التواصل الاجتماعي يجمعنا والسياسة تفرقنا

لا تتوقع أن تجد في ميدان الحوار والنقاش لدى هذه الجماعة أو تلك تسامحا عند الاختلاف في الرأي، بل بالعكس فالخلاف في الرأي يفسد الود كله ويخلق سجالات وجفاء وشكوكا.

ربما يكون هذا العنوان تلخيصا مكثفا لظاهرة مستجدة في العالم العربي اليوم، انتشار متواصل لمنصات التواصل الاجتماعي خاصة في أوساط الأجيال الجديدة من الشباب الذين فتحوا عيونهم ليجدوا هذه التكنولوجيا العصرية بانتظارهم.

لا يتخيل هذا الجيل أنه قبل أقل من ثلاثة عقود من الآن كان الناس يتواصلون عبر رسائل ورقية والرسالة التي ترسل من مشرق العالم العربي إلى مغربه تستغرق ما يقرب من ثلاثة أسابيع أو أكثر لكي تصل إلى مقصدها، لكن في المقابل لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي قد صنفتهم جماعات جماعات.

فمن الملفت للنظر أن تصلك دعوات للانضمام إلى ما يعرف بالغروبات، سيكون هنالك من رشحك وعليك أن تتقدم بالطلب وتنتظر أن تجري الموافقة عليك وبذلك انقسم المستخدمون إلى جماعات بحسب هدف ومحتوى كل جماعة.

وتجد أن هنالك من شكل مجموعة ذات لون وهدف سياسي ولهذا لم يجد بدا للتخلص من (الأعداء) والمتسللين والمتطفلين من غلق المجموعة إلا على من يؤمنون بأفكار المجموعة وبذلك فرّقت السياسة مجتمعات تواصلية التقت تحت خيمة منصات التواصل الاجتماعي، جماعات.

في المقابل لا تتوقع أن تجد في ميدان الحوار والنقاش لدى هذه الجماعة أو تلك تسامحا عند الاختلاف في الرأي، بل بالعكس فالخلاف في الرأي يفسد الود كله ويخلق سجالات وجفاء وشكوكا وهنالك من يصل به التطرف مرحلة لا يمكن تخيلها ليطبق مقولة من ليس معي فإنه ضدي.

ومن منطلق أن نسبة مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي كله لا تتعدى 5 في المئة من مجموع المستخدمين في أنحاء العالم، فلنا أن نتخيل كم من الناس انقطعوا عن هذه المنصات، فإذا دخل مستخدمون جدد وجدوا بانتظارهم من يقسمهم جماعات لأسباب سياسية أو طائفية أو أيديولوجية.

ومع ذلك فالمستخدمون لوسيلة الإنترنت في حياتهم اليومية في العالم العربي ما انفكت أعدادهم تتزايد، إذ تشير الإحصاءات إلى أن عدد المستخدمين في العالم العربي في العام 2000 لم يكن يتعدى أربعة ملايين مستخدم ليصل اليوم إلى أكثر من 165 مليونا، ولنا أن نتخيل هذا الاندفاع الشديد والأعداد الغفيرة التي وجدت ضالتها في هذا الفضاء الرقمي الفسيح ثم لتتنقل من خلاله نحو منصات التواصل الاجتماعي، وحيث ستلوح في الأفق فكرة الحوار وفي نفس الوقت الاستقطاب القائم على فكرة الجماعات المؤدلجة وبعضها مما هو منغلق على نفسه، غير راغب في الحوار مع الآخرين ولا في تبادل الرأي ولا في قبول الاختلاف.

ولربما سيتساءل أي مراقب لهذه الظاهرة عما إذا كان السبب في ذلك طبيعة السياسة نفسها في العالم العربي القائمة على تقسيم الناس إلى جماعات مختلفة ومتناحرة أم أن الإشكالية تتعلق بفئة من المستخدمين تسقط نزعاتها الذاتية على هذه المنصات التفاعلية؟

ما بين هذا وذاك تتجسم الظاهرة برمتها وتختلط فيها الأسباب والنتائج في ظاهرة ليست عابرة بل إنها تفاقمت يوما لتتحول منصات التواصل الاجتماعي إلى منابر لأكثر الفئات تطرفا وإجراما وعدوانية إبان الصعود الكارثي لداعش.

في المقابل يبدو أن إدارات منصات التواصل الاجتماعي صارت أكثر حذرا من الظواهر، ولهذا صرنا نسمع عن إجراءات للحد من تفشي التطرف والتشدد في منصات التواصل الاجتماعي، وتاليا إغلاق صفحات تلك الجماعات وكتم أنفاسها نهائيا لما تشكله من خطر على السلم الأهلي.

الحاصل، أن السياسة من الممكن أن تجمع الناس عندما تسود لغة الحوار الهادئ والبناء ومن الممكن أن تفرقهم في خنادق رقمية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: