زواج الأقارب بين الجالية المغربية : سبل النجاح والفشل
النظرة الحالية لزواج الأقارب بين أفراد الجالية المغربية في أغلبها سلبية استنادا إلى معطيات وآراء علمية بيّنت الآثار الجانبية المترتبة خاصة على الأطفال في ما بعد.
الاستقلالية التامة للزوجين شرط هام لنجاح زواج الاقارب
استشارني أحد الأصدقاء لأخذ رأيي في موضوع قديم متجدّد لطالما كان مثار جدل وأسال الكثير من الحبر، وهو زواج الأقارب بين الجالية المغربية ؛ أسبابه وتداعياته. وهو -حسب اعتقادي- موضوع إشكالي بالمعنى الفلسفي للمصطلح، وحجاجي بالمعنى المنهجي، لأنه لا وجود لموقف قطعي وموضوعي بخصوص هذا النوع من الزيجات.
كان زواج الأقارب يمثل الأصل في الزواج وقد فرضته العديد من العوامل الاجتماعية والثقافية والحضارية لعل أهمها المجتمعات القبلية المنغلقة التي لا تعرف من أشكال التواصل مع الآخرين سوى الحروب من أجل فرض السيطرة والهيمنة على الموارد المادية للعيش، فكانت العلاقات تقوم على الصراع المستمر.
و هناك عامل إقتصادي و هو الغاية من مغادرة البلاد للبحث عن عيشة أفضل في دول المهجر و كما يقول المثل ” القريب أولى ” و هو المشكل الذي تتخبط فيه الجالية المغربية حيث ليس من الضروري أن يكون الحب بين الشخصين قدر ما تكون المصلحة الشخصية ، مما يجعله زواجا محكوم عليه بالفشل من قبل أن يعقد القران .
أما العامل الثالث فهو بالتحديد يتعلق ببنية الأسر العنقودية الكبيرة وتركيبتها وطبيعة العلاقات التي تجمع أفرادها، حيث أن كل القرارات بيد شخص واحد، كبير العائلة وعائلها الأول، ومن بينها قرار الزواج، فهو الذي يعقده بكلمة لا إمكانية لنقاشها أو رفضها.
أما العامل الأخير فهو ثقافي يعود إلى طبيعة أنساق التفكير الاجتماعي التي ترى في القرابة الدموية والعشائرية أهمّ وسيلة لتحقيق الأمان النفسي والمادي للشخص ذكرا كان أو أنثى. فعْل التراكم عبر الزمن رسّخ البعض من المفاهيم التي اتخذت شكل الأقوال المأثورة على غرار “الذي تعرفه أفضل من الذي تجهله” و”ولد العم يفك من الجحفة” (ابن العمّ يخطف ابنة عمه من هودجها) و”قطرة دم خير من ألف صاحب”، وغيرها الكثير مما رسخ في الأذهان.
ومن هذا المنطلق فإن الدوافع لزواج الأقارب في أغلبها نفسية يمكن اختزالها في البحث عن الاطمئنان والسكينة، وفق منطق أن القرابة الدمويّة تُعدّ ضمانة لاستمرارية الزواج لأن الظروف المحيطة بالزوجين معلومة لكليهما.
النظرة الحالية لزواج الأقارب في أغلبها سلبية استنادا إلى معطيات وآراء علمية بيّنت الآثار الجانبية المترتبة خاصة على الأطفال في ما بعد، وكذلك من منطلق نتائج التجارب المتعددة والتي اتضح فشلها بنسب محترمة.
ولكن واقع التجارب في بلدان المهجر بالذات لم ينف أيضا وجود البعض من الإيجابيات تتمثل في اختصار المسافة للتقارب والتعارف، ولعلها من أبرز الأسباب لتواصل ظاهرة زواج الأقارب رغم الميل إلى الإقرار بفشلها. فعلاقة القرابة تمكّن طالبي الزواج من معرفة بعضهم البعض على مستوى الميولات النفسية والذهنية وطريقة التفكير والمواقف من مختلف المواضيع المطروحة، فيسهل التواصل بينهم، وتمّحي العقبات والعراقيل التي تنفّرهم من الزواج.
يظنّ أغلب من يدعمون هذا النوع من روابط الزواج أن الأقارب مهيئون لبناء أسر مستقبلية تحمل معها ضمانات نجاحها، فبالإضافة إلى المعرفة الجيّدة يقوم أفراد العائلة الموسّعة باحتضان العروسين نفسيا وماديا فييسّرون عليهما الحياة في بدايتها الأسرية، فكأنهم يحيطونهم بسياج من الأمن والأمان. هكذا يبدو الأمر في بدايته ولكنه يتغيّر وتتغيّر معه وجهات النظر والمواقف وينتهي الأمر في أغلب الأحيان إلى الندم.
الآثار السلبية لزواج الأقارب تنقسم إلى قسمين؛ أولهما يتعلق بصحة الأطفال، فالكثير منهم يولدون بعاهات وإعاقات ذهنية وعضوية تجعل حياتهم وحياة آبائهم جحيما مستعرا من المعاناة.
وثانيهما يتعلق بسوء العلاقات التي تتأزّم بين الزوجين وترخي بظلالها على العلاقات الأسرية الموسّعة خاصة وأن الأفراد تجمعهم علاقات دموية تحتم عليهم الامتثال لحدّ أدنى من الاحترام المتبادل.
المنطق يفترض أن تكون أسباب ودوافع زيجات الأقارب تساهم بقسط وافر في نجاحها لأن العلاقات مكشوفة لانكشاف أطرافها بحكم العشرة ووحدة الانتماء للمكان والزمان والمكونات الثقافية المتعددة والمستوى الاقتصادي. ولا ننسى أيضا أن لعلاقات الطفولة ببراءتها دورا في تمتين العلاقات عند الكبر لأن الأحلام الجميلة تنبني وتنمو عبر الزمن.
لماذا إذن تسوء علاقات الأقارب بسبب الزواج؟ لماذا ينقلب ما يفترض أنه يساهم في توطيد علاقات الزواج إلى عنصر أساسي في تأزيمها؟
أعتقد واستنادا إلى التجارب التي شهدناها في محيطنا العائلي والاجتماعي بدول المهجر أن من الأسباب الرئيسية لفشل زواج الأقارب أن العلاقات الزوجية لا تحافظ على استقلاليتها وسريتها، بحيث أن أي خلاف مهما كان نوعه ومهما كانت حدّته لا يبقى حكرا على الزوجين يعالجانه بمفردهما، بل يتدخل العديد من الأشخاص في المسألة ظنا منهم أنهم يمثلون طرفا فيها أو على الأقل يعتقدون أنهم المخولون لحلها بحكم علاقة الدم التي تجمعهم بالزوجين. و يغلب زواج المصلحة و الغرض في الحصول على وثائق الإقامة و عيشة أفضل في هذه العلاقات الأسرية ، مما يجعل خاتمتها في المحاكم .
من هنا تبدأ المشكلة في التعقيد وتختلف الآراء وزوايا النظر ويصير الخلاف الطبيعي في بدايته صراعا قائما على التصادم، ويأبى الجميع الاحتكام إلى منطق العقل والتعقل ثم التنازل من أجل تواصل الحياة الزوجية بسلاسة.
انطلاقا مما أسلفنا الذكر وبقطع النظر عن الارتدادات الصحية على الأبناء لا بد من دراسة متعمّقة لمآلات زواج الأقارب، ويمكن أن تنجح بشرط الاستقلالية التامة للزوجين وعدم السماح لأي طرف بأن يكون طرفا لا في إشكال معين ولا حتى مساهما في حله.