تجارة الأسلحة وتبييض الأموال يجمعان بين حزب الله والبوليساريو
دول كثيرة في العالم لم تتردد في دعم قرار المغرب المتعلق بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، بعدما تبيّن أن هناك علاقة بينها وبين جبهة البوليساريو الانفصالية.
الجمعة 2018/05/04
في الوقت الذي يناقش فيه الدبلوماسيون ما كشفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن وثائق إيران النووية السرية التي استطاع الحصول عليها، أثار مؤتمر صحافي آخر عُقد على بعد 2500 ميل، جدلا حول سياسات إيران وأنشطتها الخارجية.
اللافت أن المؤتمر الثاني كان مصدره المغرب. وهذا في حد ذاته يعطي أبعادا أكثر جدية وواقعية على القضية والاتهام الموجه لإيران وحزب الله. ويعرف المغرب بدبلوماسياته وحرصه الشديد على موازنة علاقته مع مختلف دول العالم.
ورغم أن علاقة المغرب بإيران لم تكن متميزة إلا أنه حافظ دائما على الحد الدبلوماسي في التعامل معها. وحتى في قضيته القومية حول الصحراء المغربية دائما ما تكون وجهة المغرب الأولى المجتمع الأممي والتصرف وفق ما تفرضه القوانين والبروتوكولات الدولية، رغم قوة حجته.
قرر المغرب قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران، بسبب ما قال إنه دعم وتدريب تقدمهما جماعة حزب الله اللبنانية، حليفة طهران، لجبهة “البوليساريو” التي تنازع الرباط السيادة على إقليم الصحراء. وأكد مصطفى الخلفي، الناطق باسم الحكومة المغربية، أنه قبل اتخاذ قرار قطع العلاقات مع إيران تمت مواجهة طهران بهذه الأدلة من خلال زيارة وزير الخارجية ناصر بوريطة، لإيران، ولكنها لم تقدم أي أمور لنفي ذلك. وقال الخلفي إن قرار الرباط لم يخضع لأي سياق دولي، مشددا على أن أي قرار ضد وحدة بلاده، سيكون مكلّفا للطرف الذي اتخذه
لذلك، لم تترد دول كثيرة في العالم في دعم قرار المغرب المتعلق بطرد حزب الله من أراضيه وقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، بعدما تبيّن أن هناك علاقة بينهما وبين جبهة البوليساريو الانفصالية وصلت حد تقديم الدعم العسكري، ما يعرض أمن المغرب القومي للخطر، وأيضا أمن المنطقة الأفريقية والعالم بأسره.
تتجاوز علاقة البوليساريو بحزب الله تقديم الدعم بتحريض من الجزائر. حيث تربطهما أيضا تجارة السلاح والمخدرات وتبييض الأموال. فشبكة حزب الله في تبييض الأموال تمتد من أفريقيا (الغرب أساسا) إلى أميركا اللاتينية، وعلاقة البوليساريو بالتنظيمات الجهادية في المنطقة تفيد عمل حزب الله كثيرا.
سارعت جهات مرتبطة بإيران إلى محاولة ربط موقف المغرب بمقاطعة السعودية والبحرين ومصر لقطر، خاصة وأن المغرب قاطع إيران عام 2009 ردا على تصريحات إيرانية طالبت بضم مملكة البحرين إلى أراضيها، وهي القطيعة التي استمرت حتى أكتوبر عام 2016، بعدها عيّنت الرباط سفيرا لها في طهران.
كما سعت هذه الجهات إلى تأطير القرار المغربي في سياق الأزمات الإقليمية وحالة الاستقطاب الثنائي مع السعودية، التي تسعى إيران إلى الترويج لها لتظهر نفسها كقوة ندية، في حين أن الواقع عكس ذلك، سواء من ناحية موازين القوى مع السعودية في المنطقة، كما من ناحية خلفية موقف المغرب، الذي وقف على مسافة من الأزمة الخليجية احترمها رباعي المقاطعة وقدر خصوصيتها.
وأعلنت الرباط، الثلاثاء الماضي، أنها تمتلك “معلومات تفيد بإقدام دبلوماسيين في السفارة الإيرانية بالجزائر على تسهيل عملية لقاء قياديين في حزب الله بقياديين في البوليساريو”.
ونفت طهران وحزب الله تقديم أي دعم لـ”جبهة البوليساريو”، واعتبر الحزب أن القرار المغربي جاء “بفعل ضغوط أميركية وإسرائيلية وسعودية”، وهو ما نفته الرباط بدورها، كما نفاه سياسيون ومتابعون وخبراء، من بينهم المحلل الأميركي في صحيفة واشنطن اكزامينور، مايكل روين، الذي يؤكد أنها “لم تكن مجرد عملية مارقة. ففي النهاية ما تعرض له المغاربة ليس أول محاولة من إيران لزعزعة استقرار مملكتهم”.
ويضيف روبن أن “الواقع يقول إن سلوك إيران يكتسب طابعا أيديولوجيا، ومشكلة إيران مع المغرب هي أيديولوجية، خصوصا وأن المغرب لا ينتمي إلى معسكر دول الغرب الليبرالي فقط، ولكنه يقف أيضا في طليعة القوات المحاربة للإسلام المتطرف”، مضيفا أنه “على الرغم من اختلاف المذاهب بين إيران والمغرب، إلا أن رجال الدين وقادة إيران لا يريدون رؤية هذا الفرق أو حتى الالتزام به”.
وجدد رئيس الحكومة المغربية سعدالدين العثماني الخميس، قوله إن المغرب لا يمكن أن يتساهل مع أي اعتداء على ثوابته الوطنية وسيادته على إقليم الصحراء. وقال خلال كلمته في افتتاح اجتماع مجلس الحكومة، إن “المغرب اتخذ، أخيرا، موقفا صارما وقطع علاقاته مع إيران، لدعمها جبهة الانفصاليين (البوليساريو)”. واعتبر العثماني أن “عمق الرسالة من هذا القرار (قطع العلاقات) هو أن أي اعتداء على الثوابت الوطنية وعلى سيادة المغرب لا يمكن للرباط التساهل أو التسامح معه بأي وجه كان”.
برر وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة قرار بلاده قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران بقوله إن “ما يقوم به حزب الله في تندوف (بالجزائر) بمباركة إيرانية هو تهديد مباشر لسلامة المغرب والمغاربة، وهذا لا يمكن أبدا القبول به”.
وقطع بوريطة الطريق على أي تأويلات بقوله إن “هذا القرار صدر ضد إيران وليس ضد لبنان الذي يعتبر حزب الله طرفا في حكومته”، وأضاف “ليست هناك دلائل على أن مسؤولين لبنانيين رسميين، أو سفارة لبنان في الجزائر تدخلت في هذا الأمر”، وتابع قوله إن “ما يقوم به حزب الله لا يمكن أن يتم دون علم وموافقة الجمهورية الإيرانية”.
ويتأكد أيضا، من خلال مراجعة علاقات المغرب الدبلوماسية، أن الأمر يتعلق بالسيادة الوطنية والأمن القومي للبلاد، دون تأويلات مسيّسة. فالمغرب يحتفظ بعلاقات الدبلوماسية، بل ويسعى إلى تطويرها مع دول معروفة بدعمها للبوليساريو، خصوصا في أميركا اللاتينية.
وقال بوريطة إنه “يمكن لإيران أن تتخذ مواقف دبلوماسية من قضية الصحراء، كما يمكن أن تكون لها تحركات دبلوماسية، لكن حينما يتعلق الأمر بقيام موظفين في السفارة الإيرانية بالجزائر بتسهيل العلاقة بين البوليساريو وحزب الله، فهذا الأمر لا يمكن القبول به”، مشددا على أن الأمر يتعلق بـ”دعم عسكري” وليس بمواقف دبلوماسية.
وبالتالي، فإن الموقف من إيران جاء بعد ما تبيّن بالحجة أن إيران تجاوزت الخطوط الحمراء واخترقت الأعراف الدبلوماسية والدولية وتهدد الأمن القومي للمغرب بتسليحها للانفصاليين وحثهم على الاستفزاز وإثارة المشكلات بما يصرف انتباه الداخل عن مساع إيراني تهدف إلى نشر التشيّع في المغرب والمنطقة، وأيضا التركيز مع البوليساريو يصرف الانتباه عن نشاط حزب الله في أفريقيا، خصوصا بعد تضييق الخناق عليه في أميركا اللاتينية.
