المدارس الإسلامية في أوروبا: تكبيل الاندماج وتحفيز التطرف رامي التلغ
في إطار مؤتمر الإسلام السياسي بأوروبا أكّد باحثون أن الإرهاب القطري يتوسع في القارة الأوروبية عبر تفريخ المتطرفين ووجهوا أصابع الاتهام للدوحة بدعم جماعات “الإسلام السياسي” لنشر التطرف.
كهول ومسنو مسلمي فرنسا أكثر اعتدالا من شبابهم
نشأت عدة مؤسسات إسلامية بأوروبا وشمال أميركا في العقود القليلة الماضية. وتنامي عدد هذه المؤسسات هو نتاج مباشر لتزايد أعداد المهاجرين المسلمين، وقد تم إنشاء وتطوير هذه المؤسسات استجابة للاحتياجات الثقافية والدينية من داخل المجتمع ذاته. حضور هذه المؤسسات قد بدأ مع تاريخ قدوم المسلمين وتبلور وعي إسلامي كوعي متمايز، متنامٍ وذو استقلالية دائمة عن المجتمع. وبما أن هؤلاء المسلمين قد ساهموا بشكل أو بآخر في المجتمعات والمدن التي استوطنوا بها واستقرّوا فيها، فإنّ أبرز مساهماتهم تلك تجاه أفراد ذلك المجتمع تبرز جليّا في ميدان التعليم وذلك بإنشاء المدارس الإسلامية. يجدر التذكير بأن هذه المؤسسات التعليمية الإسلامية ليس اختراعا يمكن للغرب أن ينسب براءته لنفسه، إذ تواجدت هذه المدارس منذ عقود وقرون خلت بالعالم العربيّ وشبه القارة الهندية.
تعتبر مسألة التعليم الديني إحدى أكثر المسائل التي يهتم بها الرأي العام الفرنسي لما لها من ارتباط وثيق بالواقع الاجتماعي-الاقتصادي والسياسي للبلاد حيث تمثّل إشكالية التعليم الديني في البلاد معضلة تتعلّق بشكل أو بآخر ببناء المجتمع الفرنسي الحديث المنبثقة عن مخرجات ثورة الأنوار.
الدين الإسلامي يستحوذ على أولوية تفوق الاهتمام الذي يوليه الفرنسيون، شعبا ونظاما لباقي الأديان الحاضرة في المجتمع الفرنسي الذي يُعرف بشدة تنوعه.
يبرز تزايد هذا الاهتمام بشكل لافت خاصة مع تتالي العمليات الإرهابية التي استهدفت فرنسا في السنوات القليلة الماضية من شارلي إيبدو إلى الباتاكلان، وتزايد الاحتقان الذي فرضه غياب الاندماج الاجتماعي للمهاجرين، هذا إضافة إلى بروز ميول جهادية لدى بعض الأصوات الإسلامية قابلتها حملة الإسلاموفوبيا المتفشية خاصة لدى اليمين المتطرف الذي يعتبر أكبر المستفيدين من هذا المناخ سياسيا.
تعتبر مسألة التعليم الديني إحدى أكثر المسائل التي يهتم بها الرأي العام الفرنسي لما لها من ارتباط وثيق بالواقع الاجتماعي-الاقتصادي والسياسي للبلاد
فالمتابع للقطاع التعليمي في فرنسا، يمكنه ملاحظة تنامي ظاهرة رفض الطلاب المسلمين وأولياء أمورهم لتدريس المسيحية في المرحلة الابتدائية، إذ يرون في ذلك خطرا يصل إلى حدّ التنصير. كما يشكّل تدريس مواد متعلّقة بالمحرقة النازية ونظرية النشوء والارتقاء موضوعًا جدليًّا عادة ما يقابله المسلمون بالرفض القاطع أو السخرية.
في هذا الإطار يرى باحثون أنّ أبرز التحديات التي تواجه الحضور الإسلامي بفرنسا تتمثل في إشكالية تربية الشباب المسلم والمحافظة على هويته متعددة الأوجه، من دون إغفال المسارات التي تجذب الشباب نحو التطرف والانغلاق أو نحو الانحراف والضياع ورد الاعتبار للتأطير العائلي.
