ملف الهجرة يثير أزمة صامتة بين الجزائر وفرنسا

امتعاض جزائري من قرار باريس ترحيل أكثر من أربعين ألف مهاجر وسجين جزائري.

عبء ترفضه فرنسا
أدخلت مقترحات الحكومة الفرنسية المعلن عنها منذ أسابيع بخصوص ملف الهجرة وتنقل الأشخاص، علاقات البلدين في أزمة صامتة، بالنظر إلى ثقل الخطوات المزمع القيام بها على إمكانيات الحكومة الجزائرية والمشاكل الاجتماعية المترتبة عنها.

وأفادت مصادر مطلعة على ملف العلاقات الجزائرية الفرنسية، أن ملف الهجرة غير الشرعية وتنقل الأشخاص هيمن على زيارة وزير الداخلية الفرنسية جيرار كولومب الثلاثاء والأربعاء إلى الجزائر، في إطار المراجعة التي تنوي فرنسا القيام بها في هذا المجال مع دول المنطقة وعلى رأسها الجزائر.

وذكرت أن كولومب طرح بقوة خلال لقاءاته مع نظيره الجزائري نورالدين بدوي، مشروع دائرته الوزارية، القاضي بترحيل نحو 40 ألف جزائري من المهاجرين السريين إلى بلادهم، فضلا عن دعوته لاستقبال أكثر من 1400 سجين جزائري، بسبب رغبة بلاده في التخفيف من الضغط الذي تعاني منه السجون الفرنسية.

وباتت ظاهرة الهجرة السرية وشبكات الاتجار بالبشر والجريمة العابرة للحدود، مصدر قلق حقيقي لحكومات ضفتي المتوسط، وتشكل العناوين الكبرى لتعاون الأجهزة الأمنية والاستعلاماتية في المنطقة.

وبحث وزير الداخلية الفرنسي مع المسؤولين الجزائريين سبل وآليات محاربتها والحد منها، إلا أن الطرح الفرنسي بشأن ترحيل أكثر من 40 ألف مهاجر غير شرعي وسجين، كان محل انزعاج الحكومة المحلية.

وذكرت مصادر مطلعة لـ“العرب” أن “القنصليات الفرنسية في الجزائر أعادت النظر في مسألة منح التأشيرة لدخول فرنسا أو إلى فضاء شنغن خلال الأشهر الأخيرة، طبقا لتوجهات الإليزيه، القاضية بالحد من تدفق المهاجرين والزائرين الجزائريين للتراب الفرنسي والأوروبي”.

وأضافت “القنصليات الفرنسية باتت تطرح وثيقة جديدة على الحاصلين على التأشيرة للقيام بتدوينها وتقديمها لإدارة القنصلية فور العودة، وإلا أدرج صاحبها في خانة المخترقين والمخالفين للنصوص المنظمة، ويحال آليا إلى لوائح المهاجرين السريين”.

القنصليات الفرنسية في الجزائر تعيد النظر في مسألة منح التأشيرة للدخول إلى فرنسا أو إلى فضاء شنغن

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ألمح خلال الزيارة التي قادته إلى الجزائر في شهر ديسمبر الماضي، إلى أن “التأشيرة والهجرة ليستا هما الحياة، وأن الشباب الجزائري مطالب ببناء حياته ومستقبله في بلاده”.

وطرح ماكرون إدراج التأشيرة والهجرة في آلية التعاون المهني والعلمي لفائدة الشباب، ما يقطع الطريق أمام باقي الفئات الأخرى، ويعيد الهجرة الانتقائية التي طرحها الرئيس السابق نيكولا ساركوزي سابقا إلى الواجهة، بعد اهتمام باريس بفتح أبوابها لطلبة التكوين المهني وفئة الأطباء لدخول ترابها.

ويرى مراقبون أن العلاقات الجزائرية دخلت أزمة صامتة خلال الأشهر الأخيرة، بسبب طرح الحكومة الفرنسية لقانون الهجرة الجديد، والضغط المبكر بملف التهجير القسري لرعاياها في باريس، فضلا عن تأجيل الزيارة الثانية لماكرون التي كانت منتظرة في فيفري الماضي إلى موعد غير محدد. وتراهن أوساط جزائرية على تلك الزيارة لحسم موقف باريس من التوازنات الداخلية المتعلقة بمرشح السلطة للانتخابات الرئاسية القادمة، بما فيها التجديد للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لولاية خامسة.

ويذكر متابعون في هذا الشأن أن انتقادات دوائر سياسية لماكرون، في الأشهر الأخيرة، لتورط باريس في المسائل السياسية الداخلية لبعض الدول، ستدفعه لمراجعة تصوراته في علاقات بلاده مع شركائها التقليديين.

وتجلى التوجه الفرنسي الجديد في التركيز على المصالح المشتركة والتعاون الاقتصادي وتنظيم تنقل الأشخاص، بينها وبين دول المستعمرات القديمة، بعيدا عن التدخل في حسم توازناتها الداخلية، كما هو الشأن بالنسبة للجزائر، المقبلة على انتخابات رئاسية لا يزال يكتنفها غموض كبير رغم دخولها مرحلة العد التنازلي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: