طاهية مغربية هدفها تحويل ألم النساء إلى انتصار


اسبانيا : مجدي فاطمة الزهراء

 

العناصر الستة السحرية، هي الحواس الخمس فضلا عن الضمير الحي، الذي يدفع على التدبر والتأمل وحل المشكلات والتقدم.

فنون الطهي بروح مغربية
اكتشفت الطاهية المغربية نجاة كناش الفانيليا في الآيس كريم الذي كانت تهديه لها السيدة باتشيتا بميدان بلدة أوريو في مدينة جيبوثكوا، بإقليم الباسك شمال إسبانيا، حيث نشأت وترعرعت.

وعلق هذا الطعم بذاكرة التذوق لدى ابنة المهاجرين المغاربة، ليصبح مصدرا لإثارة فضولها النهم والذي يدفعها الآن للبحث في جميع أنحاء العالم عن خبرات إنسانية تنكه بها ما تقدمه من فنون الطهي بروح مغربية.

وعلى الرغم من أعوامها الأربعين، عملت نجاة في مطاعم عالمية حاصلة على العديد من نجمات ميشلين، أعلى تقدير دولي لفنون الطهي، ومن بينها مطعم الشيف الإسباني فيران أدريا “البولي” في جيرونا، الذي استقرت به حاليا، “نورما” في كوبنهاغن، “فرنش لاندري” في كاليفورنيا، الـ”بير سي” في نيويورك و”الينيا” في شيكاغو. كما شملت رحلاتها الاستكشافية لمطابخ العالم، كلا من إيران وأفغانستان والبرازيل وتشيلي ونيكارجوا والمكسيك، ليطلق عليها عن جدارة “الشيف الرحالة”، بينما يؤكد فيران أدريا أنها “تمثل الروح المغربية”.

بملامحها ولون بشرتها اللذين يعكسان حرارة شمس القارة السمراء، لكنتها مكسيكية وأسلوبها باسكي، تعتبر نجاة تجسيدا لروح اللامحدودية والتنوع لامرأة عالمية أثارت ضجة مؤخرا، حيث تجمع بين الطهي والتدريس وإلقاء المحاضرات في جامعتي هارفارد ونيويورك، كما تقدم برنامجا تلفزيونيا عن الطهي المغربي، وبعد أن افتتحت عددا من المطاعم في الولايات المتحدة والمكسيك، عادت إلى المغرب لتنشئ مشروعها للطهي في مدينة فاس.

وتروج من خلال هذا المشروع لمبادرة “ست مكونات” أو “Six Ingredients”، وهي مبادرة تضامنية ولدت في المكسيك، وتربط حاليا بين عالمين، ترى نجاة أنه تجمعهما الكثير من الجوانب المشتركة، وتبرز من بينها الارتباط بالأرض ثقافة تناول الطعام وكرم الضيافة.

عملت نجاة في مطاعم عالمية حاصلة على العديد من نجمات ميشلين، أعلى تقدير دولي لفنون الطهي

وصرحت الطاهية المغربية العالمية بمناسبة إقامة ندوة لها بمقر مؤسسة البيت العربي بالعاصمة الإسبانية مدريد أن “العناصر الستة السحرية، هي الحواس الخمس فضلا عن الضمير الحي، الذي يدفع على التدبر والتأمل وحل المشاكل والتقدم”، مؤكدة أنها “وصفة يمكن تطبيقها في أي مكان في العالم، وقد بدأت تجربتها في المكسيك”.

وبدافع الحماية والدفاع عن منشأ المنتجات من خلال الزراعة أو التعليم أو احترام البيئة، بدأت بحفر آبار في المكسيك واستعمال الذرة بعد طحنها بالرحاية اليدوية في مدن مثل تشياباس وتباسكو، حيث قالت “في الريف المكسيكي، بعدما عملت مع ناس تتغذى بصفة أساسية على ثلاثة عناصر، تعلمت أشياء لا يمكن أن تتعلمها في أي مطبخ أو أكاديمية”.ودفعها هذا الشغف باستعادة المنتج الجيد التقليدي الآن إلى القيام بمبادرة مماثلة في المغرب ولكن مع القمح، حيث افتتحت مطعما مقسما لأربعة أجنحة؛ “نور”، والمكسيكي “ناتشو ماما”، وقسم الشيكولاتة والآيس كريم “هارموني”، والإيطالي الذي تسعى من خلاله لتوفير فرص عمل لسيدات بلا دخل، لكي يحصلن على أجر ثابت وضمان اجتماعي أو لكي يتمكن من إرسال أبنائهن إلى المدرسة.

ويشمل نشاط مبادرة كناش، بدءا من نثر البذور، حتى إعداد الخبز أو الكسكسي، وصولا إلى إعداد قوائم الطعام الراقي، وتوضح نجاة “أصبح الطهي بالنسبة لهن وسيلة للحرية والاستقلالية، وهي أمور يصعب تحقيقها هناك”، كما تضيف “أحب العمل مع السيدات ورؤية الابتسامة على وجوههن، عندما تحول انكساراتهن وآلامهن إلى انتصارات”.

وأثناء وجودها في إسبانيا، شاركت نجاة في المنتدى الدولي “نساء غيرن العالم”، الذي عقد مؤخرا في مدينة سيجوبيا، والذي ركز على مناقشة أوضاع المرأة، حيث أكدت “سوف نحاول تنظيم منتدى مماثل في شمال أفريقيا، لأننا جميعا بوسعنا أن نكون أشخاصا فاعلين يغيرون العالم”.

وحملت كناش مبادرتها للتغيير حتى المناطق الريفية، حيث تتذكر “في طفولتي كنا نجمع القمح وبمساعدة الخيل كنا نقوم بعملية فصل القشور ‘التذرية’ يديويا، لنطحنه بالرحاية الحجرية، يدخل القمح بذورا من فتحة ليخرج من بين شقيها دقيقا، يسيل لعابنا لتحويله خبزا، وهي أمور لم يعد لها وجود هذه الأيام، حيث يلاحظ فقدان القمح الجيد في المغرب وبالمثل الذرة الجيدة في المكسيك”.

ولهذا تحاول استرجاع هذه التقاليد، بينما تواصل البحث عن بذور في أماكن أخرى يمكن جلبها إلى المغرب، وقد أنشأت بالفعل مزرعة “كينوا” في ضواحي الرباط، في محاولة منها لزراعة حبوب مختلفة تستخدم في عمل طبق الكسكسي المغربي الشهير، أخذا في الاعتبار أن النشويات التي تتحول إلى سكر في الدم، هي السبب الرئيسي في ارتفاع معدلات الإصابة بمرض السكري في المغرب.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: