البوليساريو تفرض حصارا على سكان تندوف
صمت أممي يعمق الأزمة ومنع جزائري لإحصاء عدد اللاجئين، وجيل جديد في المخيمات يرى الأطروحة الانفصالية خارج الزمن.
عائشة الدويهي: حرية التعبير مكفولة في الأقاليم الجنوبية
يعيش سكان مخيمات تندوف جنوب غرب الجزائر على وقع انتهاكات حقوقية مستمرة وظروف إنسانية صعبة نتيجة سياسات جبهة البوليساريو، بسبب تحويل المساعدات الإنسانية الموجهة إلى العائلات بتندوف، ورغم تقرير المكتب الأوروبي لمحاربة الغش الذي اتهم الجزائر والانفصاليين صراحة بالتحويل المنظم منذ سنوات للمساعدات الموجهة لتلك العائلات لازال المنتظم الدولي لم يتقدّم خطوة لتجريم المعتدين على حقوق هؤلاء المحتجزين ناهيك عن رفض الجزائر إحصاء عددهم.
ولرصد رأي حقوقي ينتمي إلى الأقاليم الجنوبية ومحتك بشكل واقعي بأدبيات حقوق الإنسان ويعرف سلوك وكيفية تحرك الانفصاليين، كان اللقاء مع عائشة الدويهي، رئيسة مرصد الصحراء من أجل السلام والديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي تعتبر من بين الناشطات ذات كفاءة عالية في مجال حقوق الإنسان أهّلتها للمشاركة في أكبر التظاهرات الدولية المتعلقة بقضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية.
المخيمات تحت المجهر
حول ما يحدث داخل مخيمات تندوف من احتجاز وتعسّف وخرق لحقوق الإنسان للسكان هناك من طرف الجبهة، قالت عائشة الدويهي، إن المخيمات بالجنوب الغربي للجزائر، في حالة فوضى غير مسبوقة حيث السكان محتجزون في مخيمات عسكرية، ومحرومون من تقارير الحماية، ودون إحصاء، الذي هو مطلب أساسي من أجل إعداد مخططات المساعدة، ولا يملكون حتى بطاقة لاجئ.
يتشارك المسؤولية في هذه الوضعية البوليساريو، المشرف المباشر على المخيمات، والبلد المضيف، أي دولة الجزائر، إضافة إلى المنظمات الإنسانية الدولية الناشطة في هذه المخيمات، أساسا المفوضية السامية للاجئين وبعثة الأمم المتحدة.
وتستنكر عائشة الدويهي الصمت السلبي للمنتظم الدولي إزاء ما يقع من انتهاكات لحقوق السكان، حتى الأساسية منها، في ضرب سافر لكل المواثيق الدولية وبالخصوص اتفاقية جنيف للاجئين.
تدهور الوضع الأمني بمخيمات تندوف واستمرار نزاع الصحراء يفتحان منافذ لتكثيف نشاط المجموعات الإرهابية التي تنشط بالمنطقة
وتحدثت عدة تقارير أوروبية عن تحويل المساعدات الإنسانية الموجهة للمحتجزين نحو حسابات مصرفية لشخصيات من البوليساريو والجزائر، وفي هذا الصدد تقول عائشة الدويهي، إن مكتب محاربة الغش التابع للاتحاد الأوروبي هو من قام بالتحقيق في أمر تحويل المساعدات الإنسانية الموجهة لمخيمات تندوف بعد إثارة الشكوك حول مآل تلك المساعدات لدى بعض المانحين الأوروبيين، وأيضا بعد أن ندّدت بها الكثير من الأصوات مرارا وتكرارا حتى من داخل المخيمات.
وتشير الناشطة الحقوقية إلى أن المدة الفاصلة بين إنجاز التقرير وخروجه تثير لدينا أكثر من تساؤل، موضحة أن تصريح جبهة البوليساريو حول عدد سكان المخيمات، بُعيد خروج التقرير، والذي أقرت فيه أن الأمر
يتعلق بـ90 ألف لاجئ بدل 150 ألف، وهو العدد الذي كانت قد أعلنت عنه سابقا، يثير لدينا تساؤلات عدة حول مدى قوة الاتحاد الأوروبي التفاوضية ـ كجهة مانحة ـ لفائدة تحسين ظروف عيش سكان مخيمات تندوف وخصوصا في ما يتعلق بطريقة توزيع هذه المساعدات.
وتتساءل الدويهي عن أسباب عدم قدرة المفوضية السامية للاجئين التواصل بشكل فردي مع السكان في المخيمات، ولماذا لا يتم التواصل إلا في حضور ممثل خاص لقيادة البوليساريو، ولماذا لا يمكن لهذه المفوضية، إضافة إلى المنظمات الإنسانية المتواجدة بالمخيمات، مراقبة شبكات توزيع المساعدات الإنسانية.
وشكك أكثر من مراقب في جدية السلطات الجزائرية في موضوع إحصاء سكان مخيمات تندوف، وقالت عائشة الدويهي إن المفوضية السامية للاجئين قدّمت طلبها مرارا للبلد المضيف الجزائر سنوات 1977 و2001 و2003 و2005 ورغم المطلب المتضمن في التقرير ما قبل الأخير للأمين العام للأمم المتحدة.
كما جاء في تقرير الأمم المتحدة حول الصحراء المغربية في أبريل 2013، إلى أن “لدينا القليل حول وضعية حقوق الإنسان في المخيمات وأرقام اللاجئين”، مضيفا أنها لا تزال موضع شك بسبب استحالة المراقبة.
وتؤكد الناشطة أن الجزائر لم تلبّ حتى الآن مطلب إحصاء السكان من أجل وضع مخططات الدعم لتوزيع المساعدات كهدف إنساني، مضيفة أن الحياد السلبي للمنتظم الدولي يُبقي مصير هذا الملف معلّقا.
يتسبب تحويل المساعدات إلى غير وجهتها في ضرر بالغ للفئات الهشّة بمخيمات تندوف، وتحديدا الأطفال والنساء. وترصد عائشة الدويهي عن هذا الضرر مشيرة إلى أن المساعدات هي في الغالب من الضروريات الأساسية للعيش اليومي، كالغذاء والأدوية.
كما أن تبديل بعض السلع بأخرى أقل جودة كان له تأثيره السلبي على صحة كل السكان وليس الأطفال والنساء فقط
وأثّر عدم توزيع المساعدات بالعدل بين سكان المخيمات، على صحتهم، وتسبب في ضعف كبير على مستوى نمو الأطفال.
وتستشهد الدويهي بتقرير اليونسكو الذي كشف أنّ ثلث أطفال مخيمات تندوف لم يستفيدوا من التلاقيح الأساسية، بالإضافة إلى تأثر الصحة الإنجابية للنساء في المخيمات. خلال لقاء نُظم في إطار أشغال المنتدى الاجتماعي العالمي 2018 الذي احتضنته مؤخرا مدينة سالفادور دي باهيا البرازيلية، تمّ الكشف عن تقارير أعادت تسليط الضوء على قضية أثارت جدلا كبيرا منذ سنوات، لكنها لم تأخذ حقها في الاهتمام من المجتمع الدولي والمنظمات الأممية، وهي قضية تهجير أطفال من مخيمات تندوف إلى دول في أميركا اللاتينية، تتصدرها كوبا، حيث تتم تعبئتهم أيديولوجيا وتأهيلهم ليكونوا قيادات في جبهة البوليساريو.
وحول المعاناة التي يتكبّدها الأطفال الذين يفصلون عن عائلاتهم في سن مبكرة، قالت رئيسة مرصد الصحراء من أجل السلام والديمقراطية وحقوق الإنسان، إن هذه السياسة تعود إلى بداية تأسيس جبهة البوليساريو.
سكان مخيمات تندوف الوحيدون في العالم الذين لم يتم إحصاؤهم أو تسجيلهم، ولا أحد يعرف عددهم الحقيقي
عمد الانفصاليون، منذ ثمانينات القرن الماضي، إلى ترحيل 3000 طفل إلى كوبا وليبيا والاتحاد السوفييتي سابقا، والجزائر وإسبانيا من أجل الدراسة. قد يغيب فيها الطفل عن والديه بين 5 أو 10 سنوات أو حتى مدى الحياة. ويتلقى الأطفال والطلاب دروسا مكثّفة في الأيديولوجية الاشتراكية والتدريبات العسكرية.
وتسلط الدويهي الضوء على “التبنّي المقنع” لأطفال مخيمات تندوف، الذين سلّموا لأسر منتقاة بإسبانيا، في إطار اتفاق ضمني بين قادة البوليساريو ومنظمات تقدّم نفسها على أساس أنها هيئات ذات طابع إنساني، فيما تنشط في الواقع في ظاهرة تبنّي الأطفال.
وتشرح الدويهي هذه العملية مشيرة إلى أن الأطفال يُؤخذون في إطار ما يسمّى “عُطل السلام”، والتي تقدّم في قالب إنساني من أجل أن يقضي الأطفال العطل المدرسية في ضيافة أسر إسبانية؛ لكن هذه العطلة، القصيرة، تتحول إلى إقامة دائمة حيث يتم تبنّي الطفل دون أخذ موافقة عائلته.
واليوم نجد أن هناك الكثير من الدعاوي المرفوعة أمام القضاء الإسباني من طرف العائلات الإسبانية والتي كانت تبنّت أطفالا قادمين من مخيمات تندوف عن طريق برنامج عُطل السلام. كثير من الأطفال يعودون إلى عائلاتهم في تندوف عندما يكبرون ويعرفون حقيقتهم، لكن بعض العائلات ترفض عودة أبنائها، خصوصا البنات، إلى إسبانيا للالتحاق بالعائلات التي تبنّتهنّ.
وتكشف الدويهي عن انتهاكات أخرى بحق الأطفال في المخيمات، مشيرة إلى أن المدارس داخل المخيمات تساهم في تلقين الكراهية والدعوة إلى العنف وإحداث نوع من القطيعة الهوياتية مع الأرض والمجال والتاريخ داخل الصحراء المغربية، حيث يتم تدريس الأطفال التاريخ الجزائري عوض تاريخهم الأصلي المغربي.
