صورة العربيّ في الدراما الأوروبية
عدسة الدراما الغربيّة تبقى مقيّدة بنظرة المُستعمر، أو المستشرق الانتقائيّ في أفضل الأحوال، وتبقى صورة العربيّ المطروحة رهينة قوالب نمطيّة جاهزة.
مسلسل “مرسيليا” يقدم صورة تبدي العربي قادما من عالم متخلّف
كيف يتمّ تقديم العربيّ في الدراما الأوروبيّة الحديثة؟ هل يتمّ تقييد صورته الدرامية وفقاً للتصوّرات التي نمّطتها وسائل الإعلام الغربيّة سياسيّاً؟ يتم مؤخرا تصوير بعض الأعمال الدراميّة الحديثة، ومنها المسلسل الإسبانيّ “المغرب.. الحبّ في أزمنة الحرب”، الذي أنتجته شركة “نتفليكس” حديثاً، ويعود إلى سنوات العشرينات من القرن الماضي، إبّان الاحتلال الإسباني لمدينة مليلية المغربية التي لا تزال تحت الحكم الإسباني، حيث مجموعة من الممرّضات يقصدن المدينة لمساعدة الجنود الإسبان الجرحى في الحرب التي يخوضونها ضدّ الثوّار المغاربة الذين يوصفون بالمتمرّدين، وكان قائدهم حينها محمد عبدالكريم الخطابي.
يرصد العمل التحوّلات التي تطرأ على الناس في أزمنة الحرب، وتبدّل الهوى والحبّ من شخص لآخر، وكيف أنّ الظروف تلقي بتأثيراتها على الشخصيّات فتخلق منهم أناساً مختلفين عمّا كانوا عليه قبل مرورهم بتلك التجارب الرهيبة.
ومن ضمن المحاور التي يطرحها المسلسل، حضور العربيّ بصور مختلفة، هناك العربيّ العامل مع الإسبان، والذي يتحوّل إلى عاشق لممرّضة إسبانية، ويعرف عند الجميع بالعربيّ اسماً وانتماء، يتعرّض للمضايقات والإهانات في المستشفى الذي يعمل فيه، يتحمّل ذلك ويحاول التحلّي بشيء من الواقعيّة التي ترضي غرور المستعمر.
وهناك الطفل اليتيم الذي تتمّ رعايته من قبل الإسبان، لإظهار الوجه الإنسانيّ في مواجهة الوجه الوحشيّ الذي يتمّ تصوير الثوّار المغاربة عليه، ويفترض نوعاً من التعاطف مع الجنود الإسبان وكأنّهم هم الضحايا الذين يواجهون قوى الاستعمار على أرضهم ويحاولون صدّها وطردها منها.
هناك أيضاً مسلسل “مرسيليا” المنتج من قبل “نتفليكس” أيضاً مؤخّراً، ويقدّم بدوره صورة يراد لها أن تدرج، أو يرسّخ الصور النمطية التي تكون مستحضرة مستدعاة إلى الأذهان حين الحديث عن العربيّ في أجواء المدينة، بحيث تبديه قادماً من عالم متخلّف، يعاني من مرارات الجهل وتبعاته، يعيش في بيئات فقيرة على هوامش المدينة التي يقطنها، ولا سيّما أنه مهاجر أو ابن مهاجرين فقراء لم يستطيعوا ارتقاء السلّم الاقتصاديّ في بلاد المهجر الأوروبيّة.
تكون شخصية “سليم” في “مرسيليا” مثالاً على التناقض في التعاطي مع المهاجر العربيّ، يكون معشوق ابنة العمدة، لكنّه في الوقت نفسه يدرك موقعه الاجتماعيّ، ينحدر من بيئة فقيرة، يكون حلقة صغيرة في سلسلة ترويج المخدّرات في أحياء شعبيّة من مدينة مرسيليا الفرنسيّة، ولا يجد أيّ مخرج محتمل من دائرة الخراب التي يعيش وسطها، فيكون مرشّحاً لتشكيل خطر متوقّع على محيطه الفرنسيّ، مهما حاول الابتعاد بنفسه عمّا يغرق مجتمعه من فساد وفقر وجهل، ويقضي وحيداً على يد أحد المجرمين من محيطه ويضيع ذكره كأنّه لم يكن.
تتعارض صورة العاشق المأمول، أو العشيق الآنيّ، مع صورة مروّج المخدّرات الشابّ، ولا تجدي محاولة عقد علاقة حبّ بين سليم وابنة العمدة التي تمثّل رأس الهرم السلطويّ الاجتماعيّ والسياسيّ في المدينة، في ردم الفجوة بين عالميهما، فلكلّ منهما مساره الحياتيّ المختلف، وعليه أن يناضل في سبيل تحصيل ما يصبو إليه من تحقيق للذات وسط فوضى عالمه الذي يعاني عذابات متعدّدة، كأنّها مأساة أكبر متمثّلة في توسّع دوائر الجهل والفقر والتخلّف والفساد ضمن أمكنة يفترض بها أن تحقّق نوعاً من المساواة لأبنائها والمقيمين فيها.
يبدو أنّ عدسة الدراما الغربيّة تبقى مقيّدة بنظرة المُستعمر، أو المستشرق الانتقائيّ في أفضل الأحوال، وتبقى صورة العربيّ المطروحة رهينة قوالب نمطيّة جاهزة وأحكام مسبقة إلى إشعار آخر، يُخشى أن يكون بعيداً