مناورات البوليساريو تصعيد يعزز النشاط الإرهابي في المنطقة
تقرير أوروبي يكشف تورط الانفصاليين في أعمال إرهابية في منطقة الساحل والصحراء، وتحركات البوليساريو جس نبض لموقف المجتمع الدولي.
سلاح البوليساريو.. قنبلة موقتة
كشف تقرير أوروبي صدر مؤخرا وتم إعداده بتمويل من المفوضية الأوروبية، عن تورط البوليساريو في أعمال إرهابية في منطقة الساحل والصحراء. ويثبت التقرير، الذي يأتي صدروه، في وقت تشهد فيه المنطقة تصعيدا بسبب مناورات جبهة البوليساريو على حدود المنطقة العازلة أن الانفصاليين لهم ما يكفي من السلاح لبيعه وتزويد السوق الإقليمية، وفي ظل غياب حل لقضية الصحراء المغربية، فإن المنطقة قد تشهدا انفجارا خطيرا، وستصبح قضية سلاح البوليسارو أزمة جديدة تثقل كاهل المجتمع الدولي.
على امتداد تاريخ الصراع المفتعل حول قضية الصحراء المغربية، حرصت الرباط على الابتعاد عن أي تصعيد أو إخلال بالقانون الدولي والمواثيق الأممية، رغم أن الكثير من المؤسسات المنوط بها تطبيق هذه القوانين وفرض هذه المواثيق على جميع الأطراف لم تكن عادلة بصمتها وتغاضيها عن ممارسات جبهة البوليساريو، التي توثقها تقارير دولية صادرة عن جهات ومنظمات من مختلف أنحاء العالم تستمد نزاهتها وموضوعيتها من أن لا مصلحة لها مع هذا الطرف أو ذلك.
أحدث هذه التقارير دراسة لبروجيكت سيفت، وهي مشروع بحثي دولي يجري تحقيقات حول ولوج الإرهابيين للتجارة غير الشرعية للأسلحة النارية، ويؤكد ما سبق وتحدثت عنه تقارير أوروبية كثيرة بشأن تورط البوليساريو في أعمال إرهابية في منطقة الساحل والصحراء.
يثبت التقرير، الذي نشره المعهد الفلاماني للسلام، وتم إعداده بتمويل من المفوضية الأوروبية، بالأدلة والوثائق تواطؤ الانفصاليين مع المجموعات الإرهابية التي تنشط بالمنطقة، مشيرا إلى أن منطقة الساحل والصحراء شهدت أحداثا عنيفة تورطت فيها حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، وجبهة البوليساريو، وأنصار الدين خلال الفترة ما بين 2010 و2016.
مغربية الصحراء.. حقائق وأوهام حول النزاع
يسرد الكتاب 11 وهما غلفت طبيعة النزاع حول الصحراء المغربية، ويقدم أكثر من 100 دليل لدحض 11 مقولة بمثابة وهم يروجها الخطاب الانفصالي كقول “إن الصحراء في وضعية احتلال”، في حين أنه تم تحريرها قبل أزيد من 40 سنة و”إن الصحراء غير مغربية”، في حين أن الاتفاقيات الدولية السابقة على مجيء الاستعمار الإسباني وهي أزيد من 12 اتفاقية وكذا روابط البيعة تكذب هذه المزاعم وغيرها من الوقائع المضللة والمزيفة عن واقع الصحراء المغربية، ومن ضمنها أن منطقة الصحراء “آخر مستعمرة في أفريقيا” وهو وهم باطل بحكم التاريخ والقانون والواقع لأن الصحراء المغربية محررة منذ غادرها الاستعمار الإسباني سنة 1975
وأشار التقرير الذي يحمل عنوان “أسواق غير قانونية واقتناء أسلحة نارية من قبل الشبكات الإرهابية في أوروبا”، وقام بصياغته فريق خبراء دولي في الأسلحة النارية، إلى أن التواطؤ بين البوليساريو والمجموعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، شجعته الأوضاع في ليبيا، ووجود فجوات على مستوى الحدود وعدم قدرة السلطات المركزية لبعض بلدان المنطقة على مراقبة أراضيها الشاسعة.
وحسب التقرير فإن “قدرة دول منطقة الساحل على مراقبة حدودها محدودة نوعا ما، بالنظر إلى أن الطبيعة الصحراوية تعتبر عادة فضاء للتنقل يتم فيه تفادي بعض نقاط المرور الرسمية بسهولة من قبل المهربين التقليديين والجدد”.
السلاح يتدفق إلى أوروبا
بالنسبة لبروجيكت سيفت فإن انتشار وتداول الأسلحة في السوق السوداء في المنطقة راجا بشكل كبير بعد سقوط نظام القذافي والنزاعات التي تلت ذلك في هذا البلد، مشيرا إلى أن جبهة البوليساريو استفادت تماما من هذا الوضع ولديها اليوم “فائض من الأسلحة”.
بالإضافة إلى تورطها في الإرهاب، فإن جبهة البوليساريو التي، بفضل دعم الجزائر لها، وبعد سقوط نظام القذافي في ليبيا، أصبحت تتوفر على ترسانة كبيرة نسبيا من الأسلحة، وتتعاطى الآن أنشطة مربحة للغاية من خلال الاتجار غير المشروع وبيع السلاح.
وحسب التقرير فإن “البوليساريو تتوفر على ما يكفي من السلاح لبيعه وتزويد السوق الإقليمية”. ويشير إلى أنه، وفي ظل غياب حل لقضية الصحراء المغربية، فإن المنطقة ليست في مأمن من أنشطة التهريب والاتجار بالأسلحة، مؤكدا أنه من الصعب تحديد عدد الأسلحة التي يتم ترويجها في سياق عدم الاستقرار الناجم عن الوضع في ليبيا.
ويحذر الخبراء الذين اشتغلوا على التقرير من أن “البعض من هذه الأسلحة سينتهي بها المطاف إلى الاتحاد الأوروبي”، مذكرا أنه في عام 2015 أعلنت الأوروبول لأول مرة أن أسلحة نارية قادمة من بؤر النزاع في ليبيا وسوريا ومالي متواجدة في السوق السوداء الأوروبية، وأن هذه البلدان يمكنها أن تصبح من الموردين الرئيسيين للأسلحة النارية غير القانونية نحو الاتحاد الأوروبي.
يأتي هذا التقرير في وقت تشهد فيه المنطقة تصعيدا على ضوء استفزازات جبهة البوليساريو، التي لم تجد أمامها من مهرب مع تضييق الخناق عليها، نتيجة تعدد التقارير والأبحاث التي كشفت علاقتها بالجماعات الإرهابية.
يضاف إلى ذلك الاحتقان المتواصل داخل مخيمات تندوف، بصعود جيل شاب قارن بين أطروحة البوليساريو والحقيقة التنموية في الأقاليم الجنوبية للمغرب، فلم يجد في مزاعم الانفصاليين وسياستهم ما يدعم حجتهم، بل بالعكس يتأكد يوما بعد يوم لدى هؤلاء أنهم رهائن لدى الجبهة التي تستفيد من المساعدات الدولية المحولة للمخيمات ومن دعم الجزائر لإبقاء الصراع حيا.
وتنظر جهات كثيرة في المنطقة، بشقيها الأوروبي والأفريقي-المغاربي، بقلق إلى هذا التصعيد، خاصة مع ربطه بالتقارير التي تتحدث عن هجرة عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية إلى ليبيا ومناطق مختلفة في أفريقيا، وأيضا إعادة رص تنظيم القاعدة لصفوفه.
وحذر إدريس السدراوي، رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان (غير حكومية)، من أن “تطورات الوضع في المنطقة مقلقة”. ودعا المينورسو إلى اتخاذ الإجراءات الصارمة لإجبار البوليساريو على الانسحاب من المنطقة العازلة لتجنب خيار التصعيد ضد مناورات جبهة البوليساريو التي تسعى إلى تغيير الوضع الميداني بالمنطقة العازلة، وهو ما يعد خرقا سافرا لاتفاق وقف إطلاق النار لسنة 1991، وانتهاكا صارخا للمقررات الأممية ذات الصلة بقضية الصحراء المغربية.
وتسمى المنطقة العازلة أيضا في المغرب الجدار الأمني الدفاعي، وهي تلك الواقعة على الحدود الشرقية لإقليم الصحراء وتنتشر فيها قوات أممية، واتهم الرباط البوليساريو مؤخرا بالانتشار فيها عسكريا.
وتضاعف التقارير التي تكشف عن علاقة البوليساريو بالجماعات الإرهابية من حالة القلق، وسط دعوات للأمم المتحدة إلى التحرك بجدية أكثر وإجبار البوليساريو على الانسحاب من المنطقة العازلة. وأكد المغرب أنه قادر على التحرك بنفسه لفعل ذلك، إذا يتحمل المجتمع الدولي ومنظماته الأممية مسؤولياتهما.
مع ذلك، يغلب المغرب دائما الحوار والدبلوماسية والعمل ضمن المواثيق الدولية. وأمام التصعيد الأخير للبوليساريو نشطت الدبلوماسية المغربية، بشقيها الرسمي والموازي، لتوضيح الصورة أمام المجتمع الدولي، من خلال عقد مجموعة من الندوات، بالإضافة إلى التصريحات الرسمية للمسؤولين المغاربة.
مصطفى الخلفي: الجزائر عملت على تسليح بجهة البوليساريو وتقدم لها الدعم المادي
ومؤخرا، شارك الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، في لقاء نظم بنادي الصحافة الأميركي في واشنطن، دحض فيه الأباطيل المضللة والمقولات الزائفة التي يروجها خصوم المغرب حول حقيقة النزاع في الصحراء المغربية، مستندا إلى أدلة وحقائق تاريخية دامغة لا تقبل التأويل.
الأخبار الزائفة
أوضح الخلفي خلال هذا اللقاء، الذي نظمته الشبكة المغربية الأميركية، كيف أن الأخبار الزائفة تؤدي إلى بناء مواقف غير سليمة تحول دون الوصول إلى حل العديد من القضايا المطروحة ومنها قضية الصحراء المغربية، موردا أمثلة حية لتصريحات ومقولات زائفة تضلل أو تحول دون الوصول إلى حل نهائي لهذا النزاع المفتعل.
من بين النماذج التي توقف عندها الخلفي، الترويج لكون المنطقة الواقعة شرق منظومة الدفاع في الصحراء “منطقة محررة”، في حين أنها منطقة تقع تحت مسؤولية الأمم المتحدة ممثلة ببعثة المينورسو. وأكد أن الأمر يتعلق بمثال حي للدعاية الانفصالية التي تحرص على ترويج معطيات “تدعي بأن الجدران الرملية هي جدران للفصل، في حين أنها ذات أهداف دفاعية وأمنية كان لها دور كبير في الاستقرار وفي فعالية تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، ولاحقا في محاربة تجارة المخدرات والتهريب والاتجار بالبشر ومحاربة شبكات الإرهاب والتطرف”.
دحض الوزير الادعاء القائل بأن الصحراء المغرية مقصية من تدبير شؤون المنطقة، مؤكدا في المقابل أنها تشهد انتخابات منتظمة وعرفت إحصاء عاما للسكان وفق معايير الأمم المتحدة. ومن بين المقولات الزائفة التي فندها الوزير أمام حضور متنوع ضم إعلاميين مغاربة وأميركيين وأساتذة جامعيين وخبراء قانونيين، كون البوليساريو هي ممثلة سكان الصحراء، مؤكدا أنها مقولة مجافية للحقيقة “لأن أغلب سكان الصحراء موجودون في الصحراء المغربية وليس في مخيمات تندوف، كما أنه ليست هناك انتخابات حرة في المخيمات حتى تفرز ممثلين، والانتخابات الوحيدة الموجودة هي التي تجري بالصحراء المغربية بحضور مراقبين دوليين وبنسبة مشاركة مرتفعة”.
وشدد على أن هذه المعطيات الملموسة تؤكد أن البوليساريو لا تملك شرعية تمثيل سكان الصحراء لا سيما أنها رفضت بمعية الجزائر قرارات مجلس الأمن المتعلقة بإحصاء سكان المخيمات، متسائلا عن الأساس الذي تستند عليه شرعية تمثيل هذا الكيان للسكان.