الحق في الحياة
ما يقرب من خمسين ألف امرأة تلقى مصرعها سنويا جراء عمليات إجهاض غير آمنة على أيادي أشخاص يفتقرون للمهنية
ما يقرب من خمسين ألف امرأة تلقى مصرعها سنويا جراء عمليات إجهاض غير آمنة على أيادي أشخاص يفتقرون للمهنية
“هل هذا حقًّا جسدي وحدي، ولدي كامل الاستقلالية في اتخاذ القرارات بشأنه وبشأن ما يحمله؟” هكذا تساءلت الممثلة رينيه زيلويغر القائمة بدور بريدجيت في مشهد من فيلم “بريدجيت جونز بيبي”، حين فكرت في الإجهاض بعدما اكتشفت أنها سترزق بطفل في نفس الوقت الذي لم تتيقن فيه بالكامل من والد الطفل الذي تحمله في أحشائها.
تساؤل بريدجيت كان لسان حال كل امرأة عربية أرادت يوما إجهاضا آمنا وإن اختلفت أسبابه سواء كانت جسدية أو مادية أو اجتماعية ونفسية، فهناك من لا ترغب بالمزيد من الأطفال، ومن تريد الإجهاض لحدوث الحمل خارج إطار الزواج، أو لا ترغب في الإنجاب عموما، أو بسبب انفصالها عن شريك الحياة لكنها تبقى بالنهاية أسباب خاصّة بها تماما لا تمنعها من الحق في الحياة.
وتفيد معظم التقارير والعديد من الدراسات في العالم بأن النساء إن رغبن بالإجهاض فسوف يقمن بذلك بالطرق المتاحة والمتوفّرة حولهن، حتى في الدول التي تحظر قوانينها السياسية والاجتماعية ذلك، وبالتالي تختار النساء سبل إجهاض غير آمنة وغير صحيّة.
وتوجد سيدات بمفردهن، متزوجات، عازبات، لاجئات، ناجيات من الاغتصاب، من خلفيات اجتماعية وثقافية مختلفة، يجبن المستشفيات بحثا عن طبيب يوافق على إجراء عملية إجهاض لهن.
“لا أريد أن أكون أمّا للمرة السادسة”.. كلمات كانت نطقت بها شيماء فتحي شابة مصرية، عندما علمت بأنها حامل، لم تكن تعلم أن تلك الكلمات ستكون نهاية لحياتها، فقد عانت كثيرا ولم تجد من يسعفها ولم تكن لديها اتصالات بالعالم الافتراضي، فهي امرأة كانت تحت مستوى خط الفقر بالكاد تجيد القراءة والكتابة.
وجرّبت فتحي كل حيل ووصفات جدتها، كمشروب القرفة المركز وماء قشر البصل المغلي، وحملت أشياء ثقيلة، وقفزت من مكان مرتفع دون فائدة، وكانت نهاية مطافها عيادة سرّية لطبيب مجهول بأحد الأحياء الشعبية وسط القاهرة أرشدتها إليه صديقة لها.
ويرفض العديد من الأطباء إجراء عمليات الإجهاض حفاظا على سمعتهم المهنية أو الاجتماعية، بينما يعتقد البعض أن الإجهاض حرام دينيا.
وعندما تدخل مشرط الجراح كان المقابل استئصال الرحم ونزيف شديد أدى إلى إزهاق روح الفتاة العشرينية، ولم يستطع أحد إنقاذها، فالعيادة غير مجهزة ولا يوجد بها بنك دم يعوضها عن الدماء التي نزفتها.
ولم يكن حسني فتحي، زوج الضحية، يعرف أن قرار التخلي عن الطفل سيفقده الزوجة والسند في ذات الوقت، ولم يسمع عن “قارب الإجهاض” ولم يعلم أن هناك ما يسمّى بـ”العالم الافتراضي” أو أدوية آمنة يمكن أن يسعف بها زوجته لكنه تمنى أن يكون ثريا كي تحصل زوجته على رعاية صحية جيدة وألا تتكرر مأساة زوجته مع أخريات.
وتضاف مأساة شيماء إلى القضايا المنظورة أمام محكمة النقض في مصر بخصوص الإجهاض التي رفعتها أسر النساء اللواتي توفين جراء الإجهاض غير الآمن على أيدي أطباء أو على يد (قابلة) تقوم بعملية الإجهاض، باستخدام أدوات غير معقمة تسببت في مضاعفات حادة أدت إلى الوفاة.
ورصدت “العرب” قصصا عديدة لنساء يخترن طرقا للإجهاض تعرّض حياتهن للخطر، كأن يلجأ بعضهن إلى إدخال حقنة في الرحم كي يتسع ويحصل إجهاض وهناك من يستخدمن عيدان نبتة “الملوخية” أو إبر “الكروشيه” حتى ينزفن، ثم بعد ذلك يذهبن إلى مستشفى عام، ويتم التعامل مع الأمر على أساس أنه إجهاض لا إرادي.
وتلك الطرق أسهل على السيدات من الابتزاز المادي والتهديد بفضح أمرهنّ، والتحرش الجنسي، وطلب رشوة جنسية مقابل الإجهاض، فالقائمون على عيادات الإجهاض يفترضون أن أي سيدة تأتي إليهم عاهرة فيعاملونها بسخرية وازدراء.