ماكرون يحذر من “حرب أهلية” في أوروبا

باريس تقترح إنشاء صندوق لتمويل الدول المستقبلة للمهاجرين، وبرلين تدعم الإصلاحات الفرنسية رغم بعض التحفظات.

حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، متوجها إلى البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، من النزعات إلى التسلط في أوروبا، داعيا إلى الدفاع بحزم عن مفهوم جديد للسيادة الأوروبية، التي باتت مهددة بصعود اليمين المتطرف لسدة الحكم في عدد من الدول، ما يقوض وحدة الصف الأوروبي.

وقال ماكرون في خطابه الأول إلى النواب الأوروبيين المجتمعين في مقر البرلمان “لا أريد الانتماء إلى جيل ينقاد بلا إرادة”، مضيفا “أنتمي إلى جيل لم يعرف الحرب ويسمح لنفسه بأن ينسى ما عاشه أسلافه”.

وعرض الرئيس الفرنسي أمام قاعة مكتظة بالنواب، صورة قاتمة للوضع في القارة العجوز، على خلفية تصاعد النزعات الشعبوية والمشاعر المعادية لأوروبا في عدد من بلدان الاتحاد، في إشارة إلى نتائج الانتخابات الأخيرة في إيطاليا والمجر التي فازت فيها أحزاب مشككة في جدوى الاتحاد الأوروبي.

وقال في مطلع خطابه إن “شكلا من الحرب الأهلية الأوروبية يعود إلى الظهور” و”تبدو لنا أنانيتنا القومية أحيانا أهم مما يوحدنا في وجه باقي العالم”، مثيرا تصفيق النواب الأوروبيين باستثناء نواب اليمين المتطرف.

وشدد على ضرورة بناء “سيادة أوروبية” جديدة لتبديد مخاوف وغضب مواطني الاتحاد الأوروبي، تكون من خلال مواجهة الديمقراطية الاستبدادية بسلطة الديمقراطية.

وعلق رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، في كلمة ألقاها بعد ماكرون، قائلا “فرنسا الحقيقية عادت، أرحب بعودة فرنسا إلى صفوفنا”، لكنه أضاف “دعونا لا ننسى أن أوروبا ليست فرنسية ألمانية حصرا، بل ينبغي أن يتمكن المحرك من العمل بمساهمة البلدان الأخرى”.

واقترح الرئيس الفرنسي ضمن رؤيته الإصلاحية إنشاء برنامج أوروبي لتمويل المجتمعات المحلية التي تستقبل لاجئين، من أجل تجاوز النقاش المسموم حول حصص توزيع المهاجرين في الاتحاد الأوروبي، التي ترفضها عدد من الدول الأعضاء كالمجر وبولندا.

وقال “أقترح إنشاء برنامج أوروبي يدعم ماليا بشكل مباشر المجتمعات المحلية التي تستقبل لاجئين”، مشددا على ضرورة تحقيق تقدم في هذا الملف.

ودعا إلى “تحريك النقاش المسموم حول اتفاقية دبلن وعمليات إعادة التوزيع، وكذلك تخطي هذا النقاش ببناء التضامن الداخلي والخارجي الذي تحتاج إليه أوروبا”.

وأمهلت دول الاتحاد الأوروبي نفسها حتى يونيو القادم للاتفاق على إصلاح لاتفاقية دبلن التي تلقي بمسؤولية معالجة أي طلب للهجرة على عاتق دولة الوصول الأولى بشكل شبه منهجي.

وتلقي هذه الآلية عبئا هائلا على بلدان مثل اليونان وإيطاليا، غير أن جهود إصلاحها متعثرة منذ حوالي سنتين.

وتعرض المفوضية الأوروبية بدعم من برلين خصوصا، تقاسم استقبال اللاجئين وفق حصص “إعادة توزيع” شبيهة بما طبق في 2015 حين تدفق 1.26 مليون لاجئ إلى الاتحاد الأوروبي.

وبالرغم من عدم التوصل إلى توافق، أقر الاتحاد الأوروبي عام 2015 خطة استثنائية لإعادة توزيع اللاجئين من إيطاليا واليونان تنص على حصص استقبال إلزامية، رفضت دول عدة من شرق أوروبا تطبيقها وانتهت مدتها في سبتمبر 2017.

وطالبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالمزيد من السرعة في الإصلاحات المرتقبة للاتحاد الأوروبي، رغم تحفظها على بعض نقاط الخطة الفرنسية للإصلاح خاصة إنشاء ميزانية لمنطقة اليورو وتعيين وزير مالية للمنطقة.

وقالت ميركل الثلاثاء في برلين، عقب لقائها رئيسة وزراء نيوزيلندا، أسيندا أرديرن، إن هذه الإصلاحات لا ينبغي أن تظل مقتصرة على الاتحاد الاقتصادي والنقدي.

وذكرت أنه من المهم بالقدر نفسه وضع سياسة مشتركة للجوء والتخطيط المالي للأعوام المقبلة والتعاون في السياسة الخارجية والدفاعية والتعاون العلمي.

وتابعت “سنعثر على حل مشترك مع فرنسا بحلول يونيو المقبل، أنا لست قلقة من قدرتنا على صياغة حزمة قوية من الإصلاحات”، موضحة أن المشاورات الحكومية الألمانية-الفرنسية المخطط إجراؤها في الفترة المقبلة ستساهم في صياغة هذه الحزمة قبل قمة الاتحاد الأوروبي المقرر عقدها نهاية يونيو المقبل في بروكسل.

وذكرت المستشارة أن الحكومة الألمانية تتبنى في ذلك موقفا واضحا على أساس اتفاقية الائتلاف الحاكم، مضيفة أن الهدف هو جعل منطقة اليورو أكثر أمانا، وهو ما يحتاج أولا إلى تأسيس اتحاد مصرفي، مؤكدة على أهمية تغيير قانون المنافسة صلب الاتحاد.

واتهم حزب الخضر الألماني حكومة بلاده بترك فرنسا بمفردها في النقاش حول مستقبل أوروبا.

وقالت رئيسة الحزب أنالينا باربوك “التضامن الأوروبي المذكور في اتفاقية الائتلاف الحاكم أصبح هدرا”، حيث مثلت مساندة المساعي الفرنسية في الإصلاحات الأوروبية أحد أهم بنود تشكيل الائتلاف الحاكم في ألمانيا بقيادة أنجيلا ميركل.

وأضافت باربوك أنه تم ترك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحده مع أفكاره الإصلاحية بشأن الاتحاد الأوروبي، لأن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ونائبها أولاف شولتس الذي يشغل أيضا منصب وزير المالية الاتحادي “يرفضان الإشارات الموالية لأوروبا”.

وأكدت أن وجود اتحاد أوروبي عميق يعد “في المصلحة المتأصلة للحكومة الاتحادية” كي تكون مؤهلة بشكل أكبر للتصدي للأزمات في المستقبل.

وأشارت إلى أن إتمام الاتحاد المصرفي وتحويل صندوق الآلية الدائمة للاستقرار المالي الأوروبي إلى اتحاد نقدي أوروبي هي الخبرات التي تم اكتسابها من الأزمة المالية، مضيفة “بدلا من الانشغال بطفاية الحريق فقط، إننا بحاجة لجدران حماية قوية”.

ولا يتفق الحزب المسيحي الديمقراطي الذي ترأسه ميركل مع مطالب محورية بشأن إصلاح الشؤون المالية للاتحاد، فيما عبّر شولتس أيضا عن تحفظه تجاه خطط فرنسا الإصلاحية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: