امرأة بريطانية من أصول عربية.. توازن صعب بين ثقافتين مختلفتين
الغرب يقدم الحرية التي لا توجد في الدول العربية، ما يشكل صراعا بالنسبة للذين يحاولون التوفيق بين الحداثة والتقاليد.
ثقافتان تسيران بتوازن حذر
هناك عدة تحديات تواجه الأشخاص الذين نشأوا وعاشوا في دول متعددة الثقافات، وهي الصدمة الثقافية وأزمة الهوية والتمييز العنصري. تتضح تلك العوامل بشكل خاص بالنسبة للشباب الذين يتبعون أسلوب الحياة والعقلية الشرقية.
فعلى الرغم من تطوّر الزمن وتغير طرق الحياة على مرّ السنين، إلا أن هناك البعض الذين ما زالوا يتمسّكون بالتقاليد والعادات الشرقية التي تشكّل جذورهم الثقافية الحقيقية. فبالنسبة للشباب ممن يولدون ويترعرعون في مجتمع غربي، وفي نفس الوقت يُفرض عليهم الالتزام بأسلوب حياة أقل حداثة بسبب الهوية العرقية، قد يشكل هذا صعوبة بالنسبة لهم وقد يتسبب لهم في مشكلة عدم تكيّفهم مع المجتمع من حولهم.
ويتضح هذا الأمر عندما يفرض العالم من حولنا اتباع أسلوب حياة موحد، بينما تفرض التقاليد والعادات نفسها على الآخرين.
فالغرب يقدّم دائماً الحرية والليبرالية التي لا توجد دائماً في معظم الدول العربية والشرق أوسطية، سواء تعلق ذلك بالثقافة أو بالتقاليد أو بالدين، ما يشكّل صراعاً مربكا ومتضارباً بالنسبة لأولئك الذين يحاولون التمسك بالحداثة والتقاليد على حد سواء.تقول سيلفيا صليب، معلمة شابة لأسرة مصرية نشأت في المملكة المتحدة “لقد كان من الصعب عليّ التعايش مع ثقافة المجتمع الغربي في الوقت الذي توجب عليّ فيه التمسك بثقافتي العربية وعاداتي وتقاليدي. ففي كثير من الأحيان حرص والديّ على تذكيري بأصولي من خلال التحدث معي باللغة العربية حتى لا أنسى اللغة”.
يسهل تقديم وصفات علاجية حاضرة وجاهزة لتلك الإشكالية التي كانت ولا تزال تؤرق الباحثين عن توازن يبدو منطقيا وممكنا في ظاهره، وهو كيفية التوفيق بين ما يعرف بثنائية الأصالة والمعاصرة، الانتماء إلى العصر دون نسيان الموروث، التوفيق بين ثقافتين، وإلى ذلك من الأسئلة التي تبدو سهلة وفي المتناول لكنها في غاية الدقة والصعوبة خصوصا بالنسبة للنساء والفتيات الأوروبيات القادمات من بيئات وثقافات شرقية وإسلامية، ذلك أن المرأة بالتحديد تكتوي بنارين، مجاراة العصر ومواجهة سلطة وصاية العائلة التي يوسّع منها الفقه الأصولي.
وأضافت صليب “في كثير من الأحيان كان والديّ يعلقان على الأفعال التي يمكن لأصدقائي القيام بها ولكنها ممنوعة في الثقافة العربية، على سبيل المثال الصداقات بين الفتيات والصبيان والتدخين. كنت أجد صعوبة في محاولة الابتعاد عن هذه السلوكيات، وكان هذا هو السبب الذي دفعني في نهاية المطاف إلى تكوين صداقات مع أشخاص مثلي من أصل عربي لأن الثقافة كانت متشابهة جداً”.
وبعد أن انتقلت صليب مؤخراً إلى مصر، أصيبت بالصدمة الحضارية، كما وجدت صعوبة في التكيّف مع طريقة الحياة الجديدة.
تقول صليب “تلقيت أكبر صدمة ثقافية بحياتي عندما قدمت إلى مصر لأول مرة. هناك الكثير من القواعد الصارمة ضد المرأة، ولا يحترم المصريون بعضهم البعض. كانت صدمتي الأولى في المطار عندما اكتشفت أن لا أحد يحترم الطابور وأن الناس كانوا يتدافعون من كل مكان. وفي كل مرة كنت أسأل أحدهم عن أي شيء، كنت أحصل على رد مفاده “إنه أمر طبيعي هنا”.
ومع ذلك، فإن أكبر تغيير ثقافي تعرّضت له صليب، هو معاملتها كامرأة شابة في مجتمع تهيمن عليه الثقافة العربية. تقول صليب “صدمني تحكم المجتمع في ما ينبغي أن ترتديه المرأة وما لا ينبغي أن ترتديه عند الخروج إلى مكان عام. وهذا أمر مزعج للغاية، خاصة عندما يدّعون أن مثل هذه القيود ستجنبني التعرّض للمضايقات والتحرش”.
ولكن يبدو أن باقي الدول العربية لا تشبه بعضها البعض في هذا الانقسام الشديد مقارنة بالغرب. فقد انتقلت جولي خليل، وهي امرأة شابة تبلغ من العمر 33 عاماً من أصل مصري، ترعرعت أيضا في المملكة المتحدة، إلى دبي وقالت إنها لا تكاد تشعر بمثل هذه الصدمة الثقافية. “دبي بلد متعدد الثقافات. هنا لا يمكنك أن تشعر بهيمنة التفكير الشرقي. في الواقع، ليس لدى الإمارات الكثير من ثقافتها الخاصة، فأنت محاط طوال الوقت بالعديد من الثقافات المختلفة”.
وتحدثت خليل كذلك عن نشأتها في مجتمع غربي بينما كانت تحاول التمسّك بجذورها التقليدية. وأضافت خليل “كان من الصعب عليّ أن ألتزم بتقاليدنا بينما كنت أواجه إغراءات القيام بعكس ذلك بشكل يومي”.
واتفقت كلتا الفتاتين في نهاية المطاف على أنهما تفضلان العيش في بلد غربي تشعران فيه بحرية أكثر في ظل عدم وجود تحيّز جنسي. وقالت الفتاتان إن العيش في دولة غربية يجعل من النساء العربيات الشابات يشعرن بمزيد من الراحة والأمان في ظل تمتعهن بحق الاختيار والبت في كيفية العيش.
وعلى الرغم من أن المجتمعات الشرقية تفرض قيوداً على حرية شبابها، إلا أن بعض “القواعد والتقاليد” الأقل حداثة وتفتّحاً قد تحتاج إلى إعادة النظر من أجل اللحاق بالعالم الخارجي الذي يتربّى فيه الشباب البريطانيون من أصول عربية حتى يتجنّبوا الشعور بمثل هذه الصدمات الثقافية وأزمات الهوية.