الإشاعة سلاح بوليساريو المهزوم
الادعاء بأن عدد المحتجزين بمخيمات تندوف هو 173.600 يدخل في إطار الحرب النفسية، كونه رقما بعيدا عن الواقع وجزءا من الإشاعات البائسة التي تطلقها بوليساريو بين الفينة والأخرى.
الوضع أسوأ مما يبدو
موت أطروحة الانفصال أصح وأقرب إلى الواقع من موت الأشخاص، فأن تلجأ بوليساريو ومن يحبك لها حبائل المؤامرات إلى خلق إشاعات موجهة ضد المغرب دليل على فشل مساعيها في تقويض مسيرة المملكة في تحقيق أهدافها على أرض الواقع الواحد تلو الآخر.
عدم نجاح إشاعة بوليساريو، التي حاولت النيل من أعلى سلطة في المملكة المغربية، يوحي بأن الأسلوب قديم ودنيء والإخراج سيء ودون مستوى المرحلة ويعطي الدليل على أن دبلوماسية العاهل المغربي الملك محمد السادس قد نالت من سياسات كانت متّبعة لسنوات ومصيرها الآن سلة مهملات التاريخ.
التاريخ لا يرحم المتخفي وراء غيره لتحقيق أغراضه. بوليساريو تخفي صمت النظام الجزائري على كل خططه للنيل من سيادة المغرب ولم تحقّق في المقابل سوى عن مخيمات حجزت فيها سكانا لو أتيحت لهم الفرصة لالتحقوا بعائلاتهم في العيون والداخلة وبوجدور والسمارة وغيرها من حواضر الصحراء المغربية.
الادعاء بأن عدد المحتجزين بمخيمات تندوف هو 173.600 يدخل في إطار الحرب النفسية، كونه رقما بعيدا عن الواقع وجزءا من الإشاعات البائسة التي تطلقها بوليساريو بين الفينة والأخرى تنفيسا على هزائمها المتتالية، آخرها استضافة مدينة الداخلة بجنوب المغرب لفعاليات منتدى كرانس مونتانا من 15 إلى 20 مارس الجاري، رغم اعتراض الجبهة الانفصالية والجزائر.
ولم تنجر الرباط إلى ما كانت تخطط له الجبهة في ما يتعلق بلقاءات المبعوث الأممي للصحراء هورست كولر والوفد المغربي، بعدما أشاعت أنها بداية مفاوضات بينها وبين المغرب. إذ أن طريقة تعامل المغرب مع هذا اللقاء كان في غاية الحكمة والتبصّر السياسي والدبلوماسي سواء في ما يتعلق بمكان عقدها بلشبونة عوض برلين، أو المواضيع المتناولة أو طبيعة الوفد الذي شارك فيه أبناء المناطق الجنوبية الذين يمتلكون شرعية تمثيلهم لأبناء الصحراء، أو ما يتعلق بالنقاط التي تم التركيز عليها في المباحثات.
وبالتالي أفشلت الرباط المخطط الذي كان وراء بث الإشاعة. وأكد القائم بأعمال المملكة في جنيف حسن بوكيلي أمام ممثلي دول العالم ومنها الجزائر خلال الدورة الـ71 للجنة الدائمة للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين بجنيف “على عكس مجموع بلدان الاستقبال الحقيقية، الجزائر هي الوحيدة التي ترفض إحصاء وتسجيل سكان مخيمات تندوف وتتهرب من مسؤولياتها الدولية تجاههم”.
إنه تدليس فاضح بعدما شدد حسن بوكيلي، على أن هذا الرفض يؤكد أن الجزائر تريد أن تستمر في إخفاء العدد الحقيقي لسكان المخيمات، الذي لا يكاد يتجاوز 25 ألف شخص، مضيفا “الأدهى من ذلك أن الجزائر التي ظلت على مدى سنوات تستغل سخاء المانحين من خلال تقديم عدد وهمي يقدر بـ165 ألف شخص تخشى أن تضطر إلى الخضوع للمحاسبة على تحويل هذه المساعدات”.
ويخدم تضخيم عدد المحتجزين بتندوف بروبغندا الجزائر وبوليساريو لتسويق حقائق مغلوطة أولا للاسترزاق بالمساعدات الإنسانية المقدمة من البعض من دول الاتحاد الأوروبي، وثانيا محاولة للتعتيم على ما تعيشه مخيمات تندوف من أوضاع إنسانية مزرية وخرق سافر لحقوق الإنسان بكل تجلياتها وذلك للتأثير على أنطونيو غوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي للصحراء هورس كولر في مساعيهما لتحديد إطار تفاوضي بين جميع الأطراف.
الحرب التي أطلقتها الجزائر وبوليساريو ضد مصالح المغرب، سواء داخل الاتحاد الأوروبي أو الاتحاد الأفريقي وفي منتديات دولية، تستعمل فيها كل الوسائل المتاحة وليس آخرها الإشاعة الدنيئة لهذا ستكون المعركة طويلة الأمد والحل لا يظهر في الأفق
ويعرف غوتيريس جيدا مع من يتعامل في موضوع المحتجزين، فعندما كان يشغل منصب المفوض الأممي السامي للاجئين في العام 2009 أكد على رفض الجزائر طلبا من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إجراء إحصاء للمحتجزين لمعرفة العدد الحقيقي رغم أنها طالبت ولا تزال تطالب بزيادة المساعدات المقدمة من طرف المفوضية.
ولم تنسق الدبلوماسية المغربية وراء إشاعة أن اللقاء الذي دعا إليه المبعوث الأممي إلى الصحراء بمثابة مفاوضات مباشرة بين المغرب وبوليساريو، حيث نفى وزير الخارجية ناصر بوريطة الأمر موضحا أن كلا من “الجزائر والبوليساريو تروجان لموضوع المفاوضات المباشرة وهما تريدان ذلك لكن كولر، لم يصرح بذلك ولديه القنوات التي يتواصل عبرها للتعبير عن مواقفه”. وشدد بوريطة على أن المغرب يرفض المفاوضات المباشرة مع البوليساريو، مما يمثل فشلا مزدوجا بالنسبة لبوليساريو.
ويعد فشل الإشاعة في الوصول إلى أهدافها انتكاسة لكل مخططات خصوم المغرب سواء الذين يظهرون على الساحة أو المتخفين وراء بيادق اللعبة، فالجزائر لاعب أساسي في موضوع الصحراء ولا تريد حلا واقعيا يجنب المنطقة استنزافا سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا دام لعقود.
ورغم إنكار المسؤولين في الجزائر لدور بلادهم في ملف الصحراء فالواقع والشهادات تكذب هذا الافتراء. وقد كشف البشير الدخيل، أحد المؤسسين السابقين لجبهة البوليساريو، الجمعة، أن “الجزائر لا تريد استقلال الصحراء انطلاقا من القولة الشهيرة للرئيس الراحل هواري بومدين ‘سنجعل من قضية الصحراء حجرة في حذاء المغاربة”.
الحرب التي أطلقتها الجزائر وبوليساريو ضد مصالح المغرب، سواء داخل الاتحاد الأوروبي أو الاتحاد الأفريقي وفي منتديات دولية، تستعمل فيها كل الوسائل المتاحة وليس آخرها الإشاعة الدنيئة لهذا ستكون المعركة طويلة الأمد والحل لا يظهر في الأفق. لذلك أشار ناصر بوريطة إلى أن تعامل المغرب مع قضية الصحراء “لم يعد تعاملا موسميا”، معترفا بأن هذا المجهود يتطلب توفير الخبرات الوطنية لهذه المواجهة.