران إلى الشكوى مرارا خلال الثلاثة أعوام الماضية من رفع معدلات الاستثمار الأجنبي في البلاد، وفقا للاتفاق النووي، لم يترجم على أرض الواقع.

وإلى جانب صادرات إيران النفطية، التي تحاول الولايات المتحدة تقليصها قدر الإمكان وفقا لبرنامج العقوبات الجديد، يبدو ترامب أكثر استعدادا من رؤساء أميركيين سابقين لاستهداف الشركات الأوروبية بإجراءات قاسية. وظهر ذلك في اللهجة التي استخدمها مساء الثلاثاء في خطابه الذي أعلن فيه انسحاب بلاده من الاتفاق.

وأشار ترامب خلال الخطاب إلى أنه لن يتسامح مع أي محاولة لتقويض صلاحياته السياسية في رسم إطار العلاقات الغربية مع إيران.

وأكدت واشنطن أن العقوبات ستسري “فورا” على العقود الجديدة، ومنح مستشار الأمن القومي جون بولتون ووزارة الخزانة الشركات التي تملك عقودا مع إيران بالفعل مهلة تتراوح بين تسعين و180 يوما للخروج من إيران.

وقال توني بلينكن “بقاء الاتفاق يعتمد على رد فعل الشركات على بيئة الاستثمار الجديدة التي خلقها قرار ترامب، ومدى عزم واشنطن على معاقبة الشركات المتعاملة مع إيران”.

وقالت مصادر أوروبية إن “مسؤولين في الاتحاد الأوروبي عكفوا سرا خلال الأشهر الماضية، لبحث سبل المواجهة المحتملة مع الولايات المتحدة في ما يتعلق بالعقوبات، لكنهم فضلوا عدم الحديث عن ذلك في العلن، واكتفوا فقط بمحاولة إقناع ترامب بالبقاء ضمن الاتفاق”.

وتشاهد إيران من بعيد هذه الخلافات بينما ينتابها شعور كبير بالرضا، إذ يمثل قبول طهران بالبقاء في الاتفاق خطوة تأمل من خلالها في تعميق الخلافات الغربية، وخلق صدع قد يؤثر على المدى البعيد على عدم قدرة الغرب على خلق مواقف عدائية موحدة تجاه إيران.

وتخشى ألمانيا، التي تتبنى الموقف الأكثر تشددا من القرار الأميركي، من تخلي فرنسا وبريطانيا عن مساندتها في مواجهة ترامب.

واستثمر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، منذ صعوده للرئاسة صيف العام الماضي، كثيرا في علاقات بلاده مع الولايات المتحدة وفي انسجام شخصي بينه وبين ترامب. والتخلي عن هذا المسار الآن قد يسبب أكبر اضطراب في السياسة الخارجية الفرنسية منذ عقود.

كما تعول بريطانيا كثيرا على “العلاقات الخاصة” مع الولايات المتحدة، في وقت تستعد فيه للخروج من الاتحاد الأوروبي، ولا تملك أوراقا سياسية أو تجارية بديلة بعد.

ويقول محللون إن ديناميكية العلاقات الداخلية الأوروبية وعمق الارتباط الاقتصادي مع الولايات المتحدة سيدفع الاتحاد الأوروبي إلى تنفيذ قرار ترامب عمليا ورفضه نظريا في نفس الوقت.

وقال باتريك وينتور، المحلل المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في صحيفة الغارديان، إن “الأوروبيين أمام خيار المضي قدما في حزمة المفاوضات التي أعدوها أصلا لإقناع ترامب بالبقاء في الاتفاق، عبر التفاوض مع إيران حول بند الغروب، وبرنامجها للصواريخ الباليستية، ونفوذها المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط”.

وأضاف “في هذه الأثناء، لم يعد أمام الدول الأوروبية سوى القبول بقيادة ترامب، حتى لو كانت تعتقد أن قيادته تتضمن خطورة تعميق الاضطرابات في الشرق الأوسط، أو تحدي أقرب حليف لها إزاء أكبر قرار يخص السياسة الخارجية طوال كل فترة رئاسته”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: