أرنو بلترام درس في الواجب وإنسانية تتحدى الإرهاب
شرطي فرنسي يضحي بنفسه لإنقاذ رهائن في هجوم تبناه داعش، مقدّما درسا في فكرة الإحساس بالواجب والتضحية.
مات بطلا
غطى خبر اللفتنانت كولونيل أرنو بلترام الذي بادل نفسه بإحدى الرهائن (امرأة) في هجوم على متجر بجنوب فرنسا على بقية تفاصيل الهجوم الذي تبناه تنظيم الدولة الإسلامية، مقدّما درسا في فكرة الإحساس بالواجب والتضحية، وفي خطوة بطولية لم يقرأ لها داعش وذئبه المنفرد الذي قام بالهجوم حسابا.
نجح بلترام في إقناع محتجز الرهائن بأن يحتجزه مقابل إطلاق سراح رهائن متجر تريب في جنوب فرنسا الجمعة. لكن، وبعد أن حل مكان امرأة من الرهائن أصابه المهاجم بعدة رصاصات وطعنات، وتوفي، السبت، وفق تأبين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “بطلا.. ضحى بحياته لإيقاف الإرهابي”.
وقال ماكرون إن اللفتنانت كولونيل الذي توفي عن عمر ناهز 45 عاما “أنقذ حياة الآخرين وشرَّف سلاحه وبلدنا”، مضيفا أنه “يستحق أن يحظى باحترام الأمة وحبها (…) لقد برهن عن بسالة وتفان لا مثيل لهما، وعن مهنية قوات الأمن”. وقال “لقد دفعنا منذ سنوات ثمن الدم لمعرفة خطورة التهديد الإرهابي”، معربا عن “تصميم مطلق” على مكافحة الإرهاب الذي كلف فرنسا 241 قتيلا والمئات من الجرحى في سنتي 2015 و2016.
وكتب وزير الداخلية الفرنسي جيرار كولومب على تويتر “مات في سبيل وطنه. فرنسا لن تنسى أبدا بطولته وشجاعته وتضحيته. أعبّر بقلب يملؤه الأسى عن وقوف البلد بأجمعه مع عائلته وأقربائه وزملائه”، مشيرا إلى أن ما قام به بلترام “عمل بطولي يعبر عن شيم رجال الدرك وعناصر الشرطة الذين يضعون أنفسهم في خدمة الأمة”.
أعلنت فرنسا السبت وفاة الضابط الذي أطلقت عليه ثلاث رصاصات بعد أن بادل نفسه بإحدى الرهائن في هجوم على متجر بجنوب غرب فرنسا الجمعة. وكان أرنو بلترام، الذي خدم في العراق، نقل إلى المستشفى وهو يصارع الموت بعد أن بادل نفسه بامرأة من الرهائن الذين احتجزهم المهاجم داخل المتجر في بلدة تريب. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “بتقديم نفسه كرهينة للإرهابي المتحصن داخل متجر تريب، أنقذ اللفتنانت كولونيل بلترام حياة رهينة مدنية وأبدى تضحية بالنفس وشجاعة فريدتين من نوعهما… توفي بطلا”.
وقال ماكرون إن بلترام كان أحد أفراد قوات المظلات وخدم في العراق عام 2005 كما عمل ضمن الحرس الجمهوري الخاص المسؤول عن حماية المكاتب في قصر الإليزيه في باريس. وعيّن ضابطا مساعدا في قيادة مجموعة الدرك في أود في الجنوب في 2017، وكان قائدا لوحدة أفرانش في الغرب حتى 2014، قبل أن يصبح مستشارا لدى الأمين العام لوزارة البيئة. ورقي إلى رتبة لفتنانت-كولونيل في 2016. وشارك مؤخرا في ديسمبر في تدريبات في كركاسون حول كيفية التعامل مع إطلاق نار داخل متجر.
وبوفاة الضابط بلترام ارتفع عدد قتلى الهجمات إلى أربعة، والتي خلفت كذلك 15 جريحا، كما قتل منفذ الهجوم الذي أعلن انتماءه إلى تنظيم الدولة الإسلامية الذي تبنى لاحقا الهجمات.
ووفقا لبيان الحكومة الفرنسية، نفذ لقديم، الذي كان يحمل سلاحا ناريا وسكينا هجماته على ثلاث مراحل، بدءا من سرقة سيارة في كاركاسون بعد قتل راكب وإصابة السائق بجروح خطيرة. ثم في مكان غير بعيد أطلق النار على شرطي خارج دوام عمله حين كان عائدا من الجري مع عدد من زملائه. ثم دخل متجرا في تريب على بعد نحو 10 كلم من كاركاسون حيث احتجز رهائن وقتل شخصين.
وكان بلترام ضمن فريق من الضباط الذين كانوا أول من وصل إلى مكان المتجر وكان فيه نحو خمسين شخصا، وقتل المهاجم موظفا وأحد الزبائن، فيما تمكّن معظم من كانوا بداخله من الفرار بعد أن لاذوا بغرفة تبريد ثم فروا عبر مخرج للطوارئ.
ومع تطور الوضع، عرض بلترام أن يبادل نفسه برهينة كان المهاجم يحتجزها وبعد أن أخذ مكانها ترك هاتفه المحمول على منضدة مفتوحا فأتاح لزملائه معرفة ما يجري في داخل المتجر. وفي الساعة 14.20 فتح لقديم النار على الضابط وطعنه عدة طعنات فأصابه بجروح خطيرة. وعندما سُمع دوي إطلاق الرصاص اقتحمت قوات من النخبة المبنى وقتلت المهاجم. وأصيب عسكريان بجروح خلال المداهمة.
وذكر المدعي العام الفرنسي أن المهاجم معروف لدى السلطات باتجاره في المخدرات وارتكابه جنحا، وكان تحت مراقبة أجهزة الأمن في 2016 و2017 لصلته بحركة سلفية متطرفة، ونقل عن شهود عيان أن المهاجم قال إنه يريد “الموت من أجل سوريا” ودعا إلى “تحرير إخوته”، وسمى تحديدا صلاح عبدالسلام الوحيد الذي لا يزال حيا من بين منفذي اعتداءات 13 نونبر، والمسجون قرب باريس.
وأعلن مولانس أن المهاجم كان مصنفا في فئة “إس” منذ العام 2014، وهو الحرف الأول من تعبير “أمن الدولة”، بسبب علاقاته بـ“التيارات السلفية”. وأضاف أن العشرات من المحققين يتابعون القضية، موضحا أن الاستخبارات فتحت ملفا للمنفذ منذ 2014، بسبب “ارتباطه بالتيار السلفي”.
وحكم على لقديم قبل ذلك في مايو 2011 بالسجن لمدة شهر مع وقف التنفيذ “لحمل سلاح ممنوع”. ثم قضى شهرا في السجن في أغسطس 2016 بعد إدانته بتعاطي المخدرات.
وكان هذا الفرنسي من أصل مغربي يعيش مع أسرته في حي أوزانام الشعبي الواقع على بعد المئات من الأمتار من مدينة كاركاسون وعلى مقربة من ثكنة للشرطة؛ وهو من مواليد 1992 في تازا في المغرب.
وخلال عملية أخذ الرهائن اتصل بوالدته التي سارعت إلى إبلاغ شقيقاته اللواتي سارعن إلى المكان، حسب مصدر مقرب من التحقيق.
وبعد اللغط الذي أثير حول سوابقه، أكد النائب العام أن أجهزة الاستخبارات كانت تراقبه، وقال مولانس إنه لم يلاحظ عليه ما يشير إلى اعتناق التطرف أو أنه يمكن أن ينفّذ اعتداء، فيما أكّد كولومب أن لقديم “انتقل بصورة مفاجئة إلى التنفيذ” الجمعة، وقال “كنا نتابعه وكنا لا نعتقد بحصول تطرف لكنه انتقل إلى التنفيذ فجأة بينما كان يخضع للمراقبة”، مضيفا أن الخطر الإرهابي لا يزال “قويا جدا” في فرنسا.
وأفاد مصدر قضائي السبت أن الشرطة داهمت منزل رضوان لقديم وعثرت على “كتابات تشير ضمنا إلى تنظيم الدولة الإسلامية وتبدو كأنها عبارة عن وصية”.