جمعيات الجالية ” تحت مجهر الفساد “
نعود الى ملف الفساد، ولكن من زاوية أخرى هذه المرة، قيل الكثير في وعن الفساد والمفسدين، وكيف انه عدو للتنمية والتقدم والديمقراطية وحقوق الإنسان، وفي كل طرح عن الفساد لابد ان تكون هناك إشارة واضحة من جمعيات مغربية بأوروبا ، والتأكيد بانه لا غنى عن هذا الدور في مكافحة الفساد واعتباره ضرورة وطنية وأولوية يصعب تأجيلها.. حقاً، لسنا في حاجة الى الاستفاضة او اعادة انتاج الكلام عن ذلك الدور لمؤسسات المجتمع المدني، وأظن انه لا يخفى على احد ان الدول والمجتمعات تقاس بمدى قوة مؤسساتها المدنية، فكلما كانت فعالة وقوية كلما كانت الدولة اكثر استقرارًا وتطورا واكثر ديمقراطية، ولكن الحاجة تبدو ملحة للوقوف بسرعة وبجدية وحسم أمام ملف انخراط بعض هذه المؤسسات فيما يعد فساداً، وهي التي يفترض انها من مواطن العفة في المغرب، وهذا ملف يستحق ان يفتح على اوسع نطاق بجرأة ومن غير تردد، فكم هو صادم وباعث على أسى شديدين ما نسمعه او نتابعه او نلمسه من أحوال وأوضاع لبعض هذه الجمعيات التي أصابها ما أصابها من عوج نفذت منه أشكال شتى من الانحرافات التي تعنى أولاً وأخيراً ان هذه المؤسسات أصيبت بنقص المناعة ضد فيروسات الفساد..!! كم هو محزن قول ذلك، كما هو محزن ان نجد ان هناك القليل فقط من الإدراك لهذا الفساد يساهمون في الانحراف بسهراتهم ” الفنية” لكسب المال دون الالتفاتة الى مشاكل الجالية و همومها ، والأقل في المتابعة للخلل القائم في منظومة عمل ومسار الجمعيات المعنية، التي ربما أدت بعض الاعتبارات والحسابات او قصور إداري الى غض الطرف عنها، لذا لا يمكن للمرء أمام هذا الواقع وأمام جمعيات جديدة تضخ باستمرار الى الساحة ان يخفي شعوراً بأن ثمة غلطا واجب الرصد والمتابعة والتشخيص والمعالجة، وعندما يصل عدد الجمعيات وكل ما يندرج تحت مظلة مؤسسات المجتمع المدني خارج الوطن الى أكثر من 250 جمعية فقط في بلجيكا تعنى بشؤون الجالية، فان هذا يعني اننا أمام ملف يستحق ان يفتح على مصراعيه لنقاش عام يبحث واقع ودور هذه الجمعيات والمؤسسات وما اذا كانت تحقق أهدافها، وفي أعراض مرض الفساد في بعضها، وما قد يستدعيه ذلك من رؤية او جهد او مشروع يضع أمور هذه الجمعيات في نصابها الصحيح. هل يكفي نفض الغبار عن الصدأ الذي أكل إدارات بعض هذه الجمعيات، التي استبد بها شخص او قلة بالرأي والقرار، و«عشعشوا» فيها، ممسكين بزمام أمورها، بعد ان كرسوا الاستقطابات والشللية، وغيبوا او همشوا اي دور للجمعيات العمومية، هذا ان كان هناك بالفعل جمعيات للجالية بالمعنى الحقيقي، أليس هذا فساد..؟! أليس فساداً حين نجد جمعيات باتت حكراً على اسماء معينية، وبعضها اسس للوجه والرزة، وبعضها لتحقيق اجندات «تطبيلية»، انحرف بها بعض من يمسكون بدفتها عن مقاصدها وغاياتها، وجعلوها أما وسيلة للارتزاق او المجاملات التي خلفها شبهة استنفاع شخصي، او مجرد واجهة لهم في السر والعلن، هل ننسى بان ثمة جمعيات شكلت حتى ينصب لرئاستها فلان من الناس، ليكون له حضور في المشهد، مجرد حضور، وأي حضور، وبئس الحضور، جمعيات شكلت بطريقة غامضة، بلا برامج، بلا أهداف شفافة، وبلا دور واضح، وجمعيات تدعى انها ممسكة بكتاب الله والأحاديث الشريفة والسيرة النبوية، وسيرة الخلفاء والصحابة، ولكن تقتطع منها ماتشاء وتقتطف منا ماتريد دعماً لمآرب مصلحية او سياسية على النحو الذي شهدناه في الفترة الأخيرة كمثال ليس إلا، ماذا يعني ذلك ياترى، وماذا يعني انخراط هذه الجمعيات في تقديم سهرات الريع تحت غطاء مساعدات إنسانية او تحت مظلة صناديق خيرية لكسب ود الناخب لصالح مرشحي الجمعية، وماذا يعني حملات التخوين والتسقيط والتشويه والفبركات والافتراءات التي مارستها هذه الجمعيات لإسقاط من يخالفها او يتنافس معها، الأمثلة لاتحصي، والمخفى يبدو انه أعظم..!! لماذا الحديث عن فساد جمعيات الجالية ..؟!!، والسؤال بعبارة أخرى: ماهي مناسبة ودوافع وجدوى طرح هذا الموضوع من أساسه..؟، ولا بأس أيضاً من سؤال: اين الجهة التي يفترض انها معنية بالمتابعة والمراقبة والمساءلة ووضع حد لأي نوع من الانحراف في استقامة أمر القائمين على هذه الجمعيات..؟!، وهذا السؤال تحديداً موجه الى من يعنيه الأمر..! اما المناسبة، لعلها تلك الاعداد الهائلة من الجمعيات، وتلك الممارسات التي تشكل صفحة من صفحات النكد وتقليب المواجع، التي تقف وراءه جمعيات يفترض انها جمعيات نفع عام و تساعد مغاربة المهجر ، من دون ان نغفل ان شرفاء كثر لا يزالون قابعين على الجمر، ويستعصون على الجنوح، ويشكلون نماذج تحتذى، وهذا ان كان يعني اننا نتجنب التعميم، فانه بالقدر ذاتها يعني دعوة الى لفت الانتباه الى اهمية فتح هذا الملف بكل جرأة، وقبل ذلك يعني دعوة الى الاتفاق على ان ثمة انحراف في بعض الجمعيات مغربية خارج الوطن ، آن له ان يعالج وبحسم، ولا يفوتنا ونحن نقلب في هذا الملف الذي يحتمل اسئلة حساسة يتهامس بها الناس، من التأكيد بان اي عمل يصبو نحو التغيير وليس فيه خطوات فعلية تدفع الى إصلاح حال مؤسسات مجتمعنا المدني، وتقويها وتنهض بها، وتزيل المعوقات والقيود التى تكبلها، سيكون عملاً عبثياً بامتياز..!!