تصعيد البوليساريو في الصحراء المغربية.. أزمة لا يجدي معها الحياد
تهديد لأمن المغرب والبحر المتوسط وأمن أفريقيا وأوروبا أيضا، وتشجيع الجزائر وغموض الموقف الدولي يشجعان الانفصاليين.
من المسيرة الخضراء إلى إعلان العيون.. حكمة المغرب وسلميته تتفوقان
تتعامل الحكومة المغربية مع تحركات قوات جبهة البوليساريو داخل المنطقة العازلة بصفتها تطورا خطيرا يخترق قواعد الستاتيكو الذي فرضته اتفاقات وقف إطلاق النار لعام 1991.
ويكشف رد فعل المغرب على عمليات التوغل في هذه المنطقة عن معطيات تملكها الرباط ترتبط بحجم هذه التحركات وتوقيتها ومراميها وأجنداتها التي تتجاوز مسألة النزاع حول الصحراء المغربية.
وقبل أيام، اتهم المغرب جبهة البوليساريو بنقل مراكز عسكرية (خيام وآليات) من مخيمات تندوف في الجزائر إلى شرق الجدار الأمني الدفاعي (منطقة عازلة على الحدود الشرقية للصحراء تنتشر فيها قوات أممية).
واعتبر الخطوة “عملا مؤديا للحرب”، و”خرقا لاتفاق وقف إطلاق النار”، يستهدف “تغيير المعطيات والوضع القانوني والتاريخي على الأرض”، وفرض واقع جديد على المغرب.
يعكس التحرك المغربي صوب الأمم المتحدة كما استنفار الأجهزة العسكرية المغربية في المنطقة إدراكا في الرباط بأن هناك من يريد تفجير الوضع في المنطقة.
تعد التطورات الأخيرة في منطقة الصحراء المغربية ومساعي جبهة البوليساريو لاختراق المنطقة العازلة شرق الجدار الدفاعي المغربي بمثابة إعلان حرب ضد المغرب، وتجاوزا للقانون الدولي الذي يضع أطر التعامل مع مثل هذه المناطق، لكن، إذا قبلت الأمم المتحدة، المنوط بها متابعة تطبيق القوانين الدولية، بهذا الخرق، فإن المغرب لن يرضى بأي تجاوز يهدد أمنه القومي ويمس من قضيته الجوهرية. ومع ذلك، سيبقى تحرك المغرب ضمن الإطار السلمي وفي حدود الأعراف والأطر الدولية، وفي ذلك أكبر رد على محاولات البوليساريو والجزائر لاستفزاز المغرب، لكن حكمة المغرب تتقدم، وهو الذي سبق أن استرجع الصحراء المغربية من المحتل الإسباني عبر المسيرة الخضراء. واليوم، يواجه محاولات الانفصاليين من خلال مشروع الحكم الذاتي الموسع المقترح منذ 2007 والذي يزداد عدد المؤيدين له على المستوى الدولي يوميا، ويعتبرونه قاعدة ومنطلقا جديا في أفق حل متفاوض عليه
وتتهم الأوساط المغربية الجزائر باستخدام جبهة البوليساريو كأداة من أدوات السياسة الخارجية ضد المغرب، وتعتبر أن تحركات البوليساريو ما هي إلا عبث تمارسه الجزائر في المنطقة لأسباب تتعلق بخطط الجزائر لإدامة التوتر مع المغرب، وبالسعي للتغطية على الأزمات السياسية والمالية والاقتصادية التي يعاني منها الداخل الجزائري.
وتكرر الجزائر أن لا علاقة لها بمسألة الصحراء وأن النزاع يجري بين المغرب وجبهة البوليساريو وأن موقفها يقتصر على دعم حق الصحراويين في تقرير مصيرهم.
بيد أن المراقبين يؤكدون أن “قضية” الصحراء هي قضية مصطنعة ومفتعلة وافتضح ذلك من انشقاق المؤسسين الأوائل لجبهة البوليساريو عن التنظيم بعد انكشاف حقيقة كونه بيدقا في يد الأجهزة الأمنية الجزائرية.
ويضيف هؤلاء أن تحركات البوليساريو الأخيرة تندرج داخل خطط جزائرية لإعادة تسخين هذا الملف ميدانيا بعد الإنجازات المتقدمة التي حققتها الرباط داخل المحافل الدولية والعواصم الكبرى حول هذا الملف.
وتؤكد مصادر دبلوماسية فرنسية أن معلومات باريس تفيد عن جدل داخل أروقة السلطة في الجزائر حول مستقبل النظام السياسي وسط تململ شعبي بات علنيا من تفاقم ظواهر الفساد والمحسوبية وغياب الشفافية، ناهيك عن ضبط وسائل التعبير والتعامل البوليسي مع مظاهر الاحتجاج.
وترى هذه المصادر أن حراك البوليساريو في المنطقة العازلة في الصحراء المغربية يندرجُ ضمن المشهد الجزائري بصفته استفزازا يروم استدراج المغرب إلى توتر عسكري قد يصل إلى حد الصدام.
وتلفت المصادر إلى أن النظام الجزائري يسعى إلى شدّ أنظار الداخل الجزائري صوب قضية خارجية يعتقد أن بإمكانه أن يجذب العامة والنخب نحوها.
وتحذر أوساط دولية مراقبة لمنطقة شمال أفريقيا من مغبة العبث الجزائري في المنطقة. وتقول إن اللعب بالأمن والاستقرار في هذه المنطقة سيرفع من منسوب الفوضى ويطلق العنان لجماعات المافيا والإرهاب للتحرك بسهولة، ما يضيف أبعادا جديدة على جهود المجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب، كما يشتت الجهود الدولية لوقف الفوضى الإقليمية التي تسببها الأزمة في ليبيا، كما يعيد إنعاش جماعات جهادية تابعة لداعش والقاعدة جرت محاصرتها منذ العملية الفرنسية في مالي.
ويذهب بعض الخبراء الفرنسيين المتخصصين في الشأن الجزائري إلى التحذير من أن العسكرة المفاجئة لأزمة الصحراء المغربية ستوفر مناسبة للقوى العسكرية الجزائرية للتحرك والمناورة، ما يرجح كفتها داخل الصراع البيتي الجزائري.
ويعوّل هؤلاء على حكمة المغرب في مقاربة الأزمة كما على تحرك العواصم الأوروبية والأفريقية إضافة إلى الأمم المتحدة لسحب فتيل الانفجار.
وتكشف المداولات العلنية الجارية حاليا في المغرب عن جانبين: يعكس الجانب الأول إدراكا كاملا لمحاولات الاستدراج التي تقوم بها جبهة البوليساريو بدفع من الجزائر للمغرب نحو صدام عسكري ينقل الصراع من وجوهه الدبلوماسية التقليدية إلى مستويات أخرى تختلط فيها الأوراق.
ويعكس الجانب الثاني تصميما مغربيا رسميا وشعبيا على الوقوف صفا واحدا في مواجهة التطور الجديد ورفع الأمر إلى مصاف القضايا الوطنية التي لا تحتمل أي تردد. ويعتبر المراقبون أن الرباط، رغم سعيها لتجنب الحرب، إلا أن هذا الخيار يبقى واردا دفاعا عن مغربية الصحراء والوحدة الترابية.
واعتبر الباحث المغربي وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة (شرق)، خالد شيات، أن التطورات الأخيرة في منطقة الصحراء”بمثابة إعلان حرب ضد بلاده”.
وقال إن “الموقف الذي أعلن عنه المغرب “طبيعي جدا”. ولفت إلى أن “عدم تعامل الأمم المتحدة مع هذا الوضع هو في حد ذاته تعزيز وتمكين لهذه الجبهة من هذه الإمكانيات الإستراتيجية وهذا لا يدخل ضمن دورها في مراقبة وقف إطلاق النار”، مشددا على أن تحركات الجبهة نحو المنطقة العازلة “تعد إخلالا بالاتفاقية التي وقعت بين المغرب والبوليساريو في إطار الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار”، وأن “عدم احترام طرف لالتزاماته الدولية يلزم الأطراف الأخرى بعدم احترامها وهو مبدأ منصوص عليه في القانون الدولي”.
الفخاخ التي تنصبها الجزائر للمغرب ستتسبب بانقلاب على النظام الجزائري من قبل المجتمع الدولي منعا لاندلاع فوضى جديدة
وتقول بعض المراجع الأفريقية إن عواصم المنطقة كما عواصم العالم تدرك الأجندة الجزائرية التاريخية لمسألة الصحراء ولحراك جبهة البوليساريو، لكنها ارتضت اتخاذ مواقف محايدة حفاظا على علاقاتها مع الرباط كما مع الجزائر.
وتضيف المراجع أن تحركات البوليساريو الجديدة هي من الخطورة من حيث تهديدها لأمن البحر المتوسط وأمن أفريقيا وأوروبا بحيث لن يكون من الجائز البقاء على هذا الحياد.
وتعتبر هذه المراجع أن الفخاخ التي تنصبها الجزائر للمغرب ستتسبب بانقلاب على النظام الجزائري من قبل المجتمع الدولي منعا لاندلاع فوضى جديدة تهدد بانفجارات جديدة في المنطقة.
وعن أسباب هذا التطور الذي وصفه المغرب بأنه “جدي وخطير للغاية”، قال شيات “قد تكون هذه التحركات نتيجة مجموعة وقائع حدثت مؤخرا وقرأتها البوليساريو والجزائر قراءة خاطئة أو سليمة على كل حال”.
وتابع “من تلك الوقائع تعيين جون بولتون مستشارا جديدا للأمن القومي الأميركي (تقول تقارير إعلامية إنه يدعم البوليساريو)، وزيارة السفير الأميركي بالجزائر جون ديدروشر لمخيمات تندوف (أواخر مارس الماضي)”.
وأوضح أن “موقف واشنطن غير واضح في هذا الملف”، وأنها “تعطي إشارات متناقضة، وقد يكون من بين أسباب هذا الموقف الضغط على المغرب في ما يتعلق بترشيحه لتنظيم كأس العالم 2026”. وخلال أغسطس 2017، تقدم المغرب رسميا لدى “الفيفا” بطلب استضافة كأس العالم 2026.
وتكشف بعض المعلومات أن العواصم الغربية الكبرى، لا سيما فرنسا والولايات المتحدة، بدأت تدرك أن أزمة النظام الجزائري التي تقف وراء تصعيد الصحراء باتت تتطلب اهتماما دوليا ينهي حالة الغموض وعدم اليقين المرتبطة بمسار ومصير السلطة في البلاد، معتبرة أن الأمن الدولي لا يحتمل هذا العبث.