بالرغم من أنه يوجد حاليا عدة مشاريع لبناء مدارس إسلامية في فرنسا منها 15 مشروعا في طور التنفيذ ومن خلال محاولة استيعاب صعود التعاليم الإسلامية عبر انتشار المدارس الإسلامية الخاصة نرصد أرقاما وإحصاءات مذهلة، إذ أن نسبة المدارس الإسلامية في فرنسا لا يتجاوز 0.3 بالمئة من جملة المدارس الخاصة في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه نحو 65 مليون نسمة، ووفقا لمصادر مختلفة، ما بين 6 و10 بالمئة من هذا العدد هم من المسلمين. فإذا وضعنا في الاعتبار وجود حوالي 9000 مدرسة خاصة، فمن المنطقي ومن الطبيعي أن تكون نسبة المدارس الإسلامية ما يقرب من 8 بالمئة أي ليس أقل من 720 مدرسة.
و بالمقابل، تؤكد بعض المصادر الفرنسية أن هناك نحو 50 فرنسي يعتنقون الإسلام كل عام، ويوجد بفرنسا حاليا 2200 مسجد. يقول رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية دليل بوبكر، أن هناك حاجة لمضاعفة هذا العدد بعد عامين، لكن لا أحد يتحدث عن مضاعفة المدارس.
في إطار مؤتمر الإسلام السياسي بأوروبا الذي انعقد بمبادرة من معهد غرناطة للبحوث والدراسات العليا وجامعة بادوفا وجامعة بيومنتي أورينتالي ومؤسسة “مؤمنون بلا حدود” للدراسات والأبحاث إضافة إلى مؤسسة تشيني، والمركز الجامعي للثقافة والقانون والأديان، أكّد باحثون أن الإرهاب القطري والعبارة لهم يتوسع في القارة الأوروبية عبر تفريخ المتطرفين ووجهوا أصابع الاتهام للدوحة بدعم جماعات “الإسلام السياسي” لنشر التطرف.
و قال المشاركون إن الجماعات التي مولتها الدوحة على امتداد القارة الأوروبية، عبر توفير الدعم المالي الكامل لما يربو على الـ242 جمعية إخوانية في فرنسا، سيطرت على اتحاد المنظمات الإسلامية “لواف”. كما تشير سجلات بنكية، إلى أن النظام القطري ضخّ 257 ألف يورو لتمويل جماعات إرهابية داخل الأراضي الهولندية، تحت ستار المدارس الدينية والجمعيات الخيرية.
النتيجة، أنهم صعّبوا على المسلمين الاندماج وليس العكس لأن الخطاب الإخواني لمسلمي أوروبا يرتكز على أن الغرب يمثل عدوا للمسلمين وهو الأمر الذي يخالف الواقع حيث يعيش المسلمون في هذه البلدان كمواطنين من الدرجة الأولى لهم ما للمجتمع وعليهم ما عليه، بيد أن المدارس الإخوانية تعمل على اختراق المجتمع المسلم عبر مثل هذا الخطابات.
وأكد الباحث في الدراسات الشرقية بجامعة ميلانو الكاثوليكية في إيطاليا، باولو برانكا، أن دور الإسلام السياسي هو دور أيديولوجي بخطاب ينتصر للبلاغة، ويكاد يكون منفصلا عن التاريخ، محذرا من أن الإسلام السياسي في أوروبا يصر على أدلجة القضايا العربية والإسلامية مثل القضية الفلسطينية لمآربه الخاصة.
وشدّد على أن هناك دورا تجديديا كبيرا ينتظر الشباب المسلم المعاصر في أوروبا، يهم التدين والثقافة الإسلامية، لافتاً إلى أن القضايا والقلاقل بالشرق الأوسط تنتقل إلى أوروبا مع المهاجرين المسلمين، وهذا يُغذي أفكارا سلبية تمس صورة الإسلام والمسلمين.