العراق بعد 15 عاما من الغزو الأميركي.. لا أحد يفكر في الشعب
سياسة الولايات المتحدة لم تكن ناجحة منذ الغزو الأميركي للعراق، حيث كانت لديهم خطة لإسقاط النظام لكن لم تكن لديهم خطة لتطبيقها ما بعد صدام.
سقط نظام صدام وجاءت إيران والإرهاب والطائفية
في 20 مارس 2003 بدأت أولى الغارات الأميركية، ويوم 9 أبريل 2003، سقطت بغداد؛ ثلاثة أسابيع تفصل بين الحدثين، كانت كافية بالنسبة إلى الأميركيين لإنهاء نظام صدام حسين، لكن سبقت هذه الأسابيع القليلة سنوات طويلة من التحضير، منها سنوات الحصار الذي دمّر حياة العراقيين الذين حرموا من الغذاء والدواء، فضلا عن كل وسائل التقدم والتكنولوجيا التي وصل إليها العالم في حقبة التسعينات من القرن الماضي. هيّأ الحصار الأرضية لما حدث خلال تلك الأسابيع الثلاثة، لينتهي رسميا بسقوط نظام حزب البعث العربي الاشتراكي سنة 2003. وتم التذرّع بالوجود المزعوم لأسلحة الدمار الشامل الكيميائية أو النووية أو البيولوجية في العراق بغرض تبرير التدخل العسكري الأميركي، لكن لم يتم العثور على أي شيء منها. ليجد العراقيون أنفسهم اليوم بعد 15 سنة من الغزو الأميركي وقد تغيّرت حياتهم وتلاشت أحلامهم.
غمرت السعادة أبوعلي الرجل الستيني على غرار غالبية العراقيين بـ”رحيل الطاغية” صدام حسين عقب الغزو الأميركي للبلاد في العام 2003، والذي رآه أملا في عيش رغيد لكنه تحول إلى كابوس دام خطف ثلاثة من أولاده.
وبعد سقوط نظام صدام حسين، الذي حكم البلاد لأكثر من 25 عاما، دخل العراق في دوامة عنف طائفي بلغت ذروتها بين عامي 2006 و2008، أعقبها بروز التنظيمات الجهادية والعمليات الانتحارية، مما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين. وأنتج النزاع انقسامات داخل المجتمع لم تنته بسبب غياب المصالحة الوطنية الحقيقية وانعدام الاستقرار، خصوصا الاقتصادي، في البلاد.
ويتذكر أبوعلي، وهو سائق سيارة أجرة، الفاجعة التي لحقت بعائلته بعدما قتل ابنه علي (18 عاما) أمام متجره لبيع البطيخ في حي الكرادة وسط بغداد بانفجار سيارة مفخخة في يوليو 2007، قبل أربعة أيام من موعد زواجه.
وبعد ست سنوات، يحكي الستيني بحسرة عن مقتل ولديه الآخرين علاء (23 عاما) وعباس (17 عاما) بالطريقة نفسها وفي المكان نفسه. ويقول أبوعلي، بكوفيته البيضاء وعباءته العاجية وعيناه تغرورقان بالدموع “لم أنقطع عن زيارة قبورهم، كل أسبوع أو عشرة أيام، هناك أشعر وكأنهم أحياء يجلسون حولي”.
ويرى هذا الرجل الذي حفر القهر تجاعيد عميقة على وجهه أن “الوضع في العراق لا يبشّر بالخير. لا أحد يفكر بالشعب، كل طرف وحزب يبحث عن كراسيه”. ويؤيده، بنفس الحسرة، قيس الشرع (42 عاما) الذي يشيح ببصره يبحث عن شيء من ذلك الماضي، ليتذكر قائلا “صدام كان رجلا قويا، كان يسيطر على كل شيء ويخيف العالم كله بأسلحته الكيميائية”.
يوم سقوط بغداد
يقول الشرع، الذي يملك صالون حلاقة للرجال كان الأشهر في ساحة الفردوس وسط بغداد، حيث كان تمثال ضخم من البرونز لصدام حسين.
وفي السابع من أبريل 2003، توغلت القوات الأميركية بشكل مذهل حتى مركز السلطات وسيطرت على ثلاثة من القصور الرئاسية في بغداد. ويوم التاسع من أبريل وصلت الدبابات الأميركية والمركبات المدرعة إلى وسط العاصمة في ساحة الفردوس أمام فندق فلسطين، حيث كانت وسائل الإعلام الدولية.
وفي ذلك اليوم، فضل الشرع مغادرة مكان عمله ومتابعة الأحداث عبر شاشة التلفزيون في منزله، من بينها تلك التي تظهر قيام جنود أميركيين بإسقاط تمثال صدام بعد وضع سلسلة معدنية حوله، بحضور مواطنين صدموا من المشهد غير المتوقع حينها.
وتم اقتلاع تمثال صدام حسين الشهير من قاعدته بواسطة عربة مدرعة أميركية قبل أن يدوسه بعض العراقيين الذين حضروا المشهد. كان السكان خائفين من عودة صدام حسين لتسلم مقاليد السلطة مجددا كما حدث بعد حرب الخليج عام 1991 إثر القضاء على التمرد الشيعي في الجنوب. وغضت القوات الأميركية النظر عن أعمال نهب على نطاق واسع، ما ساهم في إغراق البلاد في فوضى عارمة.
لكن، اليوم يقول الشرع “العراق سقط يوم سقط التمثال” الذي كان يتوسط الساحة التي باتت اليوم مهملة ترمى فيها أنقاض بناء ومحاطة بألواح معدنية. وعلى غرار معظم الشباب، اعتقد الشرع الذي كان في السابعة والعشرين من عمره آنذاك أنه “ستفتح المراقص والمطاعم وسنتمكن من السفر حول العالم”.
لكن الحال لم تكن كذلك، للعامة كما للأحزاب السياسية، التي كانت تتطلع لعراق مختلف ديمقراطيا وتعدديا. سقط نظام صدام حسين، لكن حلت محل صوره في كبرى شوارع العراق صور المرشد الأعلى في إيران آية الله خامئني، وقلب نظام المحاصصة وضع “الأقلية” الحاكمة السنية بـ”الأغلبية” الشيعية، وتغيرت التركيبة الديموغرافية لبعض أهم المحافظات، ويبقى الإرهاب النتيجة الأخطر للغزو، والذي قاد إلى أهم تحد يواجهه العراق اليوم وهو ميليشيات الحشد الشعبي.
ويقول السياسي الكردي المستقل محمود عثمان (80 عاما) الذي كان عضوا في مجلس الحكم (أول قيادة سياسية عراقية بعد سقوط النظام السابق)، إن “الأميركيين كانت لديهم خطة لإسقاط نظام صدام، لكن لم تكن لديهم خطة لتطبيقها بعد صدام”. يؤكد عثمان أن “نظام صدام حسين كان (..) كابوسا لكن سياسة الولايات المتحدة لم تكن ناجحة منذ البداية”.
خطوة إلى الأمام، خمس إلى الخلف
أدى قرار الحاكم المدني بول بريمر، الذي تولى حكم العراق بعد سقوط صدام حسين، بحل الجيش وقوات الأمن التابعة للنظام السابق، وما أعقبه من قرارات حكومية بينها قانون “اجتثاث البعث”، إلى خلق فراغ أمني أنتج انتشارا للسلاح وبروز جماعات مسلحة وتصاعد العنف الطائفي في البلاد.
انقسامات المجتمع لم تنته بسبب غياب المصالحة الوطنية الحقيقية وانعدام الاستقرار، خصوصا الاقتصادي، في البلاد
ويقول القيادي في حزب غوران (التغيير) الكردي رؤوف عثمان معروف “كنا نتوقع بعد صدام، نظاما وطنيا ومجلس نواب بعيد عن الطائفية (..) للأسف ظهرت التوجهات الطائفية والشوفينية”.
وتعرضت كل مؤسسات البلاد إلى الضرر خلال السنوات الماضية، بحسب عبدالسلام السامر، الأستاذ المحاضر في كلية الإعلام بجامعة منذ 28 عاما. ويقول السامر “كنا نأمل بأن يحصل تغيير في التعليم العالي” بعد انتهاء البعث وكف يده التي كانت تسيطر على عقول الأجيال. لكن الوضع في العراق تدهور، كما يضيف الأستاذ الجامعي (58 عاما) الذي فقد زميلا له في هجوم مسلح العام 2006.
ودفعت الأقليات الدينية الثمن الأكبر في تلك المرحلة، وفق ما يؤكده ممثلوها. ويشير بطريرك الكلدان في العراق والعالم لويس ساكو إلى أن “بلدنا غدا بلد نكبات منذ 15 عاما”. ويلخص الشرع الوضع العام للعراق بالقول إن البلد “يتقدم خطوة إلى الأمام ويتراجع خمس خطوات إلى الخلف”.