الجزائر تبدأ رحلة التخلي عن دعم الفقراء
مساع لمواءمة دعم السلع والخدمات مع مستويات الدخل وسط ترجيحات بانفجار احتجاجات شعبية بسبب نظام الدعم المرتقب.
مغامرة حكومية محفوفة بالمخاطر
عاد الجدل داخل الأوساط الاقتصادية في الجزائر حول عزم الحكومة إصلاح نظام الدعم المقدم للفقراء رغم تأكيد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الإبقاء على السياسة الاجتماعية المترهلة التي تعتمدها الدولة منذ ستينات القرن الماضي.
ويعطي هذا التناقض دليلا على ارتباك السياسات الاقتصادية للسلطات التي تبحث عن طوق نجاة من الأزمة التي تعيشها الدولة منذ منتصف 2014 بسبب التدهور المتسارع لعائدات صادرات الخام.
وطل وزير المالية عبدالرحمن راوية للمرة الثانية خلال وقت سابق من هذا الشهر ليقول إن “تنفيذ سياسة رفع الدعم ليس سوى مسألة وقت”، وذلك بعد أيام من تأكيد بوتفليقة أن الدعم الحكومي للفقراء أمر لا يمكن التراجع عنه رغم تبعات الأزمة النفطية.
وأوضح راوية في كلمة له أمام البرلمان أنه لا مفر من رفع تدريجي لسياسة الدعم الحكومي، التي قال إنها ستتم وفق شروط.
وتشير التقديرات الرسمية إلى أن عدد المستفيدين من سياسة الدعم يبلغ نحو عشرة ملايين جزائري من إجمالي سكان البلاد البالغ عددهم نحو 42 مليون نسمة.
وقال المدير العام بالنيابة للوكالة الوطنية للتنمية الاجتماعية، في وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة، الهادي عوايجية، للإذاعة الجزائرية، إن الوكالة “تتكفل بأكثر من 1.1 مليون شخص عبر مختلف برامج الدعم”.
ويعتمد نظام الدعم المعمول به حاليا على ركيزتين أساسيتين، الأولى التحويلات الاجتماعية، وهي مخصصات مالية في الموازنة لتمويل الصحة والتعليم المجانيين لكل الجزائريين مهما كان دخلهم، إضافة إلى توفير السكن بأسعار منخفضة.
وتتعلق الركيزة الثانية بتعويض سياسة مراقبة الأسعار المعتمدة إلى سنوات 1990، بدعم المواد الغذائية الأساسية وهي الخبز والزيت والسكر والطحين والحليب، إضافة إلى دعم أسعار الكهرباء والغاز والنقل.
ومن الواضح أن نظام الدعم بشكله الحالي أثر كثيرا على المالية العامة لا سيما وأن الجزائر، عضو منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، تعتمد على هذا المورد الذي يؤمن أكثر من 90 في المئة من احتياطات النقد الأجنبي، ونحو 60 في المئة من موازنة الدولة سنويا.
ورصدت الجزائر حوالي 17 مليار دولار للدعم في موازنة هذا العام، ويتوزع ما بين دعم مباشر بمبالغ مالية للمعنيين به، وغير مباشر بتحمل الدولة لفارق سعر تسويق المنتجات واسعة الاستهلاك.
تمضي الجزائر قدما في مغامرة محفوفة بالمخاطر لإصلاح نظام الدعم الحكومي، الذي يستنزف احتياطاتها من العملة الصعبة، في ظل أزمة تراجع عوائد صادرات الطاقة. ويقول اقتصاديون إن الخطوة قد تهدد السلم الاجتماعي رغم الإقرار بأنها ضرورة حتمية
ويبرز قطاع الإسكان ضمن أحد محاور الدعم، حيث يتم توفير مساكن مجانية للفقراء الذين لا يتعدى دخلهم الشهري 240 دولارا تقريبا. كما يشمل الدعم مبالغ تقدم نقدا لذوي الاحتياجات الخاصة والأرامل وربات المنازل ومحدودي الدخل بين 50 و100 دولار شهريا.
وكشف وزير التجارة محمد بن مرادي في مقابلة مع وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية مطلع فبراير الماضي عن خطة عمل للحكومة لتوجيه الدعم فقط للفئات المحتاجة. وقال إن الوزارة “تسعى لاعتماد وسيلة دفع تضمن وصول الدعم لمستحقيه على غرار الصكوك المالية”.
وأشار بن مرادي إلى أنه سيتم تحديد قائمة للأشخاص والعائلات التي يمكنها الاستفادة من دعم الدولة، وستحدد بالتعاون مع وزارة الداخلية وصندوق التأمينات الاجتماعية ومديريات التضامن الوطني في كافة الولايات.
لكن وزير الداخلية نورالدين بدوي خرج بعد أسبوع منذ ذلك بتصريحات متناقضة تماما مع وزيري التجارة والمالية، وقال إن بوتفليقة “وجه تعليمات لمواصلة سياسة الدعم الاجتماعي رغم الظرف الاقتصادي الصعب”.
وأكد هذا الموقف رئيس الوزراء أحمد أويحيى خلال تجمع شعبي في ولاية بسكرة جنوب البلاد بعد ثلاثة أيام من تصريحات وزير الداخلية.
ويقول مصطفى مقيدش، نائب رئيس المجلس الوطني الاجتماعي والاقتصادي، وهو هيئة حكومية، إن “هناك ضرورة إلى التوجه حاليا نحو الدعم الموجه لمستحقيه”، مذكرا أن الإعانات التي تقدمها الدولة كل سنة تمثل 15 في المئـة من الناتج الداخلي الإجمالي.
وتفاعل الجزائريون سريعا مع تصريحات وزراء الحكومة بخصوص نظام دعم في منصات التواصل الاجتماعي وعبر وسائل الإعلام.
وعلقت صحيفة الخبر الجزائرية على مساعي السلطات بالقول إن “الحكومة ترفع يدها عن الدعم”، مشيرة إلى أن الخطوة التي كانت مجرد فكرة في 2014 بصدد تجسيدها على أرض الواقع.
ودون نشطاء على فيسبوك تعليقات مختلفة لكنها ارتكزت على محور الضغوط التي يمارسها صندوق النقد الدولي على الجزائر لرفع الدعم عن الوقود وتخفيض الأجور وغيرهما.
ومع دخول الاقتصاد الجزائري في الأزمة المالية عقب تهاوي أسعار النفط، أوصى صندوق النقد الجزائر أكثر من مرة بضرورة إدخال إصلاحات عاجلة للخروج تدريجيا من الأزمة.
ويقول الخبير الاقتصادي لدى الصندوق أندرو جويل إن حوالي 20 في المئة من الجزائريين الأكثر ثراء يستهلكون 6 مرات أكثر من الوقود من حوالى 20 بالمئة الأكثر فقرا.