اتساع حملة المقاطعة الاقتصادية في المغرب يضع التحالف الحكومي والمؤسسات الرسمية على المحك
تستمر حملة مقاطعة لمنتجات اقتصادية بالمغرب ، في تكبيد شركات كبرى خسائر مهمة، وبالموازاة مع سيل النقاش العمومي الذي أثارته في الفضاء العام يستمر صمت الحكومة في الوقت الذي تعالت أصوات تنادي بأن يدلي رئيسها سعد الدين العثماني بدلوه في هذا الحدث الكبير الذي يعد سابقة في تاريخ أشكال الاحتجاج التي دأب عليها المغاربة .
المقاطعة التي انطلقت منذ أسابيع على مواقع التواصل الاجتماعي، تركت أثرها على الأسواق ولا حديث يعلو على موضوعها في كل وسائل التواصل الاجتماعي في المغرب من خلال إبداع أشكال تعبيرية عديدة لإيصال فكرة المقاطعة ، وتراوحت هذه التعبيرات من الرسوم الساخرة إلى إبداع أغان شعبية ومستملحات كلها جعلت من ثلاثة منتجات بعينها موضوعا لها، هذه المنتجات هي حليب «سنطرال» و ماء «سيدي علي « و شركة «إفريقيا « للمحروقات التي يملكها وزير الفلاحة و الصيد البحري عزيز أخنوش وهو الرجل النافذ المعروف بقربه من دوائر القرار المركزي بالمغرب.
وعزيز أخنوش مستثمر اقتصادي كبير وفاعل سياسي يرأس حزبا سياسيا هو «التجمع الوطني للأحرار» المشارك في الحكومة و الذي أثار جدلا كبيرا أثناء فترة تشكيلها و تعتبره بعض وسائل الإعلام المغربية ومتتبعون للشأن السياسي أنه أقوى رجل في حكومة سعد الدين العثماني، روجت قيادات محسوبة على حزبه أن حزب العدالة والتنمية يقف وراء حملة المقاطعة من خلال كتائبه الإلكترونية ، مما يحيل على أزمة خفية بين الحليفين في الأغلبية زاد منها أن لاذ العثماني بالصمت في الوقت الذي ينتظر «ألأحرار» أن يلعب دوراً في التنفيس من الأزمة .
صمت العثماني شوّش عليه تصريح عبد الإله بنكيران سلفه على رأس «العدالة و التنمية» و رئيس الحكومة السابق المعفى بقرار ملكي ، الذي تحدث عن المقاطعة، مستغربا أن يقاطع المواطنون «سنطرال» و «سيدي علي» لأنهما في نظره منتوجان لم يرفعا الأسعار، في حين تفهم إمكانية الاحتجاج على «إفريقيا غاز» ، هذه التصريحات جرت على بنكيران موجة انتقادات في وسائط التواصل الاجتماعي بين من يعتبره يحابي جهات تتحكم في الأسواق المغربية ومن حمله مسؤولية ارتفاع الأسعار من الأصل نتيجة القرارات التي اتخذها خلال رئاسته للحكومة السابقة و أهمها الزيادة في ثمن المحروقات .
اللبس الذي أثاره تصريح بن كيران حول المقاطعة وما إن كان يدفع التهمة عن حزبه بأنه بريء من المقاطعة أو يدعمها فقط في مقاطعة منتوجات أخنوش الذي بلغ معه الخلاف أثناء فترة ما سمي بـ»البلوكاج» مبلغا كبيرا ، زاد منه خروج برلمانيين من «البيجيدي» لانتقاد وزير المالية محمد بوسعيد الذي وصف المقاطعين بـ«المداويخ» وهو نعت قدحي ، وكان أبرز تلك الانتقادات ما كتبته البرلمانية أمينة ماء العينين، في فيسبوك حيث قالت أنها تشعر بـ»الخجل» حين «يستغل وزير في حكومة أنتمي لغالبيتها النيابية منصة البرلمان لغاية سب جزء من الشعب ، الذي يفترض أن هذا البرلمان يمثله و يؤدي تعويضات أعضائه كما أعضاء الحكومة -ومنهم السيد الوزير- من جيبه ليدافع عن حقوقه، لا ليقدح فيه ويعتبره شعبا قاصرا، لمجرد أنه اختار اختيار يحدث في كل دول العالم الأكثر ديمقراطية».
المقاطعة التي تصاعدت وتيرتها في زمن قياسي وبدأ يظهر أثرها الاقتصادي بشكل ملحوظ حسب محللين اقتصاديين ، وضعت الأحزاب في موقف حرج كما حدث مع حراك الريف شمال المغرب واحتجاجات جرادة شرقه، خاصة حزب العدالة والتنمية المتصدر للانتخابات التشريعية الأخيرة والذي يرأس الحكومة و يوجد الآن ما بين منزلتي الحفاظ على تماسك تحالف حكومي غير متماسك وقع ميثاقا للحفاظ على تماسكه لكنه لا يصمد كثيرا أمام الهزات الاجتماعية والسياسية المتوالية و المختلفة الأشكال منذ ما يزيد عن سنة، وبين الحفاظ على ثقة من منحوا هذا الحزب أصواتهم ذخيرة للانتخابات المقبلة .
ليست وحدها الحكومة والأحزاب من تقف صامتة أمام المشهد، بل كذلك البرلمان الذي أظهرته المقاطعة أنه في واد آخر ، خاصة بعد أن تم شتم المقاطعين في قلب إحدى غرفتيه من دون أن يثير ذلك أي ضجة أو احتجاج وسط ممثلي الأمة الذين يمثلون بموجب الدستور المواطنين ، ومن دون أن تبادر هذه المؤسسة إلى مسائلة الحكومة حول تدابيرها تجاه حملة المقاطعة وكيف ستتجاوب مع محتجين لم ينزلوا إلى الشارع بلافتات وشعارات فقط اختاروا ألا يستهلكوا بعض المنتجات التي يملكها فاعلون كبار في الشأن الاقتصادي و السياسي .