الجزائر: الأمازيغية في قبضة ألاعيب السلطة
جراء تفاقم هذا التطرف الثنائي المتبادل نجد أنفسنا اليوم أمام معسكرين متنازعين غير عقلانيين لا يقبلان بعضهما البعض، وينتصر كل واحد منهما لأصوليته النرجسية المعبأة بالعداء.
الدولة الجزائرية ليس لديها مشروع لإخراج هذه الأمازيغية من طور البدائية
في هذا الأسبوع عادت قضية اللغة الأمازيغية من جديد إلى الواجهة السياسية والثقافية الجزائرية، واللافت للنظر أن وسائل التواصل الاجتماعي قد انشغلت على نحو متزامن بحدث إنزال العلم الجزائري من طرف أحد المنتمين إلى الحركة الأمازيغية بتيزي وزو، وذلك بحضور مشجعيه في يوم 20 من هذا الشهر الجاري حيث اعتبر هذا الحدث خطيرا وأنه يمكن أن يتطور، في حالة تكراره، إلى أفعال تنذر باندلاع أزمة جديدة في منطقة القبائل. ولقد وصل الأمر بأحد الناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي إلى اتهام منطقة القبائل الواقعة في شمال الجزائر بالخيانة والعدوان على علم الشهداء وبالصهيونية.
إلى جانب هذا الحدث فقد نشرت بعض الصحف الجزائرية في هذا الأسبوع أيضا أحاديث أجريت مع مجموعة من الناشطين السياسيين والثقافيين، منها الحديث الذي أجري مع الأمين العام للمحافظة السامية للأمازيغية الهاشمي عصاد والذي تحدث فيه بشكل فضفاض يرضي النظام الحاكم عن الأشواط التي قطعتها اللغة الأمازيغية وعن أمله في إنشاء أكاديمية متخصصة في اللغة والثقافة الأمازيغيتين.
وفي الواقع فإن الاحتفال المحدود جدا في المنطقة الأمازيغية بالذكرى الـ38 للربيع الأمازيغي، والذي تمّ في بحر هذا الأسبوع، قد شهد نشر عدة مقالات في الصحف التابعة للقطاع الخاص وغيرها حيث كرست لمناقشة ما تم إنجازه عمليا في مجال اللغة الأمازيغية سواء على مستوى المنظومة التعليمية، أو على مستويات أخرى مثل التأليف وطبع الكتب التاريخية والأدبية واللغوية والقواميس وغير ذلك.
في هذا السياق نشرت يومية الشروق اليومي حوارا آخر مع مصطفى نويصر وقدمته بأنه مؤرخ جزائري وأكد فيه بلهجة نمطية مكررة أن الدعوة إلى اللهجة البربرية والعامية هي صناعة استعمارية. هكذا يبدو لنا مجددا أن أزمة اللغة الأمازيغية لم تشهد انفراجا حقيقيا، بل كانت ولا تزال مشكلة قـائمة وقابلة للانفجار في أي لحظـة، حيث أن الاعتراف بها ثـم ترسيمها في الدستور من طرف الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة لا يكفيان ولم يحلا إلى يومنا هذا هذه المشكلة إطلاقا، لأن ثمة صراعا دفينا يعمي القلوب والنفوس يسود بعض أوساط كل من المعربين والأمازيغ في عمق المجتمع الجزائري وفي مختلف مؤسسات وأجهزة الدولة.
المؤسف أن قضية الأمازيغية ومحمولاتها الثقافية التي طرحت منذ أكثر من 70 سنة لم تخط إلى يومنا هذا الخطوة المرجوة، خاصة على صعيد قبول تيار من المواطنين الجزائريين المعربين المتطرفين والأكثر أصولية بالفرادة الثقافية الأمازيغية عن طيب خاطر واقتناع راسخ، وعلى صعيد مواقف التيار الأمازيغي الأصولي المتطرف الذي رفض ولا يزال يرفض أن تكون اللغة العربية جزءا محوريا من مكونات هويته الثقافية واللسانية إلى جانب المقوم الأمازيغي بأبعاده الثقافية واللغوية والتاريخية والحضارية.
الحال أن المشكلات البارزة التي تعاني منها الأمازيغية في الجزائر لم تنل حقها من الدراسة والتمحيص من طرف النظام الحاكم والمعارضة الأمازيغية معا
جراء تفاقم وتكلس هذا التطرف الثنائي المتبادل نجد أنفسنا اليوم أمام معسكرين متنازعين غير عقلانيين لا يقبلان بعضهما البعض، وينتصر كل واحد منهما لأصوليته النرجسية المعبأة بالعداء. في هذا المناخ الذي تعكره هذه الثنائية المتضادة يلاحظ أن ثمة أصواتا معتدلة سواء بين المواطنين المناصرين لحق الأمازيغية في الوجود، أو بين المواطنين المعربين الذين يدعون إلى العمل بالثنائية اللغوية الوطنية، أي الأمازيغية والعربية. هناك مثلا شخصيات معربة وأحزاب معارضة يقودها معربون تعتبر أحداث الربيع الأمازيغي محاولة إيجابية، وهدفها هو الشروع في التأسيس لمناخ يفضي إلى البناء التدريجي لمعمار الهوية الثقافية الوطنية والإسهام في بناء أسس تؤدي مستقبـلا إلى غـرس بذور الثقافة السياسية والتي بموجبها ينتقل المجتمع الجزائري إلى مرحلة الانفتاح الديمقراطي.
ولقد عبر عن هذا الاتجاه عدد من رؤساء الأحزاب الجزائرية المعارضة أمثال حزب حركة الإصلاح، وحزب القوى الاشتراكية، خاصة في عهد وضوح مواقفه السياسية وقبل أن يصبح جزءا من الآلة السياسية التي يستخدمها النظام الجزائري الحاكم لتبرير وجوده في الحكم ولتسويغ تطبيقاته للـرأسمالية المتـوحشة في المجتمـع الجزائري.
والحال أن المشكلات البارزة التي تعاني منها الأمازيغية في الجزائر لم تنل حقها من الدراسة والتمحيص من طرف النظام الحاكم والمعارضة الأمازيغية معا، وهكذا نجد النظام الجزائري يتعامل معها كمشكل سياسي ينبغي التحايل عليه لضمان استمراريته في الهيمنة على الدولة.
أما الجزء الأعظم من التيار الأمازيغي فإنه يستخدمها كفزاعة للتهديد بالانفصال حينا، وكوسيلة للوصول إلى المناصب السياسية والإدارية الكبرى في مختلف أجهزة الدولة حينا آخر، وفي كلتا الحالتين نجد جوهر قضية الأمازيغية ضائعا أو مهملا.
لا شك أن المشكل الأساسي الحقيقي الذي تعاني منه الأمازيغية هو أن الدولة الجزائرية ليس لديها مشروع أو نية لأن تسخر الإمكانيات المادية والعلمية لإخراج هذه الأمازيغية من طور البدائية إلى طور تصبح فيه لغة العلوم والفكر والصنائع بتعبير عبدالرحمن بن خلدون. فالسائد في الجزائر هو الإبقاء على الأمازيغية كمركب فوضوي ومشتت من اللهجات بما في ذلك الفرنسية الدارجة، وفضلا عن ذلك فإن النظام الجزائري يجمد عن قصد الحسم في الحروف التي تدون بها الأمازيغية، وإضافة إلى ذلك فإن الناطق بهذه الأخيرة لا يملك حتى الآن ما يدعى باللغة الواصفة التي بدون توفرها لن تتمكن من الصمود أمام شبح الموت والاندثار الذي يهدد كيانها في المستقبل.