مسلمو أميركا.. ماذا سيحدث حين يأخذون مكان اليهود من حيث العدد
المسلمون في الولايات المتحدة الأميركية ليسوا كتلة متجانسة على الأصعدة الاجتماعية والثقافية وغيرها، لكن النظرة إليهم من طرف المكوّنات المجتمعية الأخرى، تجعلهم شبه موحدين، خصوصا مع ظهور الإسلام السياسي وما رافقه من موجات تكفيرية، ومن هنا تأخذ الدراسات والاستبيانات المتعلقة بوضعهم ومستقبلهم أهميتها خصوصا وأن عددهم سيتزايد في العقدين القادمين ليأخذوا مكان اليهود من حيث العدد، فهل سيكون تأثيرهم ذا أثر ملموس لدى مراكز القرار؟
تشير تقديرات صادرة عن مركز “بيو” للأبحاث بأنه وبحلول سنة 2040 سيأخذ المسلمون مكان اليهود بصفتهم ثاني أكبر مجموعة دينية في الولايات المتحدة بعد المسيحيين. وبحلول سنة 2050 سيبلغ مجموع عدد السكان المسلمين 8.1 مليون نسمة، أي ضعف العدد الحالي تقريبا.
كيف سيؤثر هذا النمو على الطريقة التي تنظر بها أميركا للمسلمين، وما حجم هذا “التهديد”؟ قال بشير محمد، المؤلف الرئيسي لدراسة “بيو” بأن المسلمين سيكونون أكثر تأثيرا في المجتمع الأميركي، إذ بإمكان “الناس الذين يعرفون المسلمين شخصيا أن يكتسبوا نظرة أكثر إيجابية تجاه المسلمين مقارنة بالناس الذين لا يعرفون المسلمين. إذن إذا كان هناك عدد أكبر من المسلمين سيكون عندها هناك عدد أكبر من الأميركيين الذين يعرفون المسلمين شخصيا”.
يصعد الكثير من المسلمين في الولايات المتحدة إلى قمة الوظائف التي يختارونها، والكثير منهم يتولون إلى المناصب العليا في الحكومة الفيدرالية وفي صفوف الحكومات الأميركية عبر البلاد.
ومع زيادة فترة وجود المسلمين في أميركا، واستقرارهم أكثر، سنرى عددا أكبر من المسلمين في جميع مناحي الحياة ولديهم قدر أكبر من التأثير مثلما هو الشأن في الكونغرس.
ولقد بدأنا بعدُ نشهد ذلك بما أنه يوجد المزيد من المسلمين حاليا في الكونغرس مقارنة بعشر سنوات مضت. يميل المسلمون في الولايات المتحدة إلى أن يكونوا بنفس رفاهية الجمهور الأميركي عموما، إذ تكسب 24 بالمئة من العائلات المسلمة في الولايات المتحدة أكثر من مئة ألف دولار في السنة مقارنة بـ23 بالمئة للسكان عموما. لكنّ المسلمين المولودين في الولايات المتحدة معرضون للهبوط إلى أسفل سلّم الأجور حيث تتقاضى 40 بالمئة من العائلات المسلمة أقل من 30 ألف دولار سنويا.
المساندون للحزب الجمهوري يتبنون وجهات عن الإسلام، أكثر سلبية من الديمقراطيين والمساندين للحزب الديمقراطي
وقال بشير بأن المسلمين هم السكان الأصغر سنا من عامة سكان البلاد، لذلك يفترض أن يكونوا قد أتمّوا لتوّهم تعليمهم العالي وهم الآن بصدد البحث عن وظيفة، وبالتالي فلن يتقاضوا نفس الراتب مثل شخص كان في المجال لعشرين سنة.
وهكذا ليس هو المسار الذي يسيرون فيه، بل هو مجرّد المكان الذي يوجدون فيه في حياتهم حاليا. والكثير من المسلمين المولودين في الولايات المتحدة هم أميركيون من أصول أفريقية اعتنقوا الإسلام، ومن المعروف أن الأميركيين من أصول أفريقية يميلون عموما إلى كسب مداخيل أقل.
ويتميّز المسلك الذي يتخذه مسلم مولود في بلاد أجنبية للوصول إلى وظيفة عالية الأجر بالاختلاف عادة عن المسلك الذي يتخذه مسلم مولود في الولايات المتحدة.
ويضيف بشير بأن الكثير من المسلمين في الولايات المتحدة المولودين في الخارج قدموا إلى هنا لأن لديهم مهارات مطلوبة جدا ويعملون في وظائف بأجور مرتفعة. ومن الناحية المؤسساتية لديهم علاقات جيدة في الخارج لذلك اختصروا الطريق إلى النجاح.
الأميركيون الأكبر سنا وأولئك الذين لديهم مستويات متدنية من التحصيل العلمي يميلون إلى أن يكونوا أكثر سلبية من الآخرين في نظرتهم إلى الإسلام والمسلمين.
أما بالنسبة إلى المسلمين المولودين في أميركا فيمكن أن يتوقف نجاحهم على مدى معرفة آبائهم وأمهاتهم كيفية التعامل والاندماج في المنظومة الأميركية. لكن 24 بالمئة من المسلمين الأميركيين لديهم أولياء مولودون في الولايات المتحدة، والكثير منهم أبناء لآباء اعتنقوا الإسلام. ويقول بشير بأن هذه المجموعة الأخيرة لديها دراية وأفضلية في معرفة المنظومة الأميركية.
وعلى الرغم من كل المؤشرات الإيجابية لدى المسلمين الأميركيين، يُنظر إليهم بشكل سلبي في بعض الأوساط. أشارت دراسة بشير محمد، التي أجريت في سنة 2017 بأن 50 بالمئة من الأميركيين لا يرون الإسلام بصفته جزءا من المجتمع السائد، ويعتقدون أن هناك تضاربا وتناقضا بين الإسلام والديمقراطية، حيث قال أحد المستجوبين في هذه الدراسة، وبشكل حاسم ‘لا وجود للديمقراطية في الإسلام”.
ويعتبر البعض بأن هناك سوء فهم بما أن عامة الناس لا يفهمون الإسلام أو أن الإرهابيين يعطون الإسلام سمعة سيئة، وفي هذا السياق يقول أحد المستجوبين “الكثير من الناس لا يفهمون الإسلام”. ويعتقدون بأنه “الدولة الإسلامية” وهذا ليس صحيحا.
وفي المقابل يعتبر آخرون أن تعاليم الإسلام حول نمط العلاقات الاجتماعية والأسرية لا تتوافق مع الديمقراطية حيث قال أحد المستجوبين “الإسلام يقيّد حرية المرأة”. يميل الجمهوريون والمساندون للحزب الجمهوري إلى تمثّل وجهات نظر عن الإسلام والمسلمين، أكثر سلبية بكثير من الديمقراطيين والمساندين للحزب الديمقراطي. وقال 68 بالمئة من الجمهوريين المستجوبين إن الإسلام ليس جزءا من المجتمع الأميركي السائد، مقابل 37 بالمئة من الديمقراطيين.
كما تشير المعطيات المستخلصة من الدراسة إلى أن الجمهوريين أكثر ميلا بمرتين من الديمقراطيين إلى القول بوجود تضارب طبيعي بين الإسلام والديمقراطية.
البروتستانت الإنجيليون البيض أكثر تحفظا حول الإسلام والمسلمين من الذين ينتمون إلى طوائف ومجموعات دينية أخرى حيث قال قرابة ثلاثة أرباع المستجوبين من الإنجيليين البيض بوجود تضارب طبيعي وتناقض مؤكد بين الإسلام والديمقراطية، بينما لا يتبنّى هذا الرأي النصف تقريبا أو أقل من الذين ينتمون إلى مجموعات دينية كبرى.
الأميركيون الأكبر سنا وأولئك الذين لديهم مستويات متدنية من التحصيل العلمي يميلون إلى أن يكونوا أكثر سلبية من الآخرين في نظرتهم إلى الإسلام والمسلمين.
يقول بشير محمد بأن لدى الأميركيين آراء مختلطة حول الإسلام والمسلمين، إذ يشعر غالبية الأميركيين بأن هناك قدرا كبيرا من التمييز ضد المسلمين. ويعتقدون بوجود تمييز أكبر ضد المسلمين من السود والمثليين واليهود أو أي مجموعة أخرى سألنا حولها.