ملف الصحراء يضع علاقات روسيا والمغرب على المحك
وقوف روسيا ضد بعض النقاط في مشروع القرار الأميركي الخاص بالصحراء، هو محاولة للضغط على الولايات المتحدة وفرنسا من خلال ملف الصحراء وتعقيداته للاستجابة إلى ما يتطلبه تعزيز النفوذ الروسي بشرق المتوسط.
التحديات الجديدة التي تواجه ملف الصحراء المغربية تتجلى في الانقسام الحاصل داخل مجلس الأمن الدولي خصوصا بين الولايات المتحدة وبريطانيا مع روسيا، انقسام أبان عنه موقف موسكو عندما اقترحت بصفتها عضوا دائما في مجلس الأمن، إدخال تعديلات على صيغة مشروع قرار أممي حول الصحراء المغربية، وهو سلوك سياسي لم تكن لتقوم به لولا أنها تود الضغط به على المغرب وأصدقائه لكسب عدة نقاط تموقع سياسي ودبلوماسي واقتصادي في شمال أفريقيا وغربها.
وتزامن موقف روسيا الاتحادية تجميد التصويت على مشروع قرار الأمم المتحدة داخل مجلس الأمن، وتأجيله إلى نهاية الشهر، مع تعيين شوفاييف فاليريان فلاديميروفيتش، سفيرا فوق العادة من طرف فلاديمير بوتين، وهي خطوة تكتيكية لإعطاء الفرصة للسفير الجديد لإعادة تعريف العلاقات المغربية الروسية على المستويات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والأمنية.
وسبق للسفير الجديد أن عمل بين عامي 1995 و1998 مستشار سفير روسيا في المملكة المغربية، بالإضافة إلى تخصصه الأكاديمي في شؤون شمال أفريقيا والشرق الأوسط، ما يعني أنه يمتلك بعض مفاتيح معادلات الحرب والسلام بهذه المنطقة، إلى جانب توفير موسكو إمكانيات غير اعتيادية لأداء مهمته التي تفوق ما كان للسفير السابق.
وكان السفير السابق فاليري فوروبيوف، قد وصف العلاقات بين موسكو والرباط بالجيدة والمتينة، وأن الروابط القائمة بين البلدين لم تشهد أي مشكل أو أزمة، وهي علاقات يعمل اللوبي المناهض لتقارب روسيا والمغرب منذ عام 2016 لتحجيمها وتوتير العلاقات البينية.
ونرى أن تعيين السفير فوق العادة في ظروف جد دقيقة تمر بها المنطقة، وهو الذي عمل سفيرا لدى ليبيا في الفترة بين 2004 و2008، وفي العراق بين 2008 و2012، سيكرّس طموح بلاده داخل منطقة حوض البحر المتوسط وبالخصوص داخل ليبيا مستفيدا من خبرته الدبلوماسية المتراكمة وثقة الدوائر العليا فيه.
فإلى جانب الصلاحيات الموسعة المخولة للسفير الجديد، فلدى فلاديميروفيتش التجربة السياسية والدبلوماسية والحكمة التي تقتضي منه التعامل مع ظروف مستجدة تضع علاقات روسيا والمغرب على المحك وحتمت تواجده بهذه الصفة، ومن تلك الظروف أن الحرب في المنطقة يمكن أن تشعلها بوليساريو بدعم جزائري ومسألة تسليح الجبهة بعتاد روسي.
ونجد أن وقوف روسيا ضد بعض النقاط في مشروع القرار الأميركي الخاص بالصحراء والذي عبّر عن قلق كبير إزاء خروقات بوليساريو داخل المنطقة العازلة، هو محاولة للضغط على الولايات المتحدة وفرنسا أساسا من خلال ملف الصحراء وتعقيداته العسكرية والأمنية في غرب المتوسط للاستجابة إلى ما يتطلبه تعزيز النفوذ الروسي بشرق المتوسط بكل امتداداته العسكرية والطاقية والدبلوماسية.
روسيا ستعمل على اختيار مداخل جغرافية كنقط ارتكاز في معركة التواجد داخل أفريقيا، ورغم أن المغرب مؤهل سياسيا واقتصاديا وجغرافيا لهذه المهمة، إلا أن موسكو تعترضها عدة عراقيل
ولهذا لا بد من التذكير أن موسكو كانت قد وقفت عام 2013، ضد المقترح الأميركي القاضي بتوسيع صلاحيات بعثة الأمم المتحدة للصحراء “المينورسو”، لتشمل حقوق الإنسان، وهو موقف نقرأه من الجانب البراغماتي والواقعية السياسية، إذ يرتبط بمصلحة روسية ذاتية بتخوفها من استغلال نفس المدخل الحقوقي داخل مجلس الأمن للتأثير على نفوذ موسكو داخل مناطق آسيا الوسطى والقوقاز.
ويصب هذا التعقيد في الرؤى والحسابات بين القوى الكبرى المتنافسة في تحديد مناطق النفوذ التي بدأت في التشكل منذ عام 2001، في ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة بأن مجلس الأمن الدولي لا يعكس الآن توازن القوى في العالم ولا يتفق مع الوضع الراهن، معبّرا عن اعتقاده أن بعض الدول تسيء استخدام حق الفيتو، مشيرا إلى أن الإصلاح الشامل للأمم المتحدة لا يمكن تحقيقه دون تغيير عمل مجلس الأمن.
وجاء موقف موسكو داخل مجلس الأمن في وقت اجتمع فيه وزراء خارجية الدول الصناعية الكبرى السبع في مدينة تورونتو، لدراسة موضوع روسيا وأزمة شبه جزيرة القرم، حيث أكد وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون على تشكيل مجموعة تابعة لـ“G7” تدرس سلوك روسيا الضار بكل مظاهره، سواء في مجال الحرب الإلكترونية أم تشويه المعلومات أم محاولات الاغتيال، والتصدي له بشكل جماعي.
ولكسر أي حصار محتمل عملت روسيا على التوجه نحو أفريقيا بنفس اقتصادي وتجاري لا أيديولوجي، وراهنت على تموقع داخل أسواق القارة السمراء إلى جانب لاعبين آخرين كالصين، وباعتبار المغرب أضحى رقما مهما في معادلة العلاقات الجيوسياسية بالمنطقة فإن روسيا تحاول استغلال صوتها داخل مجلس الأمن للضغط على الرباط أكثر في هذا الجانب.
وتبادل كل من نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين وسفير المغرب في موسكو عبدالقادر لشهب، العلاقات بين البلدين والوضع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مناقشات سياسية شملت التعاون بين البلدين في الملفات الحساسة المرتبطة بالأمن ومحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة وموقف موسكو من قضية الوحدة الترابية للمملكة.
ويصل حجم التبادل التجاري بين المغرب وروسيا إلى 2.5 مليار دولار ومع بلدان جنوب الصحراء الكبرى، بما يقارب 3.5 مليار دولار، ضمن رقم معاملات يصل إلى 13.8 مليار دولار سنويا بين روسيا وأفريقيا، وهو ما يجعل مؤشرات التجارة والتعاون الاقتصادي غير مشجعة مع القارة الأفريقية. ولهذا يقول الباحث الرئيس في معهد أفريقيا التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أندريه أورنوف، إنه لا يمكننا الطموح بمكان بارز في أفريقيا، ولا يمكننا التنافس على قدم المساواة مع الأميركيين أو الصينيين، مؤكدا أن العلاقات تتطور شيئا فشيئا.
وهذا معناه أن روسيا ستعمل على اختيار مداخل جغرافية كنقط ارتكاز في معركة التواجد داخل أفريقيا، ورغم أن المغرب مؤهل سياسيا واقتصاديا وجغرافيا لهذه المهمة، كما يرى خبراء استراتيجيون روس، إلا أن موسكو تعترضها عدة عراقيل منها عدم موافقة قوى إقليمية ودولية على أي قاعدة عسكرية في غرب حوض المتوسط سواء بالجزائر أو ليبيا أو المغرب.
ولكي يكون المغرب محورا أساسيا في علاقات دولية منفتحة وأكثر عملية وبراغماتية وقع مع روسيا منذ عام 2002 وإلى غاية 2016 عدة اتفاقات في مجالات متعددة، تشمل التعاون الاقتصادي والتجاري وفي مجال التنقيب عن الهيدروكربونات واستثمارات في مجال الطاقات المتجددة، إلى جانب المجالات العسكرية والأمنية ومحاربة التطرف، وتهتم روسيا بشكل كبير بالوضع بمنطقة الساحل والصحراء داخل منظومة الأمن بالقارة الأفريقية.
النقطة الأساسية التي تؤرق بال روسيا هي الإرهاب حيث تعاني موسكو من قلق الجهاديين العائدين من بؤر التوتر في كل من سوريا والعراق وليبيا، الشيء الذي يجعلها تضغط على المغرب بكل الوسائل لتكون شريكا بامتيازات خاصة في ما يتعلق بتنظيم تعاون متقدم لمكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات والخبرات والتقنيات والتحقيقات في ملفات بعينها، وكذا في ما يتعلق بتمويل الأفراد والمنظمات والخلايا الناشطة على مستوى حوض البحر المتوسط والساحل والصحراء.