الأذان في أوروبا عبر مكبرات الصوت.. أجنحة القانون وتأويلات التطرف

ظاهرة رفع الأذان في مساجد أوروبا أصبحت تثير جدلا قانونيا لا يخلو من خلفيات وتداعيات اجتماعية وسياسية في ظل تنامي النزعات اليمينية وتصاعد أصوات الكراهية ضد الجاليات المسلمة.

طقوس العبادة شأن لا يمكن التفاوض عليه
قرّرت منذ أيام قليلة إدارة مدينة أوير إركنشفيك، في غرب ألمانيا، استئناف قرار محكمة قضت بمنع رفع الأذان عبر مكبرات الصوت في مسجد محلي، إثر دعوى تقدم بها شخص ضدّ المسجد، بحجّة أنّ صوت الأذان “يقلّل من شأن إيمانه المسيحي”.

وتسعى إدارة مدينة أوير إركنشفيك، التي تقع في منطقة الرور غرب ألمانيا، تطبيق قرارها الصادر عام 2014، والقاضي بالسماح لمسجدٍ في المدينة باستخدام مكبرات الصوت في رفع الأذان، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الألمانية.

وفي تصريح صحافي، قال محامي المشتكي لصحيفة محلية، إنّ “المرء يُجبر على حضور الصلاة في حالة سماع صوت الأذان”، ورأت المحكمة أنّ الرجل على حقّ، بينما ترى المدينة أنّ قرار المحكمة خاطئ، كما ذكر محامي المدينة.

المدعي أكّد أنّ رفع الأذان عبر مكبرات الصوت يقلّل من شأن إيمانه المسيحي. وذكر مكتب المحاماة الخاصة بالمدينة، أنّه من المشكوك فيه، على سبيل المثال، ما إذا كان يمكن للمدعي سماع صوت الأذان، خاصّة أنّه يسكن على بعد 900 متر من المسجد، وكان المدعي قد اعترف في جلسات المحكمة الأولية، أنّه لم يسمع أصواتا من المسجد منذ عدة أعوام. ويذكر أن المسجد قرّر، أثناء النزاع القانوني، التخلي عن رفع الأذان عبر مكبرات الصوت، في الوقت الحالي.

رفع الأذان من الطقوس الأساسية في إعلان الصلاة لدى المسلمين، لكن الأصوات المنادية بحظره في بعض البلدان الأوروبية خلقت ردّات فعل حادة ومتباينة بين المؤيدين والرافضين، أما المشكلة الأصعب فإنه لا مجال للنقاش الهادئ والعقلاني في هذه الظروف التي يعد فيها طرح هذا الموضوع بعيدا كل البعد عن النوايا الطيبة ومن الجهتين: اليمين الأوروبي والتطرّف الإسلامي.
مثل هذه القضية ليست الأولى من نوعها في أوروبا وقد أثارت جدلا قانونيا لا يخلو من خلفيات وتداعيات اجتماعية وسياسية في ظل تنامي النزعات اليمينية وتصاعد أصوات الكراهية ضد الجاليات المسلمة التي يجني أغلبها مرارة ردّات الفعل الناتجة عن الأعمال الإرهابية التي ضربت في عمق مدن أوروبية عديدة.

ومهما يكن من أمر فإن ظاهرة التململ من رفع الأذان في مساجد أوروبا لم تكن مطروحة بهذا الشكل الحاد منذ سنوات، واقتصرت في السابق على حالات قليلة ونادرة حركتها بعض الأصوات المتطرفة الشاذة من أصلها أو ظهرت لدى أوساط لا تتقصد التعرّض لدين بعينه بل حركتها نوازع بيئية قانونية بحتة. أما بعد احتدام ظاهرة الإرهاب من جهة ونهوض الحركات اليمينية من جهة أخرى فقد ازدادت الحساسية لدى هؤلاء من كل مظاهر التدين الإسلامي وشعائره وطقوسه، فـ”كأنما هذه الشعائر الدينية الإسلامية مثل رفع الأذان وإقامة الصلوات وذبح الأضحية لم تكن موجودة قبل ظهور داعش” على حد تعبير أحد المتابعين للشأن الإسلامي في أوروبا.

ولعل ما يقيم الدليل على هذا “التنبه المفاجئ ” لسلبيات المبالغة أو المجاهرة في إظهار بعض طقوس الديانة الإسلامية ما حدث في السويد منذ أيام قليلة، إذ أثار رفع أذان الصلاة عبر المكبرات من فوق مئذنة مسجد في مدينة فاكسبو جنوب السويد تباينا في الآراء بين مؤيد ومعارض. ونشرت الإذاعة السويدية الرسمية تقريرا قالت فيه إنها تلقت بلاغا يفيد بأن الأذان يبث من المئذنة منذ أعوام دون تصريح”، وأوضحت أن المركز الإسلامي المسؤول عن المسجد سبق أن حصل عام 2014 على تصريح ببث الأذان ولمدة عام واحد فقط، لكنه ظل يبثه لمدة ثلاث سنوات إضافية دون الحصول على إذن رسمي جديد.

وأضاف أن البلاغ يتعلّق بانتهاك قانون النظام العام وذلك بإزعاج راحة السكان المحيطين بالمسجد. ويبلغ عدد سكان فاسكيو في مقاطعة كرونوبيرغ 66 ألف بينهم المسيحيون والمسلمون. من جانبه قال أولا سيفرينسون، من شرطة فاكسيو “نأخذ المسألة على محفل الجد لتفادي حدوث تداعيات، وإذا لم يتم حل القضية عبر النيابة العامة فسيتم توقيع غرامة على المركز الإسلامي في المدينة”.

