إسرائيل تبقي على نهجها القمعي في مواجهة “جمعة الكاوتشوك”
مراقبون يرون أن استخدام القوة ضد المتظاهرين لن يساهم سوى في زيادة تأجيج الأوضاع.
يتحدون الموت
تجددت المواجهات الجمعة بين الآلاف من المتظاهرين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية قرب السياج الحدودي الفاصل بين إسرائيل وقطاع غزة، موقعة 8 قتلى وأكثر من 1070 جريحا فلسطينيا بعضهم حالتهم حرجة، وذلك بعد أسبوع من مقتل نحو 20 فلسطينيا برصاص الجيش الإسرائيلي في أكثر الأيام دموية منذ حرب 2014.
وكان الآلاف من المتظاهرين الفلسطينيين قد احتشدوا على بعد عشرات الأمتار من السياج الحدودي وأشعلوا المئات من إطارات السيارات، في محاولة للتشويش على الجيش الإسرائيلي، بيد أن ذلك لم يثنه عن إطلاق الرصاص الحي والعشرات من قنابل الغاز المسيل للدموع، وفتح خراطيم المياه العادمة على المتظاهرين.
وقتل الجيش الإسرائيلي كلا من محمد سعيد موسى الحاج صالح (33 عاما)، ومجدي رمضان شبات (38 عاما)، وأسامة خميس قديح (38 عاما) وحسين محمد ماضي (16 عاما)، وصدقي فرج أبو عطيوي (45 عاما)، إبراهيم العر (20 عاما)، فيما توفي ثائر محمد رابعة (30 عاما)، متأثرا بجروح أصيب بها الجمعة الماضي 30 مارس.
وذكرت وزارة الصحة الفلسطينية أن عدد الجرحى الذين أصيبوا بالرصاص والاختناق جراء استنشاق الغاز المسيل للدموع، بلغ أكثر من 1070 شخصا. وأوضحت الوزارة أن الطواقم الطبية “تعاملت مع العشرات من المواطنين ميدانيا، في نقاط الإسعاف المقامة بالقرب من حدود قطاع غزة”.
وحذرت إسرائيل الخميس من أنها ستبقي على الأوامر التي أصدرتها إلى جنودها في 30 مارس بإطلاق النار في حال حصول استفزازات على الحدود مع قطاع غزة، رغم النداءات المتكررة لوقف هذا الأسلوب الوحشي المتعمد.
وطالب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إسرائيل بضمان عدم استخدام “القوة المفرطة” مع المحتجين الفلسطينيين عند الحدود العازلة شرق قطاع غزة.
وقالت المتحدثة باسم المكتب إليزابيث ثروسل في إفادة صحافية، إنه ينبغي عدم استخدام الأسلحة النارية إلا كملاذ أخير، وإن اللجوء غير المبرر لاستخدامها قد يصل إلى مستوى قتل المدنيين عمدا وانتهاك معاهدة جنيف الرابعة.
ضخامة عدد المشاركين في تحركات الجمعتين رغم مقتل 24 فلسطينيا تعكس في واقع الأمر حالة اليأس في قطاع غزة
وعدد المحتجين في “جمعة الكاوتشوك” (الإطارات) أكبر منه في الأيام الأخيرة وإن كان أقل مما كان عليه الجمعة الماضي، ويأتي هذا الحراك في إطار مسيرات “العودة الكبرى” لإحياء الذكرى الـ42 ليوم الأرض، والتي ستتواصل إلى يوم ذكرى النكبة التي تتزامن هذا العام مع تنفيذ قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس المقرر في منتصف مايو، الأمر الذي يثير مخاوف من تفجر الوضع في المنطقة.
ويرى مراقبون أن ضخامة عدد المشاركين في الاحتجاجات سواء الجمعة أو الجمعة الماضي رغم عدد القتلى الذين سقطوا (24 فلسطينيا مرشح إلى الارتفاع) تعكس في واقع الأمر حالة اليأس التي يعيشها الفلسطينيون جراء الحصار الخانق الذي يتعرضون له في غزة منذ نحو عقد والذي أثر بشكل كارثي على الوضع الاقتصادي والاجتماعي داخل القطاع.
وازداد وضع الغزيين سوءا مع القرارات العقابية للرئيس محمود عباس ضد حركة حماس التي تسيطر على القطاع منذ العام 2007، والتي انعكست بشكل واضح على حياة السكان.
واليوم يعاني أكثر من 40 بالمئة من سكان القطاع من بطالة لا أفق لحلها، الأمر الذي يدفعهم إلى حالة من اليأس يتساوى فيها الموت مع الحياة. وعلى الحدود الشرقية لمدينة خان يونس، وقف الشاب أحمد أبوغالي (20 عاما) متكئا على عكازه مشيرا إلى ضمادة كبيرة على بطنه نتيجة إصابته الجمعة الماضي، وقال “اليوم أنا سأكون شهيدا، سأدخل السياج الفاصل حتى لو كلفني ذلك حياتي”.
وتابع متباهيا بهروبه من المستشفى الخميس ليشارك في الاحتجاجات الجمعة، “في بطني أربعون غرزة جراحية لكني هربت من المستشفى لأحضر إلى هنا”.
وجلس أحمد الناقة (40 عاما) على تلة تقابلها تلة في الجانب الإسرائيلي وقف عليها عدد من الجنود الإسرائيليين بينما كانت جرافة عسكرية تجوب المكان قربهم.
وقال “نحن مستعدون للموت جميعا من أجل أرضنا وكرامتنا وعرضنا”. وبعدما أشار إلى أن اثنين من أشقائه قتلا في قصف إسرائيلي خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة في 2014، أكد الناقة “يجب أن نثور وننفجر حتى نتحرر، كفانا العيش في علبة سردين”.
وعلى الحدود الشرقية لمدينة غزة، قالت حنان حبيب (56 عاما) التي جلست على بعد نحو 300 متر من السياج الفاصل مع عدد من النساء “اليوم سنعبر الحدود باتجاه أراضينا”.
وتابعت وهي تشير إلى أبنائها وهم ينقلون إطارات السيارات بالقرب من السياج، “كل أولادي وبناتي وأحفادي جاؤوا، نريد أرضنا ونريد كسر الحصار، الوضع السيء هو الذي يدفع الناس للمجيء وللتضحية بحياتهم من أجل حياة كريمة”.
ويشير المراقبون إلى أن الأسلوب القمعي الذي تنتهجه إسرائيل ضد مسيرات “العودة” لن يزيد الوضع إلا تفجرا.
وبالتوازي مع التظاهرات في القطاع شهدت أنحاء مختلفة من الضفة الغربية تحركات احتجاجية مع إشعال إطارات سيارات في مساندة لـ”جمعة الكاوتشوك”، وقد أبدت وسائل إعلام إسرائيلية قلقا واضحا مما يحدث في الضفة، حيث أنها رأت أن حالة الغليان هناك لا تقل خطورة عن القطاع، وأنه لا بد من الالتفات إلى ما يحدث هناك.