وتضيف أن قادة البوليساريو قاموا باستغلال البرامج الدراسية من خلال المقرّرات والكتب الدراسية، لتلقين الأطفال العقيدة الأيديولوجية للتنظيم والداعية إلى العنف والكراهية والإشادة بالحرب والبطولات العسكرية، خلافا لمقتضيات اتفاقية الطفل التي تنصّ على التربية على مبادئ وقيم الحرية والمساواة والتسامح.
تسعى جبهة البوليساريو من خلال مشاريع مختلفة إلى إبعاد الشباب، بعد إكمال مرحلة الدراسة الابتدائية في المخيمات، إلى قطع الطريق أمام انضمامهم إلى الحركات السياسية المناهضة للأطروحة الانفصالية مثل حركة شباب التغيير التي تمكّنت من إنشاء فروع لها في جميع المخيمات، وذلك بقصد توعية المحتجزين بممارسات الاستغلال والفساد التي تنخر قيادة البوليساريو.
وحركة شباب التغيير أسّسها مجموعة من الشباب تطالب بتحسين أوضاع اللاجئين في مخيمات تندوف، وتتهم جبهة البوليساريو بالفساد.
ويطالب أعضاء الحركة، بوقف ما سمّوه متاجرة الجبهة بمأساة اللاجئين، كما تطالب بتمكين سكان تندوف من الحصول على بطاقات لاجئين ليتمتعوا بحقوقهم. وترفض الحركة أطروحات البوليساريو الانفصالية، حيث يعتبر مؤسّسوها العقلية التي يحكم بها قادة البوليساريو عقلية قديمة ولا تتماشى مع السياق الدولي الحالي.
حقوق الإنسان
برزت عدة فعاليات تنادي بحرية إبداء الرأي والحق في التظاهر السلمي وتكوين الجمعيات داخل مخيمات تندوف.
وتشير عائشة الدويهي إلى أن هذه الحقوق تشهد مخاطر حقيقية، حيث أن التأسيس للجمعيات مرفوض، كما يتعرض المدافعون عن حقوق الإنسان، الذين يحملون أفكارا تتعارض مع فكر جبهة البوليساريو، إلى تهديدات وانتهاكات مستمرة، علاوة على فرض حالة الطوارئ في المخيمات ومحيطها وتشديد المراقبة بحجة مواجهة الإرهاب.
وتعتبر الناشطة الحقوقية أن استمرار حالة الاستنفار الأمني وتضييق الخناق على كل أشكال المعارضة واضطهاد المدافعين عن حقوق الإنسان المخالفين لرؤية التنظيم ووصمهم بالخيانة، أمر شائع في أوساط مسؤولي قيادة البوليساريو ومساعديهم.
في المقابل تصدر عدّة منظمات حقوقية دولية كمركز روبرت كينيدي تقارير تحملُ الكثير من التجنّي وعدم الحيادية وتسييس كل ما له علاقة بحقوق الإنسان بالأقاليم الجنوبية للمغرب.
وتعرب عائشة الدويهي عن أسفها لهذا الأمر حيث يتمّ اختزال ما يقع من احتجاجات في الحق في التظاهر السلمي والتي تكون عمليات الرصد حولها محكومة بهاجس كمّي، دون الاكتراث بإنصاف الضحايا والنهوض بحماية حقوق الإنسان من أجل رفع بلاغات الغرض منها هو الضغط خارجيّا على المغرب.
وحول مجهودات المغرب في ترسيخ قيم الحقوق بالأقاليم الجنوبية تؤكد الدويهي أن الوضع الحقوقي شهد تقدّما ملحوظا على المستوى الوطني وخصوصا بعد مسار العدالة الانتقالية وتقرير هيئة المصالحة، كما أنه تحصّن بانفتاح المغرب كخيار، على الرقابة الدولية وتفاعله مع الآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان.
وتشدّد على أن حرية التعبير والتنقل والحق في التظاهر السلمي، مكفولة للكل، حيث تقول إنه يوجد صحافيون يراسلون لقناة راصد التابعة لتنظيم البوليساريو بالإضافة إلى راديو ميزرات الذي يبث إذاعته من مدينة العيون لفائدة تنظيم البوليساريو، هذا بالإضافة إلى مختلف الناشطين الآخرين الذين يتنقلون وبكل حرية من أجل المشاركة والترافع في كل التظاهرات، بأطروحة أخرى، وبالتالي العودة إلى المغرب بكل حرية.
وتخلُص الدويهي مؤكدة أن الأقاليم الجنوبية وعلى غرار باقي المناطق وجهات المغرب تعرف دينامية قوية على المستوى الحقوقي والتنموي، ومؤخرا تمّ إطلاق النموذج التنموي الجديد بمبلغ يناهز 70 مليار درهم، في إطار إطلاق جهوية متقدّمة تكون قاطرتها الأقاليم الجنوبية معتمدة في ذلك على ديمقراطية تشاركية ورؤية مندمجة لإقلاع تنموي حقيقي يقابله انخراط للسكان في جميع المجالات