اتفاق الهدنة في الغوطة حبر على ورق
مقتل 13 عنصرا من قوات النظام وحلفائها مقابل ستة مقاتلين من جيش الإسلام أكبر فصائل المنطقة، جراء تواصل المعارك رغم إقرار الهدنة.
بوتين وماكرون وميركل تعاون بهدف تطبيق كامل للهدنة
تعكس المواجهات الدائرة بين قوات النظام السوري وفصائل المعارضة على تخوم الغوطة المحاصرة، مدى هشاشة اتفاق الهدنة الذي تم التوصل إليه السبت في مجلس الأمن، لوضع حد للتصعيد.
ولئن تراجعت حدة الغارات الجوية للنظام، فإن تصاعد الاشتباكات بين طرفي الصراع ولد شعورا بصعوبة نجاح الهدنة خاصة في حال لم تقم الدول الداعمة لكليهما وخاصة روسيا بممارسة ضغوط لتنفيذها.
وشدد الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال محادثات هاتفية الأحد “على أهمية مواصلة الجهود المشتركة بهدف تطبيق كامل وفي أسرع وقت ممكن” لقرار الهدنة التي تستمر شهرا.
وتركزت المواجهات الأحد “عند خطوط التماس في منطقة المرج التي يتقاسمان السيطرة عليها” في جنوب الغوطة. وأحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل “13 عنصرا من قوات النظام وحلفائها مقابل ستة مقاتلين من جيش الإسلام” أكبر فصائل المنطقة، جراء المعارك.
وتأتي هذه الاشتباكات الميدانية وهي