قطع الرباط العلاقات مع طهران: هل سببه تسليح حزب الله للبوليساريو أم تَقرُّب من الرياض أم اصطفاف مع ترامب؟
أربك القرار الذي اتخذته المملكة المغربية بقطع علاقاتها الديبلوماسية مع إيران مستهل الشهر الجاري المراقبين وحيّر الخبراء المتابعين لهذا الملف. فهل اتخذ هذا القرار، على أساس الأدلة التي جمعتها الحكومة المغربية بخصوص تورط حزب الله في تسليح جبهة البوليساريو وتدريب عناصرها، أم هو تقرب من الحكومة السعودية، أم أن القرار مجرد اصطفاف مرحلي مع إدارة اترامب في هذا الظرف الحاسم ؟ أم كل ذلك في وقت واحد!!.
قبل اتخاذ القرار، عرض ناصر بوريطة وزير الخارجية المغربي حزمة براهينه، على نظيره الإيراني جواد ظريف الذي لم ينف محتوياتها مكتفيا بتأكيد «أن إيران رغم علاقاتها العقائدية مع حزب الله، ليست مطلعة، عكسا لما يبدو في الظاهر، على جميع نشاطات هذا الحزب»، ومؤكدا أنه «سيحقق في الموضوع».
وأدرجت أسبوعية «جون أفريك» الفرانكفونية في افتتاحيتها التحليلية أمس القرار المغربي ضمن «الحملة الأمريكية الإسرائيلية السعودية على إيران وعلى برنامجها النووي، في مسعى مغربي للتقارب بين الرباط والرياض».
وأكدت في تحليلها «أن الأدلة التي اعتمد عليها القرار المغربي تثير شكوكا كثيرة في مقدمتها ما أثاره الإعلان عن تأسيس لجنة لدعم الشعب الصحراوي في نونبر 2016 في بيروت وتحت إشراف حزب الله. ولوحظ أن نشاطات هذه اللجنة ذات الطابع الثقافي في غالبها، مغطاة باهتمام كبير من وسائل الإعلام المقربة من حزب الله.
وجاء الدليل الآخر أربعة أشهر بعد ذلك، عندما أوقف الأمن المغربي في مطار الدار البيضاء رجل الأعمال اللبناني قاسم تاج الدين أحد كبار ممولي حزب الله، وهو في طريقه إلى كوناكري.
وقد تمكن قاسم تاج الدين الذي يحمل الجنسيتين البلجيكية والسيراليونية من خلق ثروة كبيرة في منطقة إفريقيا ما وراء الصحراء وبخاصة في جمهورية الكونغو الديمقراطية التي يملك فيها شبكة توزيع تجارية نشطة، وكان الأمريكيون قد أصدروا بحقه مذكرة توقيف دولية بتهمة تمويل نشاطات إرهابية والقيام بعمليات تبييض للأموال.
وقامت السطات الأمنية المغربية، بعد اعتقاله واستجوابه، بتسليمه للسلطات القضائية الأمريكية يوم 23 مارس 2017. واعتبر حزب الله ما حدث لرجل الأعمال قاسم تاج الدين بمثابة إعلان حرب عليه من المغرب، ولم يمض أسبوعان على هذه الحادثة، حتى زار وفد من جبهة البوليساريو مقر حزب الله في بيروت الغربية.
وقد تم التعرف على أعضاء الوفد الصحراوي الذي ضم كلاً من مصطفى محمد الأمين ممثل البوليساريو في الشرق الأوسط، والحريطاني ولد الحسن المسئول الإعلامي في الجبهة، كما تم الكشف عن الجهة التي استقبلت الوفد في بيروت وهي إدارة العمليات الخارجية في حزب الله.
وحسب الأدلة المغربية، فإن وفدا من حزب الله زار بعد ذلك، المخيمات الصحراوية في تيندوف حيث اختار مجموعة من الصحراويين لتدريبهم على العمليات القتالية في المناطق الحضرية.
وأخطر من ذلك، ما أكدته الأدلة المغربية، من أن اجتماعا عقد في إبريل الماضي في مكان محاط بالسرية في منطقة تيندوف، بين وفد عسكري من حزب الله وقادة المناطق العسكرية السبع التابعة للبوليساريو، سلم حزب الله خلاله للقادة الصحراويين مجموعة من صواريخ سام: 7 و9 و11 وكمية هامة من القذائف.
وحسب الأدلة المغربية دائما، فقد أسندت عملية تنسيق هذا الدعم العسكري للشخص الثاني في السفارة الإيرانية في الجزائر أمير موسوي وهو مستشار ثقافي في السفارة لكنه أيضا قيادي مهم في الحرس الثوري الإيراني «بازدران».
وكالعادة، عمّت من الجزائر إلى طهران مروراً ببيروت بيانات نفي الأدلة والاتهامات المغربية كلها، غير أنه من اللازم ألا ننسى أن المغرب قطع علاقاته مع إيران خلال الفترة من 2009 حتى 2014 بتهمة ممارسة ديبلوماسيين إيرانيين في الرباط، لطقوس شيعية.
ومع أن علاقات حزب الله بجهة البوليساريو هي سبب قطع المغرب لعلاقاته مع جبهة البوليساريو، فإن الخبير حسني عبيدي مدير مركز الدراسات والبحوث حول العالم العربي والمتوسطي، يعتقد أن هذا القرار يدخل ضمن تجليات أزمة الخليج والخلاف بين قطر والسعودية.
فقد أكد الخبير حسني «أن الدليل على ذلك هو مسارعة دول الخليج السعودية والإمارات والبحرين وحتى قطر المقربة من إيران، لدعم المغرب في قراره المتعلق بقطع العلاقات الديبلوماسية مع طهران، ثم كان أن انضمت الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لأوركسترا دعم المغرب في قراره.
ويؤكد حسني عبيدي مؤلف كتاب «الشرق الأوسط وزمن الشك»، في مقابلة مع مجلة «جون أفريك»، أنه فوجئ بالقرار المغربي لمعرفته بالحياد الذي لزمه المغرب في الأزمة الخليجية، حيث رحبت أوساط دولية عدة بعدم رضوخ الحكومة المغربية للضغوط السعودية في هذا الشأن».
وحول الأسباب الحقيقية التي دفعت المغرب لقطع العلاقات مع إيران، أوضح الخبير حسني عبيدي «أنها تندرج ضمن ظرف إقليمي ودولي، فعلى المستوى الجهوي، لزمت المغرب الحياد في الأزمة الخليجية عكسا لما كانت تتوقعه السعودية وهو ما أثار حفيظة السعوديين، وانضافت لهذا، يضيف حسني، الضغوط التي مورست من طرف بعض دول الخليج لعزل حزب العدالة والتنمية الحاكم في المغرب، فاضطر المغرب لمراجعة موقفه من أزمة الخليج عبر التضحية بعلاقاته مع إيران»، التي هي قضية غير مكلفة مادام هذه العلاقات قد ظلت متوترة».
«أما السياق الدولي، يضيف حسني، فقد فضل المغرب عبر قراره هذا، التقرب من إدارة اترامب الذي يستعد للتعبئة ضد إيران، للتعويض عن علاقاته المتوترة مع الاتحاد الأوروبي على المستوى الثنائي وبسبب قضية الصحراء».
وعن الرابح من قرار قطع العلاقات بين المغرب وإيران، أكد الخبير حسني «أنه المملكة العربية السعودية التي سترتاح لوجود المغرب بجانبها، حيث أن المملكة المغربية تشكل قنطرة بين أوروبا وإفريقيا وهي معروفة بمواقفها المعتدلة، كما تولى تدريب الأئمة في إفريقيا وأوروبا على الإسلام المعتدل».