كيف ينتمي المسلمون إلى ألمانيا ويظل الإسلام غريبا عنها

وزير الداخلية الألماني هورست سيهوفر يطلق عاصفة انتقادات بعد تأكيده أن الإسلام لا ينتمي لبلاده.

ألمانيا لا تملك ترف المخاطرة للانجرار وراء إعطاء شرعية لحجج متعصبة
برلين – لم تمر أيام على إتمام الإعلان عن تشكيل الحكومة الألمانية بعد مخاض عسير، حتى قرر وزير الداخلية في الحكومة الجديدة هورست سيهوفر إعادة فتح الباب أمام نقاش غير محسوم حول طبيعة الهوية الألمانية وفق مقاييس العصر الحديث، ووفق القيم التي قام عليها الاتحاد الأوروبي، وموقع الإسلام وسط معادلة الهوية الصعبة.

ولم تستطع ألمانيا، رغم ما تحققه من إنجازات اقتصادية يعوّل عليها لقيادة أوروبا، تجاوز عقد تاريخية وثقافية تعرقل انتقال البلاد نحو تعدد مجتمعي ناضج على الرغم من قوة القوانين التي تحمي الأقليات المقيمة على أراضيها.

وقال سيهوفر، في مقابلة نشرت الجمعة، إن الإسلام “لا ينتمي إلى ألمانيا”، الأمر الذي أطلق مجددا الجدل حول مكانة الدين الإسلامي في المجتمع الألماني.

وقال سيهوفر، وهو زعيم الحزب المحافظ “الاتحاد الاجتماعي المسيحي” المتحالف مع المستشارة أنجيلا ميركل، “لا. الإسلام لا ينتمي إلى ألمانيا. ألمانيا طابعها مسيحي. يوم الأحد عطلة، أيام العطل مسيحية وأعياد الفصح والعنصرة وعيد الميلاد جزء منها”.

ورأت أوساط سياسية ألمانية أن تصريحات الوزير الألماني تعبر عن الخلفية التي يستند عليها الحزب الذي يتزعمه، كما تعكس توجهات كتلة الحزب الناخبة من المسيحيين المتدينين.

وتحمل هذه التصريحات خطورة على وحدة وتماسك المجتمع، إذ صدرت عن سيهوفر بصفته وزيرا للداخلية في البلاد، وهو ما يضفي على مضمون المقابلة بعدا قد يفهم منه تمثيل للحكومة الرسمية في ألمانيا.

وأضاف سيهوفر في المقابلة مع صحيفة بيلد الألمانية “لكن المسلمين الذين يعيشون عندنا ينتمون بالتأكيد إلى ألمانيا. هذا لا يعني بطبيعة الحال أن نتخلى عن تقاليدنا وأعرافنا لاعتبارات خاطئة”.

واستغربت بعض الدوائر الحقوقية في ألمانيا تناقض سيهوفر في القول إن المسلمين ينتمون لألمانيا فيما لا ينتمي الإسلام للبلد. ورأت هذه الدوائر أن الدستور الألماني كما القوانين الألمانية يوفّر غطاء ألمانيا لكافة المقيمين، مواطنين وأجانب، وأن الوجود المسلم في ألمانيا قديم في البلاد بما يعني أن الإسلام بات جزءا من ثقافات البلد المتعددة.

وتأتي تصريحات سيهوفر بعد يومين من إعادة انتخاب أنجيلا ميركل لولاية رابعة على رأس تحالف بين المحافظين والاشتراكيين الديمقراطيين.

ويقول مراقبون للأزمة السياسية التي أجلت تشكيل حكومة بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، إن هذا الجدل الذي أطلقه وزير الداخلية الألماني يعبر عن جانب من أسباب هذه الأزمة، خصوصا في الشق المتعلق بتداعيات موجة اللجوء التي وفدت إلى ألمانيا في السنوات الأخيرة على الاستقرار الاجتماعي والسياسي والأيديولوجي في البلاد.

تصريحات هورست سيهوفر تحمل خطورة على وحدة وتماسك المجتمع
تصريحات هورست سيهوفر تحمل خطورة على وحدة وتماسك المجتمع
ويأتي موقف سيهوفر متناقضا مع ما كان أدلى به عام 2010 الرئيس الألماني حينذاك كريستيان فولف، الذي أكد أن الإسلام أصبح “حاليا” جزءا من ألمانيا، فيما كررت المستشارة ميركل مرات عدة هذه الجملة لاحقا.

وأثار تصريح وزير الداخلية هذا جدلا واسعا في ألمانيا حول مكانة الإسلام في المجتمع الألماني، حيث يعيش أكثر من أربعة ملايين مسلم واستقبل بتشجيع من ميركل منذ 2015 مئات الآلاف من اللاجئين غالبيتهم العظمى من بلدان مسلمة.

ويلفت خبراء في شؤون الهجرة في أوروبا إلى أن هذا النقاش لا ينحصر في ألمانيا بل هو وجه من وجوه الجدل حول الأمر في كافة بلدان الاتحاد الأوروبي، وأن أفكارا مشككة في مكانة الإسلام باتت متداولة من قبل تيارات تعرف بالوسطية يمينا ويسارا تأثرا بصعود الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة والتي ظهرت بشكل جلي في الانتخابات التشريعية الأخيرة في إيطاليا.

ويضيف الخبراء أن مسائل الهجرة والهوية باتت تلقى رواجا لدى الأحزاب السياسية لأغراض داخلية لن تغير من طبيعة التشريعات التي تحرص على حماية الجماعات الدينية، بما في ذلك المسلمة في أوروبا.

ونجح حزب سيهوفر المعارض لسياسة الهجرة التي تتبعها ميركل، خصوصا في أن يحدد اتفاق تشكيل الحكومة سقفا لعدد اللاجئين الذين يمكن لألمانيا استقبالهم كل سنة ويتراوح بين 180 و220 ألف شخص.

كما أعلن سيهوفر أنه سيدعو إلى مؤتمر حول الإسلام لمناقشة مشاكل اندماج المسلمين. وقال “هذه رسالتي: يجب على المسلمين أن يعيشوا معنا، إلى جانبنا. لتحقيق ذلك، نحتاج إلى تفاهم متبادل واحترام. لن نحقق ذلك من دون نقاشات بيننا”.

ويعتبر مراقبون أن سيهوفر منسجم مع سياسة حزبه، لكن ذلك لن يؤثر كثيرا على الوعي السياسي العام لهذه المسألة في ألمانيا، وأن الأمر سيبقى محصورا داخل متطلبات المقابلات الصحافية، خصوصا أن ألمانيا بالذات لا تملك ترف المخاطرة في الانجرار في إعطاء شرعية لحجج قومية متعصبة تذكر بما كان سائدا في عهد ألمانيا النازية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: