شاورما السوريين تفوز بقلوب المغاربة رغم لذة الطاجين والكفتة
مطاعم الأكل السوري تنتشر في المغرب ليصل عددها إلى أكثر من 500 مطعم، ويعمل فيها أكثر من 1500 سوري وفدوا في السنوات القليلة الماضية.
الشوارما تتميز باستخدام لحم دجاج ولحم ضأن طازج
يقف المغاربة صفوفا طويلة أمام مطعم “يا مال الشام” وسط الرباط وقت الغداء كل يوم، ليحصلوا على مقاعد فارغة في المطعم، ويتناولوا سندويتشات الشاورما اللذيذة، وآخرون يطلبون صحون مشاو مكونة من سفود للحم الغنم، والكبد، وصدور الدجاج، ولحم الديك الرومي مع المقبلات السورية، كالحمص بطحينة، ومسبحة حمص، والتبولة، والفتوش، ومتبل الباذنجان، وغيرها.
يقول تحسين أبوالمحاسن (30 سنة سوري)، صاحب مطعم شاورما بساحة بيتري ، إن “الشاورما المعمولة بمطعمنا، تتميز أولا باستخدام لحم دجاج ولحم ضأن طازج، فنحن لا نستخدم لحما مجمدا، فما إن يتجمد اللحم حتى يفقد الكثير من صفاته وطعمه عند شيّه وتقديمه للأكل”.
وسط مركز مدينة الرباط، قبل نفق معارض الرسم وقريبا من ساحة “بلاس بيتري”، تمتلئ صدور المغاربة والزوار برائحة الشوارما السورية الذهبية اللون، وهي تدور حول محاورها، نصف وجهها للنار ونصفها الآخر لسكاكين “الشاورمتية” الحادة، وهم بأرديتهم الحمراء وسكاكينهم تمر على القضبان بمهارة، وبطء، فتتناثر في درع معدني تحمله أيديهم الأخرى قطع اللحم المشوي مع زيته وبصله ومطيباته ورائحته الزكية ثم يلفونها في أرغفة الخبز ويقدمونها سندوتشات للزبائن.
أبوالمحاسن يتابع يوميا موضوع اللحم الطازج المستخدم، فيقول “هذا جانب مهم من اهتمامي اليومي، وكذلك توجد خلطة سرّية للتوابل المستخدمة في تتبيل هذه اللحوم، وإعدادها، ولنا طريقة خاصة في جعلها تتشبع بالعطرية المستخدمة، ومدة محدَّدة لتتشبع بها”.
يحرك “الشاورماتي” سكينه الطويلة، ليقوم بجز طبقة من الشاورما الساخنة، التي تحول لونها إلى اللون الذهبي، وهي دلالة على النضوج، فيحوّلها إلى قطع صغيرة يضعها في درع صغير، ثم يدير يدويا قضيب الشاورما، لكي يتعرض جزء آخر من اللحم المنضَّد في القضيب إلى وهج النار.ويستطرد تحسين، “توجد محلات افتتحها أشقّاء مغاربة، لكنهم لم يعرفوا خطوات عمل الشاورما السورية، وخلطة توابلها السرية، فكانت سندويتشاتها لا تملك الذائقة نفسها، ولا الجودة التي عشقها المغاربة في المطاعم السورية، لذلك أغلقت هذه المطاعم بعد فترة قصيرة، وتحوّل أصحابها إلى نشاط آخر”.
وعلى منضدة صغيرة، وبكفين مغطاتين بقفازين من المطاط الطبي، يهيئ عامل آخر الخبز السوري، الذي بدوره تتم تهيئته في فرن خاص في جانب من المطعم لإعداد سندويتش الشاورما.
مطعم أبوالمحاسن صغير، ولا تتجاوز مساحته الخمسة أمتار مربعة، لكنه كاف لاستقبال عشرين زبونا في كل مرة هذا غير السندويتشات السريعة التي يبيعها للعابرين والتي يسميها أبوالمحاسن “تصبيرة قبل الغداء” فهو ليس غداء بل هو مجرد وجبة خفيفة لذيذة يتناولها الزبون إلى حين حلول وقت الغداء.
هيفاء حلبي (40 سنة) سورية جاءت إلى المغرب عام 2015 مع زوجها، وأولادها بعد سوء الأوضاع في سوريا، جاءت إلى المطعم كي تسد النقص بسبب غياب أحد العمال.
هيفاء في الأيام العادية تبقى في شقتها، لتعدّ لمطعم زوجها قضبان الشاورما من صدور الدجاج، وأخرى من لحم الضأن، وتقوم بتتبيلها بالخلطة السورية التي تعطيها المذاق الخاص، وتتركها لساعتين، كي تتفاعل المطيبات مع اللحم.
تقول حلبي، “يظهر أثر التتبيل في اللحم بعد ساعتين من الزمن، فأرصّها بطريقة خاصة على عمود معدني، مع وضع طبقات فاصلة من شرائح الفلفل الأخضر، وشرائح الطماطم، والجزر لإكمال مكونات المذاق”.
هيفاء تساعد زوجها بما تعلمته من خبرة عائلتها في إعداد الشاورما، وكذلك الحلوى الحلبية، كالشرحات، والوربات بالفستق والمبرومة والزلابية والبسبوسة بالجبن، والكنافة والمدلوقة، وغير ذلك من الحلوى الشامية.
