في الدعوة لحذف سور من القرآن: انحطاط سياسي غربي رأي القدس
تقدّم مطالبة 300 شخصية فرنسية بحذف سور من القرآن الكريم صورة كاريكاتورية مكبّرة عن الانحطاط الفكري الذي وصل إليه الغرب والعالم.
يجمع البيان الذي نشرته صحيفة «لوباريزيان» الأحد الماضي تواقيع أشخاص مثل الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، وهو المتهم باستلام أموال من طاغية مسلم هو القذافي، ورئيس الوزراء الأسبق مانويل فالس، الذي لم يقبل حزب الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون بطلب عضويته وانسحابه من الحزب الاشتراكي باعتباره مثالا للانتهازية السياسية القصوى، والممثل جيرار ديبارديو، الذي قرر، تهرّباً من دفع ضرائب للدولة الفرنسية، أن يصبح روسيّاً، وأن يعرض أشكالا من النفاق (أو الحب) لرئيسها سيئ الصيت فلاديمير بوتين.
تثير هذه الشخصيات الجدل والأغلب أنها تراهن على معركة تعتبرها رابحة سلفاً لأنها تستهدف ديناً تعرّضت صورته للتشويه كونها ارتبطت بعمليات تنظيم «القاعدة» وتنظيم «الدولة الإسلامية» في أنحاء العالم، وهي عمليات أوقعت ضحايا بالمئات من المدنيين الأبرياء ويقوم منفذوها بإجرامهم باسم الدين الإسلامي، فيما يختفي مليارات المسلمين الذين يكافحون لتأمين لقمة العيش لأبنائهم، والحياة بسلام وطمأنينة، من دون حروب أو قتل وجرائم، ولا يحتسبون في المعادلة المبسطة لدرجة التهافت التي يقدّمها ساركوزي وفالس وديبارديو وشارل أزنافور.
يدّعي البيان الدفاع عن اليهود، ويتخاصم مع القرآن، كتاب المسلمين المقدّس، مطالبا بحذف سور فيه تطالب بقتل اليهود (والنصارى والكفار)، وهي مطالبة عبثية وتعجيزية لأن أحداً لا يستطيع طبعاً أن يحذف سوراً من القرآن، ولأن هذه الآيات ترتبط بسياق تاريخي دينيّ خاص بها (كما هو الأمر مع الكتب الدينية الأخرى)، ولا يجوز اقتطاعها خارج سياقها الديني والتاريخي وتوظيفها بشكل آنيّ وانتهازيّ كما حصل في «لوباريزيان».
يقوم البيان بخلط فظيع بين تاريخ المسيحية وأوروبا وتاريخ الإسلام، مما يؤدي إلى مفارقات هائلة.
معاداة الساميّة، بداية، مصطلح غبيّ إلى كونه عنصريّا لأن العرب ساميّون، حسب تقسيمات علماء الأجناس الأوروبيين في القرن التاسع عشر الذين ساهموا بإنشاء هذا المصطلح، بينما نسبة كبيرة من اليهود سلافيون وقوقاز وآريون حتى.
ومعاداة السامية، تيّار سياسي غربيّ ظهرت تجلّياته الكبرى ضمن التاريخ السياسي لأوروبا، وهذا التيار الذي أجج (المسألة اليهودية)، خلال فترة الحكم النازي لألمانيا، وأدى لإبادة ملايين اليهود اعتقدت أوروبا أنها حلّتها بإنشاء إسرائيل، ففتحت الباب لإشكالية أكبر مع تشكل احتلال استيطاني كان الفلسطينيون العرب، من المسلمين والمسيحيين (وحتى اليهود)، وهم ساميّون اعتدت على أرضهم دول غربية محتلة واستوطنها أوروبيون، هم ضحاياه المباشرون، فأي «معاداة للسامية» أكبر من هذه؟
يلعب البيان على فكرة أن الدين الإسلامي (من بين الأديان كلّها) دين دمويّ يندفع المؤمنون به، مستندين إلى آياته، للاعتداء على الآخرين (وخصوصا اليهود)، وهي فكرة يسهل دحضها بتذكر حروب الإفناء التي أبادت ملايين البشر والتي خاضتها أوروبا نفسها تحت راية الدين في بلادنا (الحروب الصليبية)، وفي العالم الجديد (الأزتك والمايا والهنود الحمر) الخ، كما خاضها اليهود القدماء ضد خصومهم (وهناك أمثلة كثيرة من التوراة كما فعل النبي يوشع حين أفنى سكان أريحا).
ثم ماذا عن الحروب التي لم ترفع راية الدين (نظرّيا على الأقل) والتي أدّت لمقتل ملايين البشر، خلال الثورة الفرنسية، والحرب الأهلية الأمريكية، وحرب الأفيون في الصين، وحملات تطهير ستالين، والحربين العالميتين الأولى والثانية؟ هل إذا تلفعت الحروب بالأيديولوجيات الوطنية والقومية والشيوعية (والصهيونية) يصبح للإبادة والإفناء معنى ساميا؟
إحدى النقاط التي يريد البيان قولها إن العنف الذي يمارسه الغرب حاليّاً (بغض النظر عن عدد ضحاياه) هو أمر أخلاقي ومشروع، على عكس عنف الضحايا وذلك لأنهم متديّنون وليسوا ملحدين كخصومهم!
تعرضت بعض المجتمعات الإسلامية خلال القرنين الماضيين إلى الاحتلال، والاستيطان، والأنظمة الطغيانية، والاحتلالات المتنوعة الجديدة، والفساد والطائفية والقمع، وهو ما أدّى، كما هو معلوم، إلى ظهور نسخ متطرّفة من الأيديولوجيات الإسلامية، فهل السبب هو الدين نفسه أم ما جرى للبشر من مظالم هائلة؟