ماراثون الرمال في المغرب مغامرة صحراوية بضوابط بيئية
منظمو ماراثون الرمال في المغرب يعملون على تعزيز طابعه الإيكولوجي في كل دورة من دوراته، من خلال استغلال الوظيفة الأخلاقية التي تضطلع بها الرياضة في الوقت الراهن.
تشجيع الطاقة الشمسية يشكل تحديا للتظاهرة الرياضية
عندما نحب الطبيعة أقل ما نقدمه تجاهها هو الحفاظ عليها، لأنها ليست ملكنا بل هي ملك الأجيال القادمة التي تحتاج أيضا أن تتعلم كيف تتعامل مع محيطها البيئي والحفاظ على استمراريته.
منذ ما يزيد عن 28 سنة يحرص منظمو ماراثون الرمال الذي أطفأ يوم الأحد شمعته الـ33 على تعزيز طابعه الإيكولوجي مع مرور الدورات، من خلال استغلال الوظيفة الأخلاقية التي أصبحت تلعبها الرياضة في الوقت الراهن عن طريق المساءلة المستمرة لسلوكنا تجاه أنفسنا، وتجاه الآخر، وعلى الخصوص تجاه الطبيعة.
مقاومة التلوث هي التحدي الأكبر الذي تواجهه الشعوب في العصر الراهن، وللتوعية بهذه المهمة الإنسانية اختار المغرب أن ينظم ماراثونا عالميا في صحراء ورزازات والرشيدية بضوابط بيئية للتوعية بقيمة الطبيعة التي نعيش فيها والتي يجب أن نحافظ عليها لأنها ملك للأجيال القادمة
هذه البصمة الفريدة التي تجمع بين ثنائية الرياضة والمحافظة على البيئة، هي التي تشكل العملة الأصيلة لماراثون الرمال على مسلك يبلغ طوله 257 كلم، والذي تم رسمه في قلب إقليمي ورزازات والرشيدية، وقسّم إلى ست مراحل، نُظمت واحدة منها ليلا.
طوال المسلك يستمتع المشاركون في السباق بجمالية المناظر الطبيعية من قبيل الكثبان الرملية والواحات والهضاب الصخرية، التي تشكل عائقا كبيرا أمام العدائين.
يذكر أن السباق ليس مخصصا للرياضيين فقط، بل هو في متناول كل من يرغب في ذلك. يقول باتريك بويير مؤسس الماراثون “السباق حر، لذلك فهو في متناول الكثير من الأشخاص. ويبقى حسن التسيير هو جوهر النجاح في مثل هذا الامتحان. السباق له فترات ينبغي احترامها، فترات لتناول الغذاء، وأخرى للراحة. يجب أن يتعلم الشخص كيف يتعرف على جسمه وفكره جيدا. فالهدف هو أن يتوصل الشخص إلى القول ‘لقد فعلتها… لقد أنهيت السباق’ بغض النظر عن الترتيب”.
وتلزم الضوابط البيئية للماراثون جميع المشاركين -سواء من يبحث منهم عن الفوز باللقب أو من يبحث عن عيش تجربة غير مسبوقة في الصحراء المغربية الساحرة- بضرورة الانخراط الفعلي في احترام البيئة، وترويج الرسائل الإيكولوجية التي تساهم في التحسيس بأهمية احترام الطبيعة.
في هذا الإطار يوضح الفرنسي باتريك بويير أن “قافلة ماراثون الرمال لا يجب أن تترك أي أثر لأي مادة في الصحراء”، مؤكدا في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أن “تجمعا رياضيا من هذا النوع لا يمكن أن يمر دون ترسيخ الوعي التام بضرورة حماية الطبيعة من أجل الأجيال القادمة”.
ومن أجل ترجمة هذا الوعي على أرض الواقع يعطي المنظمون منذ الدورة الثالثة للماراثون تعليمات صارمة ينبغي احترامها، إلى جانب اتخاذ تدابير أخرى مصاحبة، تتمثل في ترقيم القنينات، واستعمال أكياس إيكولوجية للمهملات، وجمع وإتلاف النفايات بطريقة تقلّص حجم القمامة، واستعمال الطاقة الشمسية لتنوير معسكرات التخييم وشحن بطاريات الهواتف الذكية والكمبيوترات. كل ذلك بهدف المحافظة على أصالة المناظر الطبيعية التي يمر منها ماراثون الرمال. كل القيم المتعلقة بالإنسان والطبيعة تتجسد على الميدان، لا سيما في مجال التنمية المستدامة.