وتعدّ هيفاء الأكل والحلويات للأفراح والمناسبات، تقول، “لا يكلف كيلو الشاورما من اللحم سوى 120 درهما، والدجاج 90 درهما، ومعها صينية بقلاوة بالفستق الشامية، فيكون المجموع 500 درهم”.
وتعتبر هذه الأسعار معقولة، لمن لديه حفلة عرس أو خطوبة، ولذلك يفضل المغاربة التعامل مع مطعمهم بسبب المذاق غير المألوف، وانخفاض أسعارهم مقارنة بالمطاعم الأخرى.
وتستطرد هيفاء ضاحكة، “جارتي المغربية تقول لي حين أحمل لها شيئا من طعام المطعم إنَّها حين تأكل من الشاورما التي نعدّها تغمض عينيها أثناء الأكل لكي تستمتع بكل حواسها بالطعم اللذيذ لما تتناوله من طعام، وخصوصا الحلوى”.
يقول أنيس جبريل (55 سنة سوداني) مقيم منذ عشرين عاما بالمغرب “إنَّ سعر ما يقدم من طعام وخدمة معقول، فسندويتش الشاورما لا يتعدى ثمنه الـ20 درهما (الدولار يساوي 9 دراهم)، ولا تنسى مذاقه الطيب طوال النهار حيث يبقى تحت لسانك بسبب طريقة عمله، والتوابل الخاصة المستعملة في تتبيله وتخميره بها، وهي توابل خاصة، وتعتبر من أسرار المطبخ السوري، ويجلبها العاملون في هذه المطاعم من أمكنة لا يعرفها غيرهم”.
أحمد وإبراهيم وهاجر طلبة بكلية الآداب في الرباط من الزبائن الدائمين لمطاعم الشاورما السورية، يقول أحمد ضاحكا “ستسألنا لماذا الشاورما السورية ووسط الرباط مملوء بمطاعم الوجبات الخفيفة التي تقدم سندويتشات الهمبرغر والكفتة الرباطية والبيتزا، والسردين المدخن وغيرها؟ والجواب ببساطة، أننا نبحث عن الطعام النظيف غير المغشوش، فعدد من المطاعم تشغل عمالا قادمين من البادية، لأنَّ أصحابها يدفعون لهذا النوع من العمالة أجورا منخفضة، هؤلاء أغلبهم يفتقد إلى الخبرة، وبسبب نقص التعليم تكون خدماتهم في المطاعم غير مأمونة العواقب، ولذلك نفضل مطاعم السوريين لأنَّهم يشتغلون بإخلاص وأمانة، ويقدمون الطعام الصحي، طيب المذاق وفي أطباق نظيفة”.
ولهاجر زميلتهم رأي آخر في تفضيلها الشاورما السورية، حيث تقول “ما يقدم لنا يسمى بالفعل وجبة خفيفة، لا نضطرّ بعدها إلى غسل أيدينا وتعطيرها، فهي سندويتشات عملية، ومغذية وطيبة المذاق، ولا ننتظر طويلا لإعدادها”.
ويؤكد إبراهيم أن تفضيل المغاربة لهذا النوع من الوجبات الخفيفة، “بسبب أسعارها المعتدلة، التي تناسب جيوب الطلاب الجامعيين مثلنا، كما أنّها وجبة كاملة يمكننا بعدها أن نبقى في محاضرات الكلية لساعات دون أن نشعر بالجوع”.
يقول أيوب زروالي (65 سنة) عضو في الفيدرالية الوطنية للمطاعم بالمغرب ، ” افتتحت محلات كثيرة للشاورما السورية بالرباط العام الماضي وهذا العام، أكثر من خمسين محلا للأكل السوري والوجبات الخفيفة افتتحت خلال فترة قصيرة ليصل عدد مطاعم الوجبات الخفيفة من الطعام السوري في المغرب إلى أكثر من 500 مطعم، ويعمل فيها أكثر من 1500 سوري وفدوا إلى المغرب خلال السنوات القليلة الماضية، ودخلوا سوق العمل بالمطاعم”.
ويؤكد عبدالسلام بناني متطوع في مؤسسة شرق غرب التي تساعد اللاجئين بالرباط، “التعاون بين السوريين وإخلاصهم في عملهم جعلهم يفتحون مطاعم مشتركة، قدموا فيها الأطعمة والحلويات المعدّة على الطريقة السورية.
والكثير من عمال هذه المطاعم من السوريين -من أصحاب الشهادات العليا- لذا حاز تعاملهم مع الزبائن باحترام وأمانتهم على تقدير المغاربة ومحبتهم، فنجحت مطاعم السوريين في جذب أكبر عدد من الزبائن”.
ويعود سبب هذا الانتشار، كما يقول شعيب أكمير (50 سنة) شيف بأحد مطاعم الرباط ،”إلى جودة مذاق طعام المطعم السوري” الذي لم يعتده المغاربة، وإلى “إخلاص السوريين في عملهم، فهم لا يغشون في كميات اللحم المقدم للزبائن ولا بنوعيته، أو في نظافة ما يعدّه أو ما يقدمه للزبائن”.