الغموض يخيّم على الجزائر في ظل أزمة اقتصادية وسياسية واسعة
النقابات المستقلة تستعد لاحتجاجات واسعة في عيد العمال، والوعود الحكومية لم تقنع نقابات التعليم والأطباء يواصلون الاحتجاج.
وضع يزداد تعقيدا
تشير أوساط سياسية جزائرية إلى أن البلاد مقبلة على فترة غامضة في ضوء الأزمة السياسية التي تعيشها والصراع الذي لم يعد خافيا بين مكونات السلطة لخلافة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، فضلا عن توسّع دائرة الاحتجاجات الاجتماعية التي تكتفي السلطات بالصمت تجاهها.
ويعتزم تكتل للنقابات المستقلة في الجزائر، تصعيد الحركة الاحتجاجية بمناسبة أول مايو، من أجل الضغط على الحكومة لتلبية المطالب الاجتماعية المرفوعة منذ أشهر، واستغلال رمزية اليوم العالمي للعمال، للتنديد بالوضع الصعب الذي يعيشه الجزائريون خاصة المنتسبين للقطاع العام.
وكشفت مصادر نقابية عن أن النقابات المنضوية تحت لواء التكتل المستقل ستعقد، السبت القادم، لقاء لتحديد الموقف النهائي من الأزمة الاجتماعية في ضوء محدودية التجاوب الحكومي، والكشف عن الخطوات الاحتجاجية التي يعتزم التكتل القيام بها في المستقبل.
ويحظى تنظيم وقفة احتجاجية كبيرة بالعاصمة، في أول مايو، بإجماع النقابات المستقلة، التي تنوي استغلال رمزية العيد العالمي للعمال، لتصعيد لهجة الحراك والتنديد بما تصفه بـ”التعسف الحكومي تجاه العمل النقابي”، والتردد في تلبية المطالب المرفوعة.
ولم يستبعد متابعون للشأن الاجتماعي اللجوء إلى سلسلة من الإضرابات والاحتجاجات خلال الأسابيع القليلة المقبلة، من أجل شلّ قطاعات الوظيفة العمومية في التربية والتكوين المهني والتعليم العالي والبريد والإدارة، ورفض الرضوخ للضغوط الممارسة على الناشطين النقابيين.
وكانت الحكومة قد أقرت في الآونة الأخيرة إجراءات إدارية، تجاه النقابات المستقلة من أجل سحب الشرعية منها، مثل مطالبتها بلوائح الهياكل المحلية وهوية المنخرطين، بدعوى المطابقة مع النصوص القانونية التي تستوجب الحصول على 20 بالمئة من المنخرطين لاكتساب شرعية التمثيل النقابي، في مقدمة لقطع التمويل عنها ومحاصرتها.
واعتبر وزير العمل والضمان الاجتماعي مراد زمالي أن “الكثير من النقابات تعاطت إيجابيا مع طلب الوزارة، في حين طلبت نقابات أخرى وقتا إضافيا لجرد لوائحها التنظيمية والبشرية، بينما لم تتجاوب بعض النقابات مع الطلب”.
تنظيم وقفة احتجاجية كبيرة بالعاصمة يحظى بإجماع النقابات المستقلة، التي تنوي استغلال رمزية العيد العالمي للعمال لتصعيد لهجة الحراك والتنديد بـ”التعسف الحكومي تجاه العمل النقابي”
وشدّد على أن وزارته لن تتوانى في تطبيق النصوص القانونية بشأن ممارسة العمل النقابي، لمنع ما أسماه بـ”حالة الانفلات والفوضى”، وهو ما استقبلته نقابات فاعلة في عدة قطاعات بغضب، متهمة الحكومة بالتضييق على الحريات النقابية، عبر الإجراءات الإدارية البيروقراطية.
وصرح القيادي في تنسيقية الأطباء المقيمين محمد طايلب، في تصريح لـه، بأن الإجراء الحكومي يستهدف نشطاء بارزين في منظمته بعد تأكيد جدارتها وقدرتها على التعبئة والتجنيد عكس نقابات تاريخية.
ويتشكل التكتل النقابي المستقل من 12 نقابة قطاعية في قطاع الوظيفة العمومية، واستطاع خلال السنوات الأخيرة تحريك الجبهة الاجتماعية، لا سيما بعد دخول الإجراءات التقشفية للحكومة حيز التنفيذ مع بداية 2015، خاصة في ما تعلق بسن التقاعد والقدرة الشرائية وقانون العمل والحريات النقابية.
وتتزامن احتفالية العيد العالمي للعمال في الجزائر، مع تدهور غير مسبوق للجبهة الاجتماعية، وحالة من الغضب الشعبي إزاء الخيارات الحكومية المعتمدة على سلسلة تدابير تقشفية، من أجل مواجهة أعباء الأزمة الاقتصادية، وفي ظل غياب شبه كلي للنقابة التاريخية، الاتحاد العام للعمال الجزائريين، المتهم بالوقوف إلى جانب الحكومة وأرباب العمل.
وعرفت الجزائر خلال الأشهر الأخيرة، حراكا اجتماعيا قويا قاده أساتذة التعليم والأطباء المقيمون. ورغم المسكنات التي لجأت إليها الحكومة من أجل إنقاذ الموسم الدراسي من شبح السنة البيضاء، بتلبية جزئية لبعض مطالب قطاع التربية، تواصل فئة الأطباء المقيمين حركتها الاحتجاجية وإضرابها الجزئي في المستشفيات.
وهددت نقابة المجلس الوطني لأساتذة التعليم، بالعودة إلى خيار الإضراب في الأسابيع المقبلة، احتجاجا على ما أسمته بـ”تردد الوزارة في تنفيذ محاضر الاتفاق المبرمة بينها وبين نقابات القطاع″.
وبالتوازي، قررت تنسيقية الأطباء الاستمرار في إضرابها، بعد فشل جلسات الحوار الأخيرة مع وزارة الصحة. وذكر الناطق باسم التنسيقية حمزة بوطالب أنها “تأسف لعدم تقدم الحوار مع الوزارة بسبب تمسكها بنفس المقترحات السابقة التي رفضت من طرف الأطباء، وأن تفاصيل العمل الاحتجاجي مطروحة الآن على مستوى الهياكل القاعدية لبلورة مواقف مناسبة في القريب العاجل”.
وكان المكتب العالمي للشغل، قد انتقد الحكومة الجزائرية على خلفية تعاطيها مع الحراك الاجتماعي والنقابي في البلاد، وطلب زيارة للوقوف على الأوضاع الحقيقية للنقابات المستقلة، خاصة بعد الشكاوى بشأن التضييق الحكومي على النقابات، وهو ما أثار استياء بعض الدوائر الرسمية التي اتهمت هؤلاء بـ”العمل على ضرب استقرار الجبهة الداخلية وتأليب جهات خارجية”، كما ورد على لسان الأمين العام للمركزية النقابية عبدالمجيد سيدي سعيد.