إعلان العيون.. هل وصلت الرسالة؟
إعلان العيون وسيلفي باريس سيعممان روح التعبئة داخليا وخارجيا حول قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية، باعتبارها مفصلا وجوديا.
قوة المغرب في وحدته وكيفية صناعة تحالفاته
يوم حافل سيدخل تاريخ الأحداث المميزة بالمغرب عندما يتحدث من سيأتي بعدنا عن لحظة بارزة اجتمع فيها أقطاب السياسة وشيوخ الصحراء ومنتخبوها على كلمة واحدة جامعة فاصلة؛ الصحراء مغربية ولا لتقسيم التراب المغربي.
كل زعماء الأحزاب السياسية المغربية تركوا خصوماتهم وأيديولوجياتهم ومرجعياتهم ومصالحهم الآنية الضيقة بالرباط، ووقّعوا بيان الوحدة بالعيون عاصمة الصحراء.
بيان من أربع عشرة نقطة كان خيطها الناظم لاءات كثيرة لمن يمارس تهديده في السر والعلن لوحدة المغرب واستقراره. وهو إقرار واضح بأن التعبئة الوطنية حاضرة وألا شيء يعلو على حماية وحدة الوطن الذي يجمع كل مكوناته تحت سقف واحد.
كان يوم الاثنين 9 أبريل فاصلا وحاسما وغنيا بالعبر؛ تلك الأحزاب التي مارست السياسة بمنطقها الضيق، ودافعت عن بقائها داخل البرلمان ولو بشراء الأصوات أو استخدام الدين مطية أو استعداء بعضها لتواجد الآخر، واستذئاب البعض الآخر حتى على المواطن وقوته اليومي، تلك الأحزاب التي مارست اللعبة السياسية بمنطق المغالبة بإفراط فاضح، لم يسعها في هذه اللحظة الحقيقية من تاريخ المغرب إلا أن تضع يدها في يد البعض للدفاع عن هذا الحيز الجغرافي والثقافي والروحي والهوياتي الذي يجمعها معا.
لقد راهن خصوم المغرب على أن المواطن المقهور جراء الزيادات في المواد الغذائية وفواتير الماء والكهرباء، ومعاناته اليومية مع إكراهات المعيش اليومي أو ضغوطات التكيف مع المستجد في الصحة وتعليم الأبناء وأكلهم وملبسهم والتفكير المستمر في مستقبلهم، سيستقيل من وطنه ويتكئ على حائط اللامبالاة، وسيترك أرضه نهبا لذئاب تحوم حوله لافتراسه قطعة قطعة.
رهان خاسر بلا شك، إذ الوطن ليس فندقا نقيم فيه يومين ثم نترك غرفه للآخر القادم من بلد بعيد.
عندما أحس المغرب ورأى وعاين أن جبهة البوليساريو ومن يدفع بها إلى اختراق المنطقة التي تسمى عازلة شرق وجنوب الصحراء، لم يجد بدا من ممارسة حقه المشروع في الدفاع عن ترابه وعن أمنه القومي.
لذلك اجتمع كل زعماء الأحزاب المغربية وشيوخ القبائل الصحراوية ووقعوا على وثيقة تشدد على أن من يخترق تراب المملكة سيحترق بلهيب إجماعها الوطني الشعبي والرسمي.
بعد الإجماع الوطني على كلمة سواء في العيون، جاءت صورة العاهل المغربي مساء ذات اليوم الاثنين مع كل من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري لتؤكد، من العاصمة باريس، ولتشير إلى أن كل المعادلات الجيوسياسية التي تهم البلدان الثلاثة في اتساق تام مع الترتيبات التي تندرج في إطار الرد الاستراتيجي والتكتيكي على مخرجات تلك المعادلات.
عندما أحس المغرب ورأى وعاين أن جبهة البوليساريو ومن يدفع بها إلى اختراق المنطقة التي تسمى عازلة شرق وجنوب الصحراء، لم يجد بدا من ممارسة حقه المشروع في الدفاع عن ترابه وعن أمنه القومي
فما يحاك ضد هذه الدول الثلاث بشكل خاص ليس بالهين ولا يجب التغاضي عنه بالتحليل والمتابعة.
جاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى العاصمة الفرنسية بعد رحلة طويلة قادته إلى كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية في محاولة فعالة وجادة لتدبير مستقبل بلاده اقتصاديا وعسكريا وتكنولوجيا، فالتقى مع العاهل المغربي الملك محمد السادس لتبديد شكوك حامت حول علاقات البلدين بعد أزمة الخليج، ومنحى الحياد الإيجابي الذي سلكه المغرب تجاه حلفائه بالخليج العربي.
سيلفي واحد جمع ثلاث قيادات قامت به كاميرا هاتف ذكي ونشر بموقع تويتر يتابعه المشارقة بكثرة، هو بمثابة إعلان باريس بين المغرب والسعودية ولبنان أدى المهمة بجدارة محققا بذلك دورا اتصاليا وثقافيا وسياسيا وحضاريا لم تكن لتؤديه ألف كلمة في عشرة بيانات رسمية.
أما إعلان العيون الموجه بشكل خاص لداعمي أطروحة بوليساريو الانفصالية، فهو بمثابة ثلاثة إنذارات متتالية؛ إنذار جغرافي يؤكد أن المغرب قادر على التحرك بقوة وفعالية من مركز ميداني يدّعي الخصوم أنه محتل ويحتاج إلى تحرير، وإنذار سياسي يمزق أساس أطروحة الانفصال عندما يجتمع شيوخ الصحراء ومجتمعها المدني مع رؤساء أحزاب في قاعة واحدة للتوقيع على إعلان الوحدة، وإنذار عسكري تعززه التعبئة الشعبية والرسمية للدفاع عن حدود وسيادة الوطن ضد عبث الانفصاليين ومن والاهم ودعمهم.
وعوض أن تلزم الجزائر حدودها السياسية والجغرافية وتستوعب ما حصل بالعيون من إجماع حول وحدة المغرب من شماله إلى جنوبه ومن غربه إلى شرقه، جاء ردها على لسان رئيس المجلس الشعبي الوطني الجزائري، السعيد بوحجة، بقوله الاثنين إن “موقف الجزائر ثابت تجاه أشقائنا الصحراويين الذين يكافحون منذ عقود لتقرير مصيرهم وعدالة قضيتهم التي تعد قضية تصفية استعمار شرعتها كل المواثيق والأعراف الدولية”.
قوة المغرب في وحدته وكيفية صناعة تحالفاته والحفاظ عليها وتقويتها وتنويعها، لهذا كان إعلان العيون عنوان المرحلة، ولعل أدواره الكبرى في عدة ملفات تخص الأمن والهجرة والتجارة والاقتصاد
وهنا نقول إن الحقيقة التي ينبغي الوقوف عندها هي أن الحرب ليست فسحة ولم تكن كذلك يوما، لكنها من الضرورات القصوى التي تلجأ إليها الشعوب والأمم للدفاع عن وجودها وأمنها وتكون في بعض اللحظات بمثابة العملية الجراحية الخطيرة التي تتطلب مهارات من نوع خاص لإنجاحها.
لذا نجد أن إعلان العيون أداة من أدوات الدفاع والهجوم المغربي في آن واحد، سياسيا ودبلوماسيا وتعبويا، وطاقة إنسانية تمثلت في مناشدة الموقّعين عليه المنتظم الدولي بأن يعمل على جعل حد لمعاناة إخواننا المحتجزين بمخيمات لحمادة بعيدا عن أرضهم وأهلهم في ظروف مأساوية.
امتحان القوة العسكرية والحنكة الدبلوماسية والفرصة التنموية كلها كانت عناصر حاضرة في إعلان العيون، ولا يمكن فصل تلك العناصر عن بعضها البعض، كما يمكن إدراج سيلفي القادة الثلاثة في إطار دبلوماسية تشير إلى أن الملك محمد السادس، بصفته قائدا للقوات المسلحة الملكية المغربية، يتعاطى مع هذه اللحظة الدقيقة من تاريخ المغرب والمنطقة بميزان الحكمة التي تقتضي التشاور مع شركاء بلاده وحلفائه.
قوة المغرب في وحدته وكيفية صناعة تحالفاته والحفاظ عليها وتقويتها وتنويعها، لهذا كان إعلان العيون عنوان المرحلة، ولعل أدواره الكبرى في عدة ملفات تخص الأمن والهجرة والتجارة والاقتصاد قاريا وجهويا ودوليا تمنحه أفضلية جيواستراتيجية لا يستهان بها للدفاع بفاعلية عن أرضه وحدوده.
إعلان العيون وسيلفي باريس سيعممان روح التعبئة داخليا وخارجيا حول قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية، باعتبارها مفصلا وجوديا.