جرائم الشرف الإلكترونية.. تحرش جنسي مسكوت عنه

بحث بريء عن شريك قد ينقلب إلى بحث عن متعة مؤقتة
ارتفاع عدد مستخدمي الشبكة العنكبوتية أفضى إلى انتقال الكثير من القضايا الشائكة من الواقع إلى العالم الافتراضي، ففي الوقت الذي لا يزال فيه مصطلح زواج المتعة محل نقاش والتباس وأخذ ورد بين الجالية المغربية بدأ الحديث عن زواج متعة إلكتروني.
ويرى البعض أن هذه الظاهرة جديدة ومسقطة على المجتمعات العربية، بل وقد يهب البعض الآخر إلى تكذيب ذلك أو تبريره بمجموعة من الفتاوى الغريبة مستخدمين ذات الأحكام التي تطبق على زواج المتعة الذي يتم على أرض الواقع.
غير أن هذه الظاهرة موجودة بالفعل منذ عدة سنوات وتتم عبر الهواتف الذكية، وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي قد كشف النقاب عنها، وغذّاها وسط تغاض تام عن الظاهرة.
ويتم هذا النوع من الزواج وفق شروط علاقة حميمية افتراضية وخالية من كل الترتيبات والإجراءات المعمول بها مدنيا وتشريعيا عند عقد الرباط المقدس.
ووجود زواج المتعة الإلكتروني وتجذره في المنظومات القيمية العربية نتاج وقوع أحد الطرفين، وغالبا ما تكون الفتاة، ضحية الوعود الكاذبة للطرف الآخر باسم الحب، ونتيجة حتمية للبحث بكل السبل عن وضع حدّ لعزوبية طال أمدها وفق قوانين حددت الزواج بسن معينة.
ويعد هذا الزواج نوعا من التحرش المسكوت عنه يجرد الفتيات من أثواب العفة والفخر، ويعرضهن للابتزاز بنشر صورهن عاريات أو فيديوهات مثيرة لهن أرسلنها إلى الحبيب الوهمي على أمل إرضائه وإشباع غرائزه للظفر بالزواج منه مقتنعات بما يروّج له البعض بأن الرجل بصري يغريه شكل الجسد وتفاصيله والمرأة عاطفية بامتياز.

تشهد علاقات التعارف قصد الزواج عبر الإنترنت بين الجالية المغربية  العديد من مظاهر التلاعب والبحث عن متع آنية تزول بزوال الغاية منها، وهو ما غذى فرص انتشار ما يسمى بزواج المتعة الإلكتروني، لا سيما مع توسع دوائر منصات وسائل التواصل الاجتماعي بكامل أنحاء العالم، واتخذ البعض من المتحيلين من هذه المواقع فضاء إلكترونيا للإغواء والتحرش الجنسي، متخفين خلف وعود زواج وهمية.
وانتشرت منذ مدة على موقع إنستغرام من باب الدعابة رسائل متبادلة بين فتيات وشبان مضمونها محاولة إقناع البنات للفتيان بإقامة علاقة زواج إلكترونية توثق فقط بكلمة زوجتك نفسي وتبيح بعد ذلك الكشف عبر كاميرات الهواتف الذكية والكمبيوترات عن الأعضاء التناسلية، وتهيّج المشاعر والرغبات، وتبادل العبارات المثيرة لاستكمال الإيلاج الوهمي الافتراضي، وإنجاب مجموعة من التطبيقات بدل الأطفال.
وتكشف هذه الرسائل عن إلصاق متعمد لكل ما هو مخل بالأخلاقيات العامة المتفق عليها ضمن المجتمعات العربية بالمرأة والإصرار على التلاعب بمشاعرها، كما تقدم صورة تخدم المجتمع البطريكي وتظهر شهامة ذكورية وهمية تردع الأنثى عن هذه الأفكار المغلوطة وتطالبها بالتعفف من الاستخدام غير الأخلاقي للمواقع الاجتماعية.
ولا تكمن القضية أساسا في من الضحية ومن الجلاد بل في الخروج بالشباب من بؤر الفساد الإلكتروني، حيث حوّل البعض مواقع التعارف و المباشر عبر فايسبوك  قصد الزواج التي شهدت تزيدا كبيرا على الإنترنت من فضاء إلكتروني يسهل التقريب بين كلا الجنسين إلى مواقع إغواء وتحرش رغم الرقابة الصارمة من قبل إدارة هذه المواقع.
ولم تعد مسألة إنقاذ المجتمعات العربية  ، التي  كشفت العديد من الإحصائيات لديها عن ارتفاع معدلات البحث من قبل كل شرائحه عن المواقع الإباحية بوتيرة متسارعة، هي الشغل الشاغل للكثير من الجمعيات التوعوية ومؤسسات الدول الإرشادية، بل أصبح همها ملاحقة مستخدمي شبكة الإنترنت الباحثين عن وعاء لإفراغ شحناتهم الجنسية الناتجة عن مشاهداتهم للمواد الإباحية وتجربة محتوياتها الجنسية بين أرض الواقع من خلال انتعاش جرائم الاغتصاب وبين العالم الافتراضي عبر توزيع الفتيان لصور فارس الأحلام الخيالي بين صفحات الحالمات بالزوج الرومانسي وجرهن إلى إرسال صورهن عاريات وفتح كاميرات أجهزتهن الذكية وهن مجردات من ملكة العقل قبل ثيابهن مسلوبات الإرادة مسحورات بعوالم وردية تعمق الفجوة الافتراضية وتحملهن على أجنحة أوهامهن بعيدا عن الواقع.
وهذا لا يعني أن الشباب فقط من يشاهد المواقع الإباحية على النت فالإحصائيات أظهرت أيضا إقبالا كبيرا من جانب الشابات كذلك، مما يؤكد حاجة المجتمعات العربية الماسة لمراجعة كل تمثلاتها حول الحياة التي تحياها في الوقت الراهن، ولا سيما في ظل تنامي التغلغل التكنولوجي الكبير في ثنايا هذه الحياة التي تشهد عدة تغييرات جذرية في نواميسها وسلوكياتها وخلفياتها الأيديولوجية، إذ أن انحراف الشباب يجد مباركة تقنية تساعده على نشر أفكاره الغريبة وتفتح له مساحات شاسعة للتأثير والتأثر بمن حوله من خلال إنشاء غروبات على موقع فيسبوك مثل “زواج متعة” أو إطلاق هاشتاغات وتغريدات على تويتر من قبيل “زواج متعة/ مسيار/ حب/ طيب ألا يوجد إلكتروني”.
ولعل ما يثير التساؤل أكثر، في وقت ترمي حملة (مي-تو) المنددة بالتحرش الجنسي بظلالها على كل المناسبات والفعاليات العالمية جاهرة بمرتكبي هذه الجرائم، لو قرر أحد ضحايا التحرش أو الزواج الإلكتروني شن حملة مماثلة فهل ستجد دعما وأصواتا تفضح المستور وتزيح النقاب عن جرائم شرف إلكترونية منتشرة بين مختلف منصات المواقع الاجتماعية وتطبيقات الأجهزة الذكية؟

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: