مغارة الحمام في المغرب مختبر لكشف أسرار الإنسان القديم

الأبحاث تكشف عن العثور على أقدم جينات بشرية في أفريقيا وأول عملية جراحية لجمجمة في التاريخ.
الحمض النووي يساهم في إعادة بناء أقدم جينات بشرية بأفريقيا
تافوغالت (المغرب) – في أحضان سلسلة من الجبال الصخرية الشامخة، تنام مغارة الحمام ببلدة تافوغالت في ركن قصي من المملكة المغربية، حاملة أسرارا مذهلة عن الإنسان القديم، ففي جنباتها عثر العلماء على أقدم جينات بشرية بأفريقيا، وأقدم حلي في العالم، كما شهدت أيضا أول عملية جراحية ناجحة لجمجمة في التاريخ.

الوصول إلى تافوغالت، التي تبعد 55 كلم شمال غربي مدينة وجدة (شمال شرق)، يتطلب صعود جبل، إلى غاية وصول مغارات تحمل أسرار الأولين، استطاع فريق دولي من علماء الآثار وعلوم الجينات من المغرب وألمانيا، في مارس الماضي، أن يميط اللثام عن أحدها، وهو آثار جينات تعود إلى 15 ألف سنة، هي الأقدم بأفريقيا بعد إجراء أبحاث على هياكل بشرية عثر عليها مؤخرا.

بعد صعود الجبل عبر طريق معبدة، يجد الزائر أمامه عددا من المغارات، كل واحدة تحرس أسرارا تاريخية ضاربة في القدم.

من بين الأماكن الأثرية “مغارة الحمام”، حيث يبني الحمام أعشاشه بجنبات المغارة، التي تعرف العديد من الحفريات من طرف باحثين أجانب ومن المغرب.

اسم المغارة يرجع إلى التواجد الكبير للحمام في أنحائها، وكأنه مكلف بحراسة المكان.

تشير بيانات لبلدية تافوغالت إلى أن “الإنسان العاقل، المسمى أيضا الإنسان الحجري كان يعيش بمغارة الحمام، حيث كان صيادا قاطفا (للثمار)، وتسمح الاكتشافات الحالية بتأريخ وجوده بالمغارة بأكثر من 100 ألف سنة، أي ما يطابق فترة العصر الحجري القديم”.

وتظهر الاكتشافات أن المغارة استخدمت في نفس الوقت كورشة عمل، ومكانا للطهي وتناول الطعام، ومقبرة.

وقال عبدالجليل بوزوكار، مدير مختبر المصادر البديلة لتاريخ المغرب بالمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث بالرباط (حكومي)، إنه تم اكتشاف آثار جينات، هي الأقدم بأفريقيا مؤخرا في المغارة الساحرة.

وأضاف بوزوكار، وهو أيضا أحد الباحثين الذين اكتشفوا الجينات، “في وقت سابق تم اكتشاف أقدم حلي داخل هذه المغارة، وأول عملية ناجحة لجمجمة في التاريخ، في نفس المكان”.

وأوضح أنه “من الاكتشافات جمجمة مثقوبة، وهي أقدم جمجمة معروفة في العالم. بالإضافة إلى أكثر من 200 جثة مدفونة، وهو ما يجعلها أكبر مقبرة تاريخية في العالم”.

يقصد عدد من الباحثين والعلماء مغارة الحمام، والمغارات المجاورة، ويكتشفون في كل زيارة أسرارا جديدة في منطقة يعرفها المختصون أكثر من المواطنين.

وتم تصنيف مغارة تافوغالت تراثا وطنيا بسبب الاكتشافات العلمية الكثيرة.

وفي ما يتعلق بالفن، تم اكتشاف أعداد من الحلي ورسوم منحوتة على الحجر تشهد على النشاط الفني لدى الإنسان بهذه المغارات.

وتظهر بعض الجماجم التي تم اكتشافها إزالة القواطع (الأسنان الأمامية التي تقع في مقدمة الفم، وعددها 8، في كل فك 4) ، حيث اعتمد إنسان تافوغالت مسألة إزالة واحدة أو اثنتين من القواطع العليا كباقي الحضارات المغاربية القديمة، إذ يدخل ذلك ضمن سلوكه الشعائري.

وأوضح الباحث المغربي أن “الأبحاث في هذه المغارة وصلت إلى حدود 4 أمتار بعد أبحاث منذ 2003، في حين أن العمق الملاحظ يفوق 10 أمتار، وهو ما يعني أن أسرارا أخرى لا تزال مدفونة”.

واعتبر أن “هذه الأبحاث أثبتت أن تاريخ الإنسان يرجع إلى 170 ألف سنة، ومن الممكن أن يفوق هذا التاريخ بعد الوصول إلى حفريات أخرى، علما أن طبيعة التنقيب تستغرق وقتا وتجري بشكل بطيء حفاظا على المواد الموجودة”.

ولفت إلى أنه كلما استمر التنقيب ظهرت المزيد من الأسرار التي تجب حقائق علمية سابقة، فعلى سبيل المثال أظهرت أبحاث في الماضي أن عمر الإنسان على كوكب الأرض يعود إلى 82 ألف سنة، لكن أبحاثا جديدة فاقت هذا التاريخ بكثير.

وقال عبدالجليل بوزوكار إن “العثور على ثقب بجمجمة رأس بهذه المغارة قاد إلى اكتشاف أول عملية ناجحة لجمجمة، وبذلك اعتبر رجل تافوغالت من أقدم الجراحين .

زيارة المغارات بهذه المنطقة تجعل الزائر يدخل في رحلة عبر التاريخ حبلى بالأسرار، خصوصا أنه تم اكتشاف مجموعة جديدة من الحلي تعتبر الأقدم في العالم، بمغارة الحمام.

ويدور الحديث عن 20 من الصدفيات البحرية التي استعملها الإنسان القديم كحلي، اكتُشفت في إطار الأبحاث الأثرية التي يقوم بها المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، بالتعاون مع معهد الآثار بجامعة أكسفورد البريطانية، وذلك خلال الفترة الممتدة من 24 مارس إلى 24 أبريل 2008، داخل مستويات أركيولوجية يتراوح عمرها ما بين 84 ألف سنة و85 ألف سنة.

وبذلك تصبح هذه الحلي أكثر قدما من تلك التي تم اكتشافها في 2003 بنفس الموقع، والتي اعتبرت الأقدم في العالم آنذاك، وفق دراسة نشرت نتائجها الأكاديمية الوطنية للعلوم بالولايات المتحدة سنة 2007.

وفي مارس الماضي، اكتشف فريق دولي من علماء الآثار وعلوم الجينات آثار جينات تعود إلى 15 ألف سنة، هي الأقدم بأفريقيا بعد إجراء أبحاث على هياكل بشرية عثر عليها مؤخرا بمغارة الحمام بتافوغالت.

وقال بيان لوزارة الثقافة المغربية إن “فريقا دوليا من علماء الآثار وعلوم الجينات يرأسه عبدالجليل بوزوكار، أستاذ باحث بالمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، التابع لوزارة الثقافة والاتصال، اكتشف بمغارة الحمام بتافوغالت، أقدم آثار لجينات الإنسان العاقل بأفريقيا، والمؤرخة بـ15 ألف سنة”.

وقال بوزوكار إن “الاكتشافات التي تم التوصل إليها بهذه المغارة ترجع إلى تواجدها في منطقة رطبة من الممكن أن تحافظ على الحمض النووي للهياكل العظمية، بالإضافة إلى الموقع الجغرافي للمنطقة التي توجد كحلقة وصل بين شمال وجنوب أفريقيا وبين شرقها وغربها”.

ويتوقع الباحثون التوصل إلى المزيد من الأسرار التي تعج بها مغارة الحمام، بعد أبحاث ودراسات جديدة، وحتى ذلك الحين تقف مغارة “الحمام” شامخة بما تحمله من خفايا، قد تفيض من جديد ببعضها على البشرية مستقبلا.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: