هل تسبب التغير المناخي في “جنون” الطقس
المدن الأوروبية ومناطق أخرى من العالم تشهد عواصف ثلجية كبرى أربكت حركة التنقل وعطلت المدارس والمحلات التجارية، والعلماء يتساءلون عن دور التغير المناخي في هذا الانقلاب الغريب في الطقس.
تحذيرات من الدرجة الأولى في بريطانيا من الوحش القادم من الشرق
لندن – تشهد العديد من الدول في مختلف أوروبا، كما في مناطق أخرى من العالم، من ذلك دول في آسيا، عواصف ثلجية كبرى أربكت حركة التنقل بالسيارات ووسائل النقل وعطلت المدارس والمحلات التجارية، كما أثرت على حركة الطيران وتسببت في وفاة عدد من الأشخاص في أوروبا بينهم الكثير من المشردين.
وأصدرت أيرلندا تحذيرا وطنيا باللون الأحمر بسبب الطقس، مع تحذيرات مماثلة في مناطق في بريطانيا. وغطت الثلوج العديد من المناطق وعم جو من البرد القارس، ما أربك الوضع العام، في أكثر الأيام برودة تشهدها بريطانيا في هذا الوقت من العام، وقد بلغت 12 تحت الصفر في بعض المناطق الريفية.
وقالت السكك الحديدية البريطانية إنه سوف يتم إلغاء جميع خدمات القطارات في وقت متأخر الخميس وصباح الجمعة في المناطق التي تشهد التحذيرات الحمراء. وجاءت التحذيرات مع استمرار الطقس المتجمد في تأثيراته على الطرق والسكك الحديدية والملاحة الجوية بأنحاء غرب أوروبا، حيث تسببت الأمطار الثلجية الكثيفة في غلق مطار جنيف لعدة ساعات وإلغاء الرحلات الجوية أو تأجيلها في الكثير من المطارات الأخرى.
وأفادت وكالة الأرصاد الأيرلندية، ميت إيريان، أن الأمطار الثلجية الغزيرة يمكن أن تتسبب في “تراكمات على مستويات كبيرة، مع تعرض جميع المناطق لهذا الخطر”. وحذرت من عواصف ثلجية وتكدسات للثلوج في بعض المناطق، ومن المتوقع أن تسجل المناطق الساحلية الشرقية والجنوبية الطقس الأسوأ.
وأصدرت بريطانيا تحذيرات باللون الأحمر في منطقتي جنوب غرب انكلترا ووسط أسكتلندا، مع تحذيرات أقل في الدرجة في معظم أنحاء البلاد، حيث تأتي العاصفة إيما لتفاقم من الأزمة التي سببتها الثلوج الناجمة عن جبهة باردة في وقت سابق هذا الأسبوع أطلق عليها “بيست فروم إيست”.
فرضت العواصف الثلجية غير المعتادة في هذا الوقت من العام في معظم أنحاء أوروبا إعلان حالة الطوارئ بعد أن تسببت في إغلاق الطرقات والمدارس وتعطل حركة المرور. وتأجل عدد كبير من الرحلات الجوية والبرية بسبب هذه العواصف السيبيرية التي تجتاح عددا من مدن العالم، فيما يشهد القطب المتجمد الشمالي ارتفاعا قياسيا في درجات الحرارة وهو ما دفع العلماء إلى التساؤل حول ما إذا كان التغير المناخي يلعب دورا في هذا الانقلاب الغريب في الطقس.
وضربت الثلوج المقاصد السياحية الشهيرة في إيطاليا، مما اضطر السلطات إلى غلق قبة كاتدرائية مدينة فلورنسا الشهيرة، وبرج “كامبانيل جيوتو” المعروف بأجراسه. وغطت الثلوج الشواطئ، حتى في جنوب البلاد. وقد ضربت الثلوج حتى الآن مدن روما والبندقية وسيينا وبيزا وفلورنسا ونابولي. أما في جنوب فرنسا، فقد تم الليلة الماضية إجلاء 1500 على الأقل من قائدي السيارات الذين تقطعت بهم السبل، من سياراتهم التي كانت متوقفة على الطرق السريعة بالقرب من مدينة مونبلييه، بحسب ما ذكرته السلطات.
وأفادت تقارير بعدم تمكن مئات آخرين من مغادرة مركباتهم. وسجلت بلدية فولدال النرويجية، الواقعة بمقاطعة هدمارك في جنوب شرق البلاد، أكثر درجات الحرارة برودة في أوروبا، بانخفاضها إلى ناقص 41.8 درجة مئوية، بحسب ما ذكرته هيئة الإذاعة الوطنية النرويجية نقلا عن المعهد النرويجي للأرصاد الجوية. وتجمدت الحواجز الصخرية الواقعة على البحر الميت في منطقة كونستانتا في رومانيا بفعل درجات الحرارة المنخفضة.
ورغم أن الطقس البارد وانخفاض درجات الحرارة بشكل كبير أمر اعتيادي بالنسبة للمناخ الأوروبي، إلا أن موجة الصقيع الراهنة التي أطلق عليها في فرنسا “موسكو-باريس” وفي هولندا “دب سيبيريا” وفي السويد “مدفع الثلج” وفي بريطانيا “وحش الشرق”، تعتبر أمرا مناخيا طارئا.
وسجل ارتفاع مفاجئ في درجات الحرارة فوق القطب الشمالي تخطت بثلاثين درجة المعدلات الموسمية، وهي ظاهرة قصوى تندرج في إطار الاحترار المسجل في المنطقة. وتسبب ذلك في إضعاف التيار الذي يأتي بالهواء الدافئ من المحيط الأطلسي.
وبينما وصلت الحرارة إلى 35 درجة تحت الصفر في بعض مناطق وسط روسيا الأحد و12 تحت الصفر في بولندا و10 تحت الصفر في شرق فرنسا، سجل القطب الشمالي الغارق في ظلام دامس خلال الليل القطبي درجات حرارة فوق الصفر، بفضل موجات من الهواء الدافئ.
وأوضح اتيان كابيكيان، الأخصائي في هيئة الأرصاد الجوية الفرنسية، أن تيارات من الهواء الدافئ اتجهت صعودا من أيسلندا إلى القطب الشمالي في مقابل نزول موجات من الهواء البارد من الأورال وروسيا الغربية في اتجاه أوروبا الغربية. وأشار كابيكيان إلى ترابط مباشر بين موجة الدفء في القطب الشمالي والبرد في أوروبا.
وقال “تشير تقديراتنا إلى أن الحرارة قاربت الصفر في القطب الشمالي”، مستندا إلى بيانات تم الحصول عليها بعمليات إعداد نماذج بسبب عدم وجود أي محطة للأرصاد الجوية في هذه المنطقة. وللحصول على قياسات أكثر دقة، يجب التوجه إلى أقصى شمال غرينلاند حيث “سجلت الأحد حرارة عند 6.2 درجات مئوية” وفق اتيان كابيكيان الذي أشار إلى أن “هذا المستوى استثنائي وهو أعلى بحوالي ثلاثين درجة مئوية من المعدلات الموسمية وحتى بـ35 درجة مئوية في هذا القياس المحدد”.
وفي المقابل شهد يناير 2018 ارتفاعا في درجات الحرارة في أوروبا وكثافة أقل للجليد في المحيطين المتجمدين الشمالي والجنوبي. وأظهرت البيانات أن الحرارة ارتفعت درجتين عن المعدل العام في أوروبا. وهي السنة الرابعة التي تسيطر فيها الحرارة الدافئة على أول شهر فيها مع تسجيل رقم قياسي جديد.
العاصفة تمتد إلى الصين واليابان
تمتد الموجة الباردة إلى الصين حيث أصدر مركز الأرصاد الجوية الوطني تحذيرا من اللون الأصفر، ويتضمن نظام التحذير أربعة ألوان، الأحمر وهو الأشد ثم البرتقالي ثم الأصفر ثم الأزرق، بسبب العواصف الثلجية على مناطق شمال شرقي البلاد.
وسقطت ثلوج كثيفة على شمال شرقي الصين، الأربعاء، ما تسبب في تأجيل رحلات طيران على الخطوط الداخلية والخارجية وإغلاق الطرق السريعة وتعطيل المدارس وأغلقت الطرق السريعة أمام حركة المرور في مقاطعتى سيلين ولياونينغ، شمال شرقي البلاد.
وفي اليابان ذكرت وسائل إعلام محلية الخميس أن نظاما لضغط جوي منخفض جلب عاصفة ثلجية لشمال اليابان، مما اضطر السلطات لإلغاء 280 رحلة جوية وأكثر من 150 رحلة بالقطار. وأفادت صحيفة هوكايدو شيمبون أنه تم إغلاق أكثر من 200 مدرسة في جزيرة هوكايدو بأقصى شمال اليابان، بعدما ضربت عواصف قوية وثلوج المنطقة.
وقالت الصحيفة إنه تم إلغاء العشرات من الرحلات البحرية، كما تم إغلاق أجزاء كثيرة من الطرق السريعة الرئيسية. ومن المتوقع أن تسقط ثلوج بكثافة تصل إلى 60 سنتيمترا في هوكايدو بحلول مساء الجمعة وتصل إلى 50 سنتيمترا في شمال شرق اليابان، وفقا لما ذكرته هيئة الأرصاد الجوية اليابانية.
وحذرت هيئة الأرصاد من هبوب رياح قوية وأمواج عاتية بالإضافة إلى خطورة وقوع انهيارات جليدية وعرقلة حركة المرور في شمال شرق البلاد وفي جزيرة هوكايدو. وأضافت الهيئة أن العاصفة يمكن أن تولد موجات مد تصل إلى 8 أمتار في شمال ووسط اليابان وزوابع تصل سرعتها القصوى إلى 144 كيلومترا في الساعة
انحسار الطوف الجليدي
ذكر جوناثان واتس، محرر البيئة، في صحيفة الغارديان، أنه ثمة موجة من الحر المثير للقلق تجتاح شتاء القطب الشمالي الذي يفتقر في هذه الفترة لضوء الشمس. وتتسبب هذه الموجة في عواصف ثلجية في أوروبا وتجبر العلماء على إعادة النظر حتى في أكثر توقعاتهم تشاؤما بما يتعلق بالتغير المناخي.
ويؤكد العلماء أن درجات الحرارة المرتفعة في القطب الشمالي ناتجة عن ظاهرة قصوى لكنها ليست استثنائية، إذ سجلت درجات حرارة فوق الصفر قرب القطب الشمالي في الشتاء أربع مرات بين 1980 و2010، بحسب الأخصائي في علم المناخ في المعهد القطبي النرويجي روبرت غراهام.
علماء المناخ يشيرون إلى أنه من الممكن رؤية المحيط المتجمد الشمالي من دون جليد بحلول 2050 خلال الصيف
علماء المناخ يشيرون إلى أنه من الممكن رؤية المحيط المتجمد الشمالي من دون جليد بحلول 2050 خلال الصيف
وأشار غراهام إلى تسجيل مثل درجات الحرارة هذه خلال فصل الشتاء في السنوات الخمس الأخيرة. وقال اتيان كابيكيان أيضا “لدينا فصل شتاء استثنائي في المنطقة القطبية الشمالية، شتاء العام الماضي كان أيضا كذلك وليس من المجازفة القول إن الشتاء المقبل سيكون على هذا النحو بدوره، المنحى واضح جدا.. وهو احترار المنطقة القطبية الشمالية”.
لكن هل يمكن نسب هذه الظاهرة إلى الاختلال المناخي المسجل عالميا؟ “من الصعب القول إن حدثا ما مرتبط بالاحترار المناخي، لكن المنحى الذي نشهده وهو الحرارة المرتفعة في المنطقة القطبية الشمالية والصقيع القاري (في أوروبا) قد يكون متصلا بالتغير المناخي”، وفق خبيرة المناخ في معهد بوتسدام للبحوث بشأن التغير المناخي مارلين كريتشمر.
ولا تنبئ هذه الفصول الجديدة من ارتفاع درجات الحرارة بالخير على صعيد الطوف الجليدي الذي وصل سطحه إلى أدنى مستوياته الفصلية منذ البدء بتسجيل قياسات قبل أكثر من نصف قرن.
وفي محيط أرخبيل سفالبارد النرويجي في شرق غرينلاند، بلغت مساحة سطح الجليد 205 آلاف و727 كيلومترا مربعا أي أقل من نصف معدل المساحة في الفترة بين 1981 و2010 بحسب بيانات نرويجية. وبشكل عام، يشير علماء المناخ إلى أنه من الممكن رؤية المحيط المتجمد الشمالي من دون جليد بحلول 2050 خلال الصيف.
ونقلت الغارديان عن مايكل مان، مدير مركز علوم نظام الأرض في جامعة ولاية بنسلفانيا، قوله إن ما يجري أمر شاذ، مضيفا أنه ينذر بأن هناك المزيد من المفاجآت، وذلك بينما يواصل الناس استعداء الوحش الغاضب المتمثل في المناخ؛ فيما وصف خبراء في علم الطقس ما يحدث بأنه “صدمة غريبة وجنونية”.
ويشير تقرير الغارديان إلى ما يطلق عليه العلماء فرضية “القارات القطبية الدافئة والقارات الباردة”، حيث تصبح الدوامة القطبية أقل استقرارا حيث تمتص المزيد من الهواء الدافئ وفي المقابل تطرد المزيد من الجبهات الباردة مثل تلك التي تشهدها حاليا دول أوروبية.
ويقول روبرت روهدي الخبير في مؤسسة بيركلي إيرث إن “الحرارة ترتفع بشكل سريع في القطب الشمالي، ويمكننا أن نتوقع أن السنوات المقبلة سوف تجلب لنا المزيد من الأمثلة على الطقس غير المسبوق”، فيما يؤكد جيسبر ثيلغارد عالم الأرصاد الجوية، أن “ما تم رصده في الفترة الأخيرة يعتبر خارج أحداث الاحتباس الحراري السابقة،” مضيفا أنه “لا شك أن أحداث الاحترار هذه تجلب المتاعب للإنسان وللطبيعة”.