ودعا مايك بنس، نائب الرئيس الأميركي، كبار القادة الإقليميين في قمة الأميركيتين التي عقدت، مؤخرا، بليما في البيرو، إلى شن حملة منسقة ضد نشاطات حزب الله غير الشرعية في أميركا اللاتينية.
وتؤكد الإدارة الأميركية أنها تسعى بشدة إلى مواجهة شبكة حزب الله الناشطة في مجال المخدرات وتبييض الأموال وتجارة السلاح، والتي تتمركز بقوة في أميركا اللاتينية.
وقال سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية، بجامعة العين للعلوم والتكنولوجيا بأبوظبي في تصريح صحافي، إن موقف بلاده ينسجم مع الدبلوماسية المغربية في السنوات الأخيرة.
وأوضح الباحث المغربي أن المغرب أظهر في السنوات الأخيرة “حزما واضحا” حتى تجاه دول كبرى مثل الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، حينما تكون هناك مواقف من شأنها المس بوحدة ترابه و”بالأحرى إذا كان هناك تدريب عسكري لعناصر البوليساريو”.
مايكل روبن: ما تعرض له المغاربة ليس أول محاولة من إيران لزعزعة استقرار بلادهم
مايكل روبن: ما تعرض له المغاربة ليس أول محاولة من إيران لزعزعة استقرار بلادهم
واعتبر خالد يايموت، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس (حكومية) بالرباط، أن “ما أزعج المغرب هو أن العلاقات بين إيران وجبهة البوليساريو تحولت إلى تعاون عسكري بين حزب الله والبوليساريو، مع إمداد الجبهة بأسلحة إيرانية الصنع”، معتبرا أن هذا الأمر هو “خرق للالتزامات المتبادلة” بين طهران والرباط عام 2014 والتي بموجبها تم استئناف العلاقات الدبلوماسية.
وقال إن المغرب من خلال إعادة الدبلوماسية مع إيران في 2016 كان يسعى إلى تطوير هذه العلاقات بشكل متدرّج بناء على التزامات سابقة بين الطرفين، وبهدف خلق نوع من التعاون في قضايا متعددة، بينها الطاقة.
لكن، إيران أبت إلا أن تقطع هذه العلاقات وتخرّبها، من خلال مساعيها إلى اختراق المغرب والمنطقة، حيث يؤكد يايموت أنه لا يمكن قراءة ما كشفت عنه الرباط من علاقة بين البوليساريو وإيران، والجزائر طرف ثالث، بمعزل عن صراعات جديدة في أفريقيا بين المغرب وإيران على المستوى الديني والتجاري، مشيرا إلى أن هذا الصراع يأخذ أبعادا حادة بالسنغال والكوت ديفوار، وأيضا في علاقة بموقف الجزائر من عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي وتطور علاقاته مع مختلف دول القارة.
وتتحدث تقارير إعلامية عن الدور المغربي في أفريقيا لمواجهة “المد الإيراني”، ومحاولة تغيير الهوّية الدينية السنية للقارة عبر نشر المذهب الشيعي، مستشهدة في هذا الصدد بتأسيس العاهل المغربي محمد السادس “مؤسسة محمد السادس لعلماء أفريقيا” للدفاع عن الإسلام السني المالكي المعتدل.
ويتحدث عن ذات القضية مايكل روبن، مشيرا إلى أنه وفي حين يبدو المغرب مهمّشا بالنسبة إلى أولئك الذين يركزون أكثر على الحرب والصراع في الشرق الأوسط، فإن الدور الذي يلعبه هذا البلد الأفريقي من الناحية الدينية عميق ومؤثر في محاربة التطرف.
ويضيف روبن أن تواصل إيران مع جبهة البوليساريو يثير الكثير من الاهتمام، حيث أنه ليست هناك أي مصلحة لإيران في قضية البوليساريو المزعومة، والتي أكد الكثير من المنشقين عنها أنها قضية فارغة لا معنى لها.