الغيث…………….نبض حياة !
عاش أجدادنا منذ قدم الأزل ، يهاجرون من مكان إلى آخر، في رحلة لا تنتهي للبحث عن الماء، و لم يكن هناك ملجأ من ظروف الطبيعة القاسية، كان الإنسان لا يمتلك من العلم ما يجعله قادرا على فهم علاقته بالكون و الطبيعة ، و لكن بالفطرة و على مر العصور و اختلاف الثقافات كان ينظر إلى السماء على أنها مصدر خير ، فبعد معاناة طويلة, هجر الإنسان حياة الترحال و أتقن الزراعة و أصبح اهتمامه كبيرا بالمناخ و تغيراته .
صورة 1
و فجأة شن الجفاف هجوما قويا على الموطن لم يكن في الحسبان ،أرعب السكان و جعل جسدهم الهزل يرتجف بمجرد التفكير فيما سيواجهونه من صعوبات في المستقبل ، كان عدوا جبارا لا يرحم أحدا، لا يفرق بين كبير و صغير، و مع ذلك كانوا أناسا شجعانا ، و هذه المرة قرروا أن يتحدوا أنفسهم و يحققوا المستحيل ،زعموا أنهم لن يشربوا من كاس الخسارة ، تشابكت أصابع أيديهم مكونة دائرة قوية لا توجد فيها فجوة لتسلل الضعف داخلها، و هذا ما شكل انطلاقة الحضارة الإنسانية الجديدة الحديثة ، بدوا العمل الجاد ، بحثوا و جربوا ، مرة فشلوا، لكن لا بد من النجاح ، نعم يا سادة ، لقد نجحوا و حققوا النصر ، و كأنها زهرة تفتحت وسط القحط ، أمل و حياة جديدة ، و سموا زهرتهم هذه با”لغيث.”
تعتبر الفلاحة القطاع الأكثر استهلاكا للماء و الأهم اقتصاديا على الصعيد الوطني، و لكن في السنوات الأخيرة ،لاحت في الأفق بوادر أزمة في المصادر المائية الباطنية، بسبب قلة التساقطات المطرية ،فمست بالأساس مجموعة من الأقاليم الفلاحية بالجهة الدار بيضاء –السطات , أهمها إقليم السطات ، الواقع بمنطقة الشاوية ورذيغة ؛ الغنية فلاحيا ، إذ تصل المساحة الزراعية فيها 933.038 هكتار ، و نظرا للأهمية الفلاحية لهذه المنطقة و مواكبة للتقدم التكنولوجي بهذا الميدان تم بتاريخ 11دجنبر من العام المنصرم تلقيح سحاب إقليم السطات . *
و لاكتشاف و فهم خبايا هذه العملية ، و لسد و تلبية تعطشنا ، قام فريق عملنا بزيارة ميدانية لمحطة الأرصاد الجوية الوطنية الواقعة بالدار بيضاء ، التي تضم مركزا لتخطيط عملية ” تلقيح السحاب ” او ما يطلق علي بالاستمطار الصناعي”” يسمى هذا المركز ب بالغيث .
صورة 2
إذ تبين لنا من خلال ما أدلى به الأخصائيون أثناء هذه الزيارة ،أن الاستمطار الصناعي هو نوع من تعديل الطقس المتعمد ،لتغيير كمية او نوع الأمطار، ذلك بتوزيع مواد كيميائية بالهواء ، أهمها “يوديد الفضة” مما يؤدي إلى تغيير العمليات الميكروفيزيائية للغيمة تسمى هذه الأخيرة بالغيمة الركامية ،و تهدف هذه التقنية بالأساس إلى زيادة هطول الأمطار و الثلوج بنسبة تقدر ب 35% .
كانت أولى الطرق لهذه العملية، تتمثل في إلقاء كميات من الثلج الجاف على السحب يدويا، لتتفاعل مع بخار الماء الذي تتكون منه هذه السحب ،لتشرع هذه الأخيرة في إنتاج عدد لا باس به من كريستلات الثلج.
لكن بعد مرور الزمن و مع التطور السريع الذي يعرفه العالم، اعتمدت هذه التقنية منهجا جديدا مختلفا و متطورا عن سابقه، إذ و قبل أي عملية تلقيح، يقوم طاقم عمل الغيث بالتنبؤ الجوي، لمعرفة إن كان الجو ملائما للقيام بهذه العملية ،و يتم ذلك باستخدام شبكة رادارات طقس متطورة و متكاملة, حيث تعمل هذه الشبكة على تحديد العواصف الرعدية القادمة، و تعتبر هذه الأخيرة عاملا مهما في إدارة عمليات الاستمطار.
عند ملاحظة و جود فرصة مناسبة يتم رفع درجة الاستعداد ، لكل الطاقم الذي يكون على أتم الاستعداد طيلة الوقت، هم و الطيارون الذي يتم تنبيههم لتجهيز طائرات خاصة ،صنعت خصيصا لهذه العمليات و هي تتمتع بعدة مميزات و تقنيات و وسائل تكنولوجية متطورة، تلبي حاجيات الطيار و الطاقم المرافق و توجد نوعان لهذه الطائرات بالمغرب 00 king air 2 و alphaget
أتناء العملية يقوم الطيارون و الطاقم الجوي بالتوجه إلى قاعدة السحاب ، و ذلك طبعا بمساعدة طاقم تقني ارضي لإصدار الأوامر و التوجيهات و الإنذار عن أي خطر مما يخلق بينهم جوا من ا لتعاون الكبير و القوي و كأنهم يد واحد ،.
يكمن الجزء المهم من العملية في حرق الشعلات المحملة
بجزيئات من مادة” يوديد الفضة ” ،
التي يتم توزيعها داخل السحابة بوجود التيارات المتصاعدة .
كما بمكن توزيع تلك المواد بواسطة أجهزة أرضية تعمل على نفس النحو. )الصورة 3 (
ليتمكن المغرب بذلك من تحقيق 51 عملية في سماء المغرب،
و ذلك لانقاد الموسم الفلاحي .
الغيث هو الأمل الذي تشبث به جيلنا، حيث كنا في أمس الحاجة إليه، و الآن يعتبر بمثابة درع حام لنا من عدونا ألا و هو الجفاف، و لكن هل هو هذا السلاح الذي سنحارب به الجفاف في المستقبل كذلك؟ ، أم أن العقل البشري الذي نحترمه و نقدر إبداعه على اكتشاف مثل هذه الحلول، سيكون قادرا على إيجاد حل عملي أكثر تطورا من سلاحنا الحالي “الغيث”
هذا الربورتاج من انجاز تلامذة الثانوية التاهلية
طه حسين نيابة ابن امسيك