مراكز خدمة الزبائن المغربية تستقطب الشركات العالمية
الدار البيضاء : سلمى الشرايبي
عدد موظفي مراكز الاتصالات يصل إلى أكثر من 70 ألفا، والشركات الفرنسية تنقل معظم خدمات العملاء إلى المغرب.
خدمة زبائن الشركات الأوروبية عن بعد
تواجه شركات الاتصالات المغربية العملاقة منافسة شرسة مـن شركـات أقـل كلفـة استفـادت من الامتيازات الممنوحة لقطاع الاتصالات وفتح مكاتب لخدمة زبائن الشركات داخل وخارج المغرب.
ويقول يوسف الشرايبي مدير شركة “آوتسورسيا” إن أسعار الخدمات التي تقدمها تلك الشركات يقل عن نصف مثيلتها في فرنسا. وتوظف آوتسورسيا التي تأسست عام 2003 وامتد نشاطها إلى فرنسا ومدغشقر ثم النيجر نحو 1500 موظف.
ويعادل عدد وظائف العلاقات مع الزبائن في تلك الشركات جميع وظائف صناعة السيارات في المغرب، بعد أن ارتفع من 5500 في عام 2004 إلى أكثر من 70 ألفا حاليا. وهي تحقق أرباحا تعادل قطاع تصنيع أجزاء الطائرات في المغرب.
لكن الأرقام الصادرة عن مكتب الصرف تبين أن القطاع في تراجع، إذ انخفضت نسبة نموه من 15 بالمئة إلى 5 بالمئة فقط خلال العامين الماضيين. ويبدو أن هذا التراجع لا يثير قلق الشرايبي، الذي يؤكد أن ذلك “علامة على نضج السوق.
وتعكس أجواء العمل في غرفة الاتصالات الواقعة أسفل مكتبه بعدة طوابق، هذا التفاؤل، حيث تنبعث أصداء محادثات لا تتوقف. وكانت إحدى الموظفات ترد على اتصال زبون لإحدى شركات بيع قطع غيار السيارات.
لا يعرف هذا الزبون الذي يتصل من فرنسا أن الشابة التي تحادثه موجودة في الدار البيضاء، لكنه يعلم أن بإمكانه تقييم مدى جودة الخدمة. فالمسؤولون عن الفرق يتنقلون بين مكتب وآخر مسجلين ملاحظات حول أداء كل مستخدم على حدة. وتمثل العلاوات المترتبة عن هذا الأمر أهمية خاصة لدى الموظفين، لأنها تشكل ربع أجورهم.
وتواصل مراكز الخدمات الهاتفية الفرنسية ترحيل خدماتها نحو وجهات أجنبية. ويقدر تقرير لمؤسسة إرنست أند يونغ الاستشارية أن نسبة الشركات الأوروبية التي تستخدم مراكز اتصالات في الخارج تضاعفت خلال 10 سنوات لتصل إلى 52 بالمئة.
وتواكب مراكز الاتصالات تطور وسائط التواصل الاجتماعي منوعة خدماتها لتشمل أنشطة أكثر تعقيدا مثل الخدمات الإدارية والمالية.
ويقول مدير آوتسورسيا لوكالة الصحافة الفرنسية “لدينا موظفون متمكنون من اللغة الفرنسية يستطيعون أداء المهام ذات القيمة المضافة. أما الخدمات الأقل صعوبة فيمكن أن توكل لموظفينا في مدغشقر”.
وتوفر تلك المراكز فرصا للعاطلين عن العمل حاملي الشهادات الجامعية لدخول سوق العمل، في وقت تصل فيه البطالة بين الشباب إلى 40 بالمئة.
ولا تستبعد مريم (28 سنة) التي التحقت بالعمل في آوتسورسيا قبل 3 سنوات لعدم حصولها على وظيفة تناسب شهادتها التقنية في الصناعة الغذائية، أن تغادر “إذا حصلت على فرصة أفضل”.
أما حليمة (27 سنة) فغادرت لتعمل مدرّسة في القطاع الخاص بعد 4 سنوات في مركز اتصالات. وتقول “أحصل الآن على أجر أقل لكنني ربحت راحة نفسية كوني أتواصل مباشرة مع الناس وأعمل 22 ساعة بدل 45 ساعة أسبوعيا على الهاتف”. وتواجه مراكز الاتصالات انتقادات عدة بشأن صعوبة ظروف العمل بها تؤثر على سمعتها، رغم كونها توفر أجورا تفوق 3 مرات الحد الأدنى للأجر في المغرب.
ويؤكد نائب رئيس الجمعية الفدرالية المغربية لخدمات نقل المهام (أوت سورسينغ) أن أرباب هذه الأعمال يهتمون بتحسين شروط العمل قائلا “تضم جمعيتنا 20 شركة تشغل نحو 80 بالمئة من العاملين في القطاع، وهذه الشركات تضطلع بمسؤولياتها الاجتماعية وتستثمر في التدريب المستمر”.
وتواجه هذه الشركات منافسة قوية على مستوى الخدمات منخفضة الكلفة، ما يجعلها مدعوة لتحسين جودتها. ويرى فردريك مادلان المسؤول النقابي عن “فدرالية الأنشطة البريدية واللاسلكية” في فرنسا أن “تحقيق هذا الهدف يقتضي بالضرورة كسب وفاء الموظفين”.
ويضيف مادلان المطلع على أوضاع الشركات التي رحّلت أنشطتها خارج فرنسا “إذا طالبنا الموظفين برفع جودة عملهم فمن الحتمي أن تتحسن شروط العمل بالنسبة إليهم، مع إقرار اتفاقية جماعية”.
لكن العاملين في الفروع المغربية لهذه الخدمات لا يرون اعتماد اتفاقية جماعية قريب المنال. ويقول بوشعيب متوكل الموظف في إحدى الشركات الألمانية المغربية منذ 2005 إن “الاتفاقية الجماعية ليست فكرة جيدة حاليا ما دام أن ميزان القوى يميل لصالح أرباب العمل الذين يعارضون النشاط النقابي ويحاولون استهداف الموظفين المطالبين بحقوقهم”.
ويشير متوكل الذي ينشط في العمل النقابي منذ 7 سنوات، إلى تسريح المئات من الموظفين، بل حتى وجود “لائحة سوداء” للمعروفين بنشاطهم النقابي. ويقول “ليس بوسعي تغيير عملي لأنني لن أجد بديلا بما أنني معروف بسمعتي كناشط نقابي”.