ومن أجل الحفاظ على الأنظمة الإيكولوجية الهشة في الصحراء للتقليص -قدر الإمكان- من تأثير السباق على البيئة تم إطلاق عدة مبادرات، إذ يمنع رمي القنينات الفارغة وورق التغليف (كل القنينات مرقمة، وإذا تم العثور على أي واحدة في مضمار السباق يتعرض صاحبها لعقوبة). ويتم جمع القمامة وحرقها في فرن خاص بإتلاف النفايات. بالإضافة إلى هذه الترتيبات تم سَنّ إجراءات أخرى مثل دورات مياه جافة ووحدة لإنتاج الطاقة الشمسية.
وهناك الآن شركتان، واحدة تهتم بتنظيف المخيمات التي يقيم فيها العداءون، من بقايا البلاستيك وغيره من المخلفات، والأخرى تتلف هذه القمامة بإحراقها في شاحنة تحتوي على فرن احتراق ذاتي للمواد العضوية والبلاستيك والمعادن الخفيفة، وبذلك تتحول مخلفات المشاركين الذين يبلغ عددهم حوالي 1500شخص إلى بعض الكيلوغرامات من الرماد.
أعمال خيرية لفائدة سكان منطقة ورزازات والرشيدية
يقول باتريك بوير “إن الماراثون يمثل كل القيم والمبادئ التي ما أحوج مجتمعنا إليها اليوم مثل التفاهم والتكاثف واقتسام القيم واحترام الإنسان لشخصه واحترام البيئة. ففي الصحراء وتحت نجوم السماء، نعود إلى أصلنا الطبيعي، العشائري… وتسقط الأقنعة لأننا كلنا نسكن نفس المكان، حينها نشعر بقوة الروابط الإنسانية ونعيش أصالتنا”، مؤكدا أن تشجيع الطاقة الشمسية يشكل تحديا دائما بالنسبة لهذه المنافسة.
ويوضح قائلا “على مستوى الماراثون أدرجنا الطاقة الشمسية منذ الدورة الـ28 من خلال شراكة مع مؤسسة سويسرية مبتكرة في هذا المجال”.ويقوم المشرفون على تنظيم الماراثون -من خلال جمعية “تضامن ماراثون الرمال” وبشراكة مع جمعيات أخرى- بأعمال خيرية لفائدة السكان المحليين، إذ أن عدة مشاريع رأت النور بهذه الطريقة مثل بناء مدرسة وتعاونية ومحطات ضخ خاصة بنظام توليد الضوء باستخدام الطاقة الشمسية.
بالإضافة إلى ذلك يبادر المتسابقون إلى جمع الأموال لصالح العشرات من الجمعيات الخيرية في بلدانهم. وتم أيضا خلق مرحلة مستقلة عن الترتيب لكنها ضرورية تحمل شعار “تضامن اليونيسف” تعود أرباحها لفائدة هذه المنظمة غير الحكومية.
وقد أنشأت جمعية “تضامن ماراثون الرمال”، التي يوجد مقرها في ورزازات، مركزا لليقظة يعنى بالشؤون الرياضية ويستقبل 250 طفلا من أبناء المناطق المجاورة، كما أسست تعاونية حرفية للنساء إلى جانب تقديمها دروسا في محو الأمية.
ويشير محمد بلمليح المسؤول عن المسابقات والتظاهرات المماثلة بوزارة السياحة في هذا الصدد، إلى أن الوزارة تلتزم بلعب دور الوساطة بين المنظمين وجميع السلطات الإدارية المختصة، شريطة احترام كراس الشروط.
ويضيف “أنهم يقومون بتسهيل مهمة المنظمين، وتبسيط جميع المساطر لمنحهم الترخيص”، مسجلا أن “عليهم بالمقابل احترام كراس الشروط، الذي يشكل جانب المحافظة على البيئة ركيزته الأساسية”.
ويظل ماراثون الرمال الذي نظم من 6 إلى 16 أبريل الجاري مثالا حيا للمنافسات الرياضية التي تجمع بين الرياضة والمحافظة على البيئة، من خلال إقرار عدة قواعد تؤسس لهذا الاحترام على عدة مستويات