الرابطة اليهودية العالمية تسلم المغرب نسخا رقمية من أرشيفاتها
أرشيفات الرابطة اليهودية تعتبر مصدرا لا غنى عنه لمقاربة تاريخ اليهود المغاربة، وتنير جوانبا مجهولة من التاريخ المغربي.
شركاء في بناء تاريخ الوطن
ترك التراث اليهودي أثرا كبيرا في الثقافة المغربية، سواء في المعيش اليومي، من طبخ وصناعة تقليدية وطب بديل، أو من خلال الثقافة والفنون والسياسة. تعايش المسلمون واليهود في المغرب في سلم وأمان للآلاف من السنين، إلى درجة أن من المغاربة من تزوج منهم وخاض معهم شراكات تجارية من دون تفرقة أو عنصرية أو تشدد. فاليهودي المغربي، وحتى اليوم، لا يجد مشكلا في السفر والتجوال والتردد على الإدارات لقضاء مآربه في سلم وأمان، فهو حسب قانون المملكة المغربية مغربي كامل الوطنية.
وقد سعت حكومة سعدالدين العثماني وكل الحكومات المغربية المتعاقبة، إلى التعريف بالأثر اليهودي المغربي في المغرب، وتعريف الأجيال الصاعدة بتراث أبناء وطنهم في البلاد التي استوطنوها الآلاف من السنين فأثروا وتأثروا بمكوناتها الإنسانية والاجتماعية التي تمتد منذ ذلك العهد إلى اليوم.
ومن هذا التوجه وعلى أساسه، تم التوقيع السبت الماضي على اتفاقية شراكة بين أرشيف المغرب والرابطة اليهودية العالمية، أعلنت من خلاله مؤسسة أرشيف المغرب أنها تسلمت من رابطة اليهود المغاربة المنتشرين في العالم اليوم، نسخة رقمية من رصيد وثائقي غني بالمعلومات يغطي الفترة المتراوحة ما بين سنوات 1862 و1940، وهو رصيد يضم نحو 1100 ملف رقمي، مجموع صفحاته 235 ألفا و630 صفحة.
تاريخ بلد لا يكتب بلغة دينية أو طائفية، وإنما يكتب بتضافر جهود كل مكونات الوطن وثقافاته، ولذلك فإن الاطلاع على تاريخ مكون ديني أو عرقي معين في مرحلة معينة، هو النهاية تعرف على صفحة من صفحات تاريخ الوطن برمته، ولذلك فإن التعرف على أرشيف اليهود المغاربة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، مفيد لتمثل التاريخ المغربي وتاريخ المنطقة بشكل أوسع، والدليل أن الدستور المغربي للعام 2011 يشدد على أن التراث اليهودي جزء أساسي من التراث والهوية المغربيين
وفي تصريح الأحد الماضي في الرباط، أكد الدكتور جامع بيضا مدير مؤسسة أرشيف المغرب، أنه تم التوقيع السبت الماضي على اتفاقية شراكة حول موضوع تسلم مؤسسة أرشيف المغرب نسخة الرصيد الوثائقي لليهود المغاربة من يد مارك إيزنبرك رئيس الرابطة اليهودية العالمية، مشيرا إلى أن الأرشيفات التاريخية للرابطة اليهودية العالمية في الفترة ما بين 1860 و1940 “تعتبر مصدرا لا غنى عنه لمقاربة تاريخ هذه الجمعية وتاريخ اليهود المغاربة”، التي يمكنها أن “تنير عددا من الجوانب الأخرى من التاريخ العام المغربي”.
وأضاف الدكتور بيضا أن ذلك بالضبط هو ما جعل مؤسسة أرشيف المغرب، التي تضطلع بمهام جمع مصادر الأرشيف الموجودة في الخارج وحفظها وتيسير الاطلاع عليها وفق ما جاء في القانون المنظم للأرشيف رقم 99/69 المؤرخ في 30 نوفمبر 2007، تتبنى المبادرة وتتحمس لتفعيلها.
وكانت مؤسسة أرشيف المغرب أصدرت بلاغا بمناسبة توقيع اتفاقية التعاون مع رابطة اليهود المغاربة، توصلت “العرب” بنسخة منه، أفاد بأنه تم في المغرب في مدينة تطوان شمال المملكة عام 1862، إنشاء أول مدرسة تابعة للرابطة اليهودية العالمية، وذلك قبل أن تنتشر شبكتها المدرسية لتشمل حواضر مغربية أخرى.
وأوضح البيان أن تلك المدارس ساهمت في تحرير الشباب، ذكورا وإناثا، من خلال محو الأمية والتعليم باللغات الفرنسية والعبرية والعربية، التي تم اعتمادها لخلق انسجام تواصلي واجتماعي بين المسلمين واليهود المغاربة.
وفي أواخر أربعينات القرن الماضي، يضيف البلاغ، أنشأت الرابطة اليهودية العالمية مؤسسات تعليمية جديدة واصلت عملها بعد استقلال المغرب في سنة 1956، وذلك من خلال دمج اللغة العربية في برامجها التعليمية، بالإضافة إلى تلقين التلاميذ أسس بعض المهن الفنية والزراعية، وبعدها أنشأت الرابطة اليهودية مؤسسات جديدة واصلت عملها بعد استقلال المغرب من خلال أربع مؤسسات بالدار البيضاء كانت تفتح أبوابها للأطفال اليهود والمسلمين على حد السواء.
ويذكر أن وفدا فرنسيا رسميا رفيع المستوى، ترأسته الوزيرة الفرنسية المكلفة بالشؤون الأوروبية ناتالي لوازو ووزيرة الثقافة الفرنسية فرنسواز نيسن، وصل إلى المغرب في وقت سابق للتشاور حول رصيد، وصف بالمهم، من ذاكرة اليهود المغاربة يوجد بمراكز الأرشيف الفرنسية مكون من 43 ألف وثيقة رقمية متعلقة باليهود المغاربة خلال الفترة التاريخية ما بين 1864 و1956، وهو رصيد مهم جدا سيساهم في إغناء الرصيد الأرشيفي وحفظ الذاكرة اليهودية المغربية.