“أرض الله واسعة”: حل يقترحه داعش على أتباعه المحاصرين
الشريط يوجه الدعوة إلى الجهاديين للهجرة إلى أفغانستان، بهدف إعادة تجديد طاقته وجمع مقاتليه الأجانب والاستفادة من الخصوصيات الجغرافية الصعبة في المنطقة.
داعش يسير نحو حتفه
هل قرر “تنظيم الدولة” لأبي بكر البغدادي تغيير وجهته بعد هزائمه المدوية في سوريا والعراق؟ هل يعد التنظيم لاستراتيجية جديدة في الحرب ضد الولايات المتحدة الأميركية من جانب، وتنظيم القاعدة وحليفه حركة طالبان، من جانب آخر؟ هذا ما يظهر من خلال الشريط الأخير الذي أصدره التنظيم ودعا فيه من سماهم “المسلمين” للهجرة إلى أفغانستان، حيث يتمركز التنظيم منذ بضع سنوات ويسعى إلى توسيع دائرة نشاطاته الإرهابية في سباق مع تنظيم القاعدة لأيمن الظواهري.
الشريط أعدته “ولاية خراسان” التابعة لتنظيم داعش، وقد حمل عنوانا معبرا هو “أرض الله واسعة”، وهذا ما يوضح أنه موجه إلى مقاتلي التنظيم الذين ضاقت بهم السبل بعد الهزيمة في الرقة والموصل، لكي يغيروا وجهتهم إلى أفغانستان، التي قد تصبح في الفترة المقبلة عنوانا لأشرس قتال بين داعش والقاعدة.
نلحظ هذا من خلال الصور التي عرضها الشريط، وهي تمثل مقاتلين من “ولاية خراسان” في جبال تورا بورا، وأيضا في الكلمة التي جاءت على لسان أحد هؤلاء المقاتلين والتي ذكر فيها ذلك الاسم مرتبطا بعبارة “دولة الإسلام”.
الهزائم التي مُني بها تنظيم الدولة الإسلامية في كل من العراق وسوريا، واندثار عناصره إلى جهات متفرّقة جعلت قياداته تشحذ همم مقاتليه وتدعوهم إلى التوجّه نحو أراضي أفغانستان التي سبق أن تلقّى فيها تنظيم القاعدة ضربات موجعة بعد الغزو الأميركي، ويتوقّع المراقبون أن تشهد هذه المنطقة أشرس المعارك بين التنظيمين الإرهابيين، ويستنتج كل هذا من خلال الشريط الذي حمل عنوان “أرض الله واسعة” وأعدّته “ولاية خراسان” التابعة لداعش.
وتحيل تسمية تورا بورا على حركة طالبان وتنظيم القاعدة، باعتبارها المكان الذي تمت هزيمتهما فيه عام 2001 بعد الغزو الأميركي لأفغانستان في أعقاب تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر من نفس العام.
ولعلها إشارة صريحة من التنظيم إلى أنه استمرار لمسار مؤسس القاعدة أسامة بن لادن و”وريث سره”، وأنه يعمل على إحياء مشروع الجهاد في نفس المكان الذي صار رمزا لهزيمة القاعدة.
ولا يخفى أن الخلاف على تركة بن لادن كان أحد محاور المواجهة بين داعش وأيمن الظواهري في السنوات الثلاث الماضية بالخصوص، عندما بدأ أول ظهور لتنظيم البغدادي في أفغانستان.
بدأ ظهور تنظيم داعش في المنطقة عبر إقليم وزيرستان الباكستاني نهاية عام 2013، على إثر انشقاقات في تنظيم طالبان بعد مقتل أميرها في باكستان حكيم الله محسود، في نوفمبر من ذلك العام بطائرة أميركية دون طيار، حيث برز الخلاف حول خلافته بين ثلاثة أسماء قوية في التنظيم بينها حافظ سعيد خان، ولكن تنصيب المولوي فضل الله، أميرا دفع خان إلى إعلان العصيان والخروج من التنظيم والالتحاق بتنظيم داعش، حيث أعطى البيعة للبغدادي، ووجدها هذا الأخير فرصة للتغلغل في المنطقة ومنافسة طالبان، فأعلن عن إنشاء ولاية خراسان بزعامة سعيد خان عام 2015. وخلال عامي 2016 و2017 أعلن التنظيم مسؤوليته عن العديد من الاعتداءات الدامية في كابل، والتي استهدفت خصوصا مساجد للشيعة، إضافة إلى اعتداء على أكبر مستشفى عسكري بالبلاد في مارس 2017.
وقد تلا الإعلان عن ولاية خراسان انشقاق عدد من مقاتلي طالبان والتحاقهم بتنظيم داعش، الذي بات يسيطر على مناطق مهمة في الإقليم، خصوصا بعد وفاة زعيم الحركة الملا عمر في صيف ذلك العام، كما أن مقاتلين آخرين من أبناء المنطقة كانوا في العراق وسوريا عادوا إلى بلدانهم لتعزيز صفوف التنظيم بعد إعلان “ولاية خراسان”، وقد كان ذلك مؤشرا على أن التنظيم راهن على تقوية نفوذ الولاية في أفق القضاء على تواجد تنظيم القاعدة.
وفور إعلان تلك الولاية، من ضمن ولايات أخرى أعلن عنها التنظيم بعد القفزة التي وفرها له إنشاء ما سمي بالخلافة، شرع في تصفية الحساب مع كل من طالبان والقاعدة.
الشريط موجه إلى مقاتلي التنظيم الذين ضاقت بهم السبل بعد الهزيمة في الرقة والموصل، لكي يغيروا وجهتهم إلى أفغانستان
فقد نشر في تلك السنة نفسها ما سماه “الفتوى الخراسانية”، التي حسم فيها العلاقة بينه وبين حركة طالبان، حيث أكد على أن هذه الأخيرة لا علاقة لها بالإمامة العظمى التي يمثلها أبو بكر البغدادي الحسيني.
وهي مجرد إمارة قطرية وطنية “لا يراد منها ما يراد بالإمامة العظمى من حيث الأحكام والتكاليف والتبعات”، ومدلول هذا الكلام أن قرارات طالبان لا تلزم الجهاديين خارج أفغانستان، بل لا تلزم حتى الجهاديين الأفغان غير المنضوين إلى الحركة، التي تعتبر داعش أن قتاله مقدم على قتال الكفار الأصليين، وتتهمه بالعمالة للمخابرات الباكستانية.
ورغم أن الشريط الأخير يوجه الدعوة إلى الجهاديين للهجرة إلى أفغانستان، إلا أن واقع الحال أن هذه الدعوة ليست جديدة. ففي شهر يناير 2016 نشرت مجلة “دابق” التابعة للتنظيم لقاء مع حافظ سعيد خان أمير ولاية خراسان التابعة له، دعا فيه “كل مسلم يريد نصرة الشريعة أن يعجل بالهجرة إلی الولاية وغيرها من ولايات الخلافة، فهي دارهم، دار الإسلام، عليهم أن يهاجروا حتى ينجوا من ذل الدنيا وعذاب الآخرة، ليخرجوا من فسطاط الباطل، ويدخلوا في فسطاط الحق الذي لا باطل فيه”.
بيد أن هذه الدعوة الأخيرة تأتي في وقت تلقى فيه التنظيم في سوريا والعراق وليبيا هزائم متوالية أجهزت عليه، ما دفعه إلى التركيز على أفغانستان وباكستان والمناطق المحيطة التي يطلق عليها التنظيم تسمية “خراسان” المستوحاة من التاريخ الإسلامي القديم، بهدف إعادة تجديد طاقته وجمع مقاتليه الأجانب الذين لا يستطيعون العودة إلى بلدانهم أو البقاء في المواقع التي كان يسيطر عليها التنظيم، والاستفادة من الخصوصيات الجغرافية الصعبة في المنطقة التي يرى أنها تساعده على تحقيق نوع من التماسك بين عناصره وتوفر له ملجأ آمنا.