هروب الأزواج ظاهرة خطيرة تترك بصماتها على الأسرة
عجز الأزواج عن تأمين متطلبات الحياة الأساسية الضرورية والضغوط العاطفية من أسباب تنصل الأزواج من مسؤولياتهم.
أسر بلا معيل جراء اختفاء الزوج
ظاهرة هروب الأزواج من زوجاتهم ظاهرة اجتماعية خلفت نتائج خطيرة، وتركت بصماتها على المجتمع بعد أن تصل توابع اختفاء الزوج إلى سجلات المحاكم وساحات القضاء، خاصة وأن الإحصائيات تؤكد أنه في محكمة الأسرة بالبيضاء فقط توجد أكثر من أربعة آلاف دعوى قضائية رفعتها زوجات هرب منهن أزواجهن، حيث يطلبن في هذه الدعاوى الطلاق من أزواجهن الذين اختفوا فجأة ولا يعرفن لهم طريقا، فهؤلاء الزوجات يرفضن الاستسلام للوضع القائم ولا يردن البقاء هكذا “معلقات” حتى يظهر الزوج من مخبئه.
وتعود أسباب هروب الأزواج بحسب الدراسة إلى سببين رئيسين: الأوضاع الاقتصادية شديدة الصعوبة، وفشل الأزواج في التواصل مع زوجاتهم مما يحول الحياة الزوجية إلى جحيم لا يطاق.
كما أشارت الدراسة إلى تعدد البلاغات في أقسام الشرطة والقضايا المتعلقة بهروب عدد كبير من الأزواج بسبب عدم قدرتهم على تحمل مسؤولياتهم وتوفير احتياجات أسرهم، وهو ما يعني أن الظاهرة خلفت وراءها أربعة آلاف أسرة بلا معيل، وأربعة آلاف زوجة معلقة بلا طلاق ولا زواج في ظل اختفاء أزواجهن تماما.
وأفادت الدراسة بأن الأزواج الهاربين تركوا منازلهم وتوجهوا إلى مكان آخر لا يعرفهم فيه أحد.
أسباب هروب الأزواج تعود إلى الأوضاع الاقتصادية شديدة الصعوبة وفشل الأزواج في التواصل مع زوجاتهم
ووفقا لرأي خبراء في علم الاجتماع ترجع ظاهرة هروب الأزواج إلى عدة أسباب على رأسها الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الكثير من الأسر ويعجز أمامها الأزواج عن تأمين متطلبات الحياة الأساسية الضرورية، فيرى الزوج أنه غير قادر على توفير أقل القليل، فيما لا تقدّر زوجته ذلك وتثقل عليه بكثرة طلباتها فيجد الهروب ملاذه الوحيد للخلاص من هذا الجحيم.
ويكون للزوجة بذلك دور في هروب الزوج من المنزل وتخلصه من أعباء الإنفاق على أسرته وأطفاله، لأن الزوجة هنا تظهر الزوج في صورة الرجل الذي لا يستحقها لأنه لم يحقق لها رغباتها في امتلاك أو شراء أشياء قد تكون شقة أو سيارة أو “شاليه للمصيف” مثل أختها أو بنت خالتها أو جارتها، فهي دائما تضعه في موضع مقارنة مع أزواج الأخريات، وفي مثل هذه الحالات من الشائع أن نجد الأبناء يرددون عبارات قاسية على نفسية الزوج مثل “إذا لم تكونوا قادرين على الوفاء بمتطلباتنا، فلماذا أنجبتمونا؟”.
وبالإضافة إلى ذلك فإنه في الحالات التي تكون فيها الزوجة سليطة اللسان ودائمة الشجار وصوتها مرتفع باستمرار وتتشاجر لأتفه الأسباب، فكل هذا يؤدي إلى تمهيد المناخ أمام انفجار الوضع وهروب الزوج من سفينة الحياة الزوجية، ليترك أطفاله للمجهول، وتكون النتيجة أنه فجأة ودون مقدمات يخيّر الذهاب بلا رجعة، ويصبح المشهد مؤلما بعد أن يختفي رب الأسرة دون سابق إنذار، ويلقي ربان سفينة العائلة بمسؤولياته على الأرض، بعد أن يجد نفسه فاشلا في الاستمرار بمكانه، تاركا وراءه زوجة لا تجف دموعها، وأطفالا خائفين ينتظرهم المجهول.
وتعج سجلات محكمة الأسرة في المغرب بقصص اختفاء الأزواج، حيث تقول “آمال.ك” إنه بعد قصة زواج وإنجاب أربعة أبناء فوجئت بزوجها الموظف البسيط، يختفي من حياتها، وبحثت عنه في كل مكان دون جدوى. وتبرر هروبه من البيت بأنه وجد نفسه عاجزا عن الوفاء باحتياجات الأبناء فآثر الهروب ناسيا أن هذه أنانية وعدم تحمل للمسؤولية.
ولا تقتصر أسباب هروب الأزواج على الجوانب المالية فقط، بل إن سجلات محكمة الأسرة تكشف عن أسباب أخرى قد تكون شائكة، مثل قصة “ناهد.م”، التي تقول إنه بالرغم من أنها تحدت أسرتها من أجل الزواج بزوجها الهارب، إلا أنه في ليلة الدخلة ظهر أن هذا الزواج مصيره الفشل، وتقول “كأي زوجة انتظرت ما تتمناه كل فتاة في ليلة الدخلة، لكنه فشل، وتكرر الفشل أياما وأسابيع، وفي كل مرة كان يعتذر وأقف بجانبه أهدّئ من روعه وأشجعه لكن دون جدوى، إلى أن جاء يوم اختفى فيه تماما وأخذنا بالبحث عنه فلم نجده، وحررنا محضرا في قسم الشرطة بتغيّبه والآن مرت عشرة أشهر وأنا زوجة مع وقف التنفيذ”.
تسلط المرأة بطريقة استفزازية دون مراعاة لما للرجل من حقوق، وخوف الزوج مما يترتب على الطلاق من أعباء من العوامل المؤدية إلى هروب الأزواج
أما فاطمة ، فلم يهرب فقط زوجها بل ابنها كذلك، وتركاها بمفردها تتحمل مسؤولية خلاص قرض من البنك، وتشير أوراق القضية الموجودة في سجلات المحكمة إلى أن زوجها اقترض مبلغا كبيرا لإقامة مشروع ووقعت هي في خانة الضامن، وللأسف فشل المشروع فشلا ذريعا وتعثروا في سداد أقساط البنك، ومع الضغوط من جانب البنك الذي بدأ فعلا في اتخاذ إجراءات قانونية ضد زوجها وضدها، وبدلا من أن يقف الزوج في موقف من يتحمل المسؤولية عن هذا القرض الذي ضاع بسبب المشروع الفاشل، فضّل الهروب من المسؤولية تماما لتصحو يوما على اختفائه من المنزل ومن حياتها تماما.
ويقول مصطفى .ر ، أستاذ جامعي بالبيضاء ، إن معظم الأسر في المجتمعات العربية تعيش هذه الأيام حالة من عدم الاستقرار النفسي والمعنوي، في إشارة إلى أن هذه الحالة من عدم الاستقرار تعود في جانب منها إلى الظروف الاقتصادية التي تمر بها المجتمعات العربية، وهي الظروف التي أدت إلى تفاقم المشكلات بداخلها فأصبحت جحيما لا يطاق، وهذا ما يرجعه البعض إلى الأزواج والبعض الآخر يرجعه إلى الزوجات، ولكن المؤكد أن المسؤولية يشترك فيها الطرفان.
ويضيف “إذا كانت الغالبية ترجع السبب إلى الزوجات، مستدلة في ذلك على ما كان منذ فترة قريبة من الزمن حيث كانت البيوت تعيش في استقرار ومودة أكثر بكثير مما هو عليه الوضع حاليا، وتعزو ذلك إلى أن الزوجة قديما كانت تقدر الظروف وتضحي، وإن كان البعض يقول عن هذه الفترة إن المرأة كانت فيها مقهورة وليس لها أي صوت يسمع، فأقول: وماذا فعل صوتها عندما خرج؟ لقد كانت هذه النتيجة التي نعرفها في المحاكم”.
كما يشير إلى وجود عدة عوامل أدت إلى هروب الأزواج مثل تسلط المرأة بطريقة استفزازية دون مراعاة لما للرجل من حقوق، فضلا عما يتحمله الرجل من أعباء رهيبة في ظل الظروف الطاحنة، فضلا عن خوف الزوج مما يترتب على الطلاق من أعباء، وإن كان هذا لا يعفي الأزواج أنفسهم من المسؤولية طبعا.