الجالية و جمعيات .. الجرة و الطبل
بقلم : مجدي فاطمة الزهراء
لا أرى أي اختلاف بين الأمس واليوم، سواء ملل وضجر الناس من جمعيات لا خير يرجى من ورائها وهذا بنظري أشد خطورة من حضور غير واع.
ارتبط سماع صوت الجرة والطبل ممزوجا بالزغاريد في نهاية أسبوع حافل بالعمل في بروكسيل والكثير من المدن البلجيكية ، بحفل زفاف أو ختان أو خطوبة.
لذلك حين سمعت أنغاما مبعثرة يتردد صداها من جهة ليست بقريبة ولا بعيدة رددت من فوري “الله يهني ويبارك”، ودفعني فضولي الصحفي إلى سؤال الأصدقاء عن أصحاب الحفل ، فقال لي احد الأصدقاء “لا أدري لكنه على ما يبدو حفل قريب غير بعيد وللغد شأن آخر فلربما ظفرنا بالمعلومات الشافية والكافية”.
ولم يدم تساؤلي كثيرا إذ أن شقيقتيّ كانتا خارج المنزل وعرفتا أصحاب الحفل، وقالتا ضاحكتين “مسكين عازف الجرة (وهي آلة موسيقية شعبية، إذا سمع صوتها يرنّ مع إيقاع الطبل فذلك يعني أن هناك حفل عرس أو ختان، فهي آلة لا تعرف إلا الفرح)، لم يتوقف منذ الصباح عن العزف”.
ضحكت مستهجن “كيف لأصحاب العرس أن يصلوا النهار بالليل والحال أن جل المناسبات تقترن بالليل”، وسرعان ما جاءتني الإجابة التي أعترف بأنها شكلت لي صدمة لم أتجاوزها إلى الآن ولا أظنني سأفعل، فهو ليس بحفل زفاف ولا نجاح، فالمَخْتُون عذرا أقصد أحد جمعيات الفساد الشامل ، ركب الإيقاعات الشعبية مطية للترويج لحملتها الخيرية .
وبدل أن يقدم حلولا تخرج أبناء الجالية المقبورين بين جلادي الفقر والبطالة اختار أيسر الطرق واستمال الأوساط المتمايلة يمنى ويسرى بدل الرقاب، وكرس عازفين يؤثثون جلسته الجمعوية عوضا عن الخطابات الرنانة واستدعى الطبقة البسيطة وغيب عقول المثقفين.
هذا المشهد أعاد إلى ذهني فترة جمعيات الحقبة الأولى في المغرب ، حيث أخدت من الطبل و الجرة أعمالا لها .
ولا أرى أي اختلاف بين الأمس واليوم، سواء ملل وضجر الجالية من الجمعيات لا خير يرجى من ورائها وهذا بنظري أشد خطورة من تواجدها بلا منفعة ، فعلى الرغم من أن هذا الاستحقاق هو الأول من نوعه فإن الجمعيات المتواجدة ببلجيكا تعاني فتورا.
وعلى ما يبدو فإن مهمة الجمعيات التي فاقت 250 جمعية ، صعبة للغاية لإبراز أهم برامجها ، وإقناع الجالية بالتعامل معها في مناخ اجتماعي متفجر، يتسم بترد اقتصادي ووتيرة احتجاجية متصاعدة، فأمامها تحديات كبيرة بدءا من تردي الأوضاع بأوروبا التي لا بوادر في الأفق بانحسارها أو تقهقرها، وصولا إلى التضييق على مغاربة العالم في كل المجالات وتهديد الناشئة بالبطالة يجثم كابوسا مرعبا على صدور أولياء الأمور.
وبعض أفراد الجالية المغربية يحاولون جاهدين مسايرة هذه الجمعيات الوهمية والترويج لها عبر صفحاتهم الخاصة على موقع فيسبوك، فظهرت عورات جل الشخصيات أمام الملأ وقبلت بسيل من السباب والاستهجان وأفرط البعض في جعلها تتقمص دور المهرج المضحك للعامة.
والغريب في الأمر ما صحب الجمعيات من جهل أصحابها بأساليب إغواء وإغراء الجالية، أولا لانتهاجهم نفس الطرق التقليدية القائمة على الرقص على وحدة ونص وثانيا لأنهم لم يواكبوا تطور عقول وزوايا نظر المغاربة المنفتحة على العالم، لذلك فإن “تدوير الحزام” لم يعد يجدي نفعا أمام إعادة تدوير ورسكلة العقول.
بقلم : مجدي فاطمة الزهراء