وتأسس هذا المركز منذ 3 عقود ويعدّ أقدم المؤسسات الإسلامية في المنطقة. وبدأ الحزب الديمقراطي السويدي وهو يميني مناهض للهجرة بجمع التوقيعات لإجراء استفتاء على حظر بث الأذان عبر مكبرات صوت، في المقابل رفض ممثلون عن الحزب الليبرالي الدعوات لحظر الأذان وكتبوا مقالا في صحيفة محلية دعوا فيه إلى ضرورة التسامح في مدينة فاكسيو.

من جهته قال إسماعيل أبوهلال، وهو إمام في المدينة: لم نعلم أن التصريح الذي حصلنا عليه عام 2014 بحاجة إلى التجديد سنويا. وشدد على أن “رفع أذان الصلاة سيساعد المسلمين في الاندماج في المجتمع السويدي”.

التململ من رفع الأذان في مساجد أوروبا لم يكن مطروحا بهذا الشكل منذ سنوات، واقتصر في السابق على حالات قليلة

وأعرب أسقف كنيسة السويد فريدريك ماديوس، في وقت سابق عن دعمه للمسلمين في فاكسيو من خلال مساندته رفع الأذان في صلاة الجمعة عبر مكبرات الصوت في مساجد المدينة.

وقال ماديوس، عبر تغريدة في حسابه على موقع تويتر إنه يتطلع إلى سماع أصوات الأذان مع أجراس الكنائس جنبا إلى جنب. وبحسب مركز “بيو” الأميركي تبلغ نسبة المسلمين في السويد 8 بالمئة من إجمالي السكان البالغ عدد 10 ملايين نسمة.

ويذكر أن دولا أخرى قد سبق لها أن سنّت منذ عامين وأكثر قوانين جزئية أو أساسية تدعو إلى حظر رفع الأذان، فقد رفضت السلطات الهولندية طلبًا تقدمت به الجالية الإسلامية لوضع مكبرات صوت على مئذنة بارتفاع 42 مترًا، على أحد المساجد الكبيرة بعاصمتها أمستردام. وزعمت السلطات الهولندية أن رفضها لرفع الأذان عبر مكبرات الصوت يسبب الإزعاج والضوضاء، وأن ذلك القرار بهدف الحفاظ على الهدوء في العاصمة، التي يسكنها عدد من المواطنين هو الأكبر في الدولة. كما تمنع الهند استخدام مكبرات الصوت بموجب قانون للحد من الضجيج.

ولا يزال موضوع حظر رفع الأذان في الكثير من مساجد مدن أوروبا يثير جدلا متعدد الاتجاهات والذرائع والمرجعيات، فمنهم من يؤيده لأسباب بيئية، حقوقية وحتى دينية، ذلك أنه يعتبر الإسلام ديانة تتوخى اللطف والمسايرة وترفض تعاليمها الأصوات الناشزة والمنفرة التي يمكن أن تسيء للعقيدة.

كما أن الرافضين لهذه القوانين التي يعتبرونها عنصرية وجائرة، يتمسكون بمبدأ حرية العقيدة ولا يجدون فرقا بينها وبين صوت قرع أجراس الكنائس أو حتى النفخ في الأبواق كما هو الحال لدى جماعات دينية يهودية في إسرائيل التي كانت بدورها “سباقة” في محاولة وضع مشروع قانون يفرض قيود على رفع الأذان عبر مكبرات الصوت في القدس وكذلك منع دق أجراس الكنائس في بعض المناطق مما حدا بالخوري سمعان بجالي، راعي رعية الناصرة للروم الأرثوذكس إلى القول بأن “هذا التطاول يجري عن طريق التطرف الدينيّ القومي اليهودي على المآذن والأجراس”.

يتفق المتخصصون في المجال الأنثروبولوجي بأن إعلان الصلاة يعد من أكثر طقوس وشعائر العبادة قداسة وحساسية

وتابع رجل الدين الفلسطيني المسيحي قوله “إنّه يجب علينا التوحد والوقوف سويّا ضد أي تطرّف وتهجم، وهذا يدل على أنّ الدواعش هم ليسوا من يذبحون فقط، وغير متواجدين بمكانٍ واحد، وللأسف مصطلح داعش نستعمله اليوم رمزًا للتطرف الديني والاعتداء على الآخر” واختتم سمعان بجالي قوله “نرى اليوم دواعش آخرين يعتدون على المآذن والأجراس، ولهذا علينا الوقوف متوحدين ضد أي تعصب وتطرف يقع على أيّ جهةٍ أو فئة كانت مسلمين، مسيحيين أو حتى يهود”.

يتفق الكثير من المتخصصين في المجال الأنثروبولوجي قبل رجال الدين، بأن إعلان الصلاة في أي ديانة كانت، يعد من أكثر طقوس وشعائر العبادة قداسة وحساسية، ذلك أنه يتعلق بهوية دينية لا ينبغي الاستهتار بها أو المساس من هيبتها مهما كانت المسببات لأنها تمثل نوعا من الرمزية التي تسكن في وجدان أصحابها.

ويرى آخرون أن الامتثال للقوانين المدنية يفرض احترام راحة ومصلحة المجموعة الوطنية بمعزل عن خصوصياتها الثقافية، فليس من شيم الدين أن تتعرّض لراحة الآخرين باسم الدين أو الحرية في التدين. وتبقى المشكلة المعضلة في الظرفين الزماني والمكاني الذي تثار فيه هذه القضية التي من شأنها أن تفجّر الأوضاع فالمسألة بين القوى المتطرّفة واليمينية من الجهتين أشبه بعود كبريت في مواجهة كومة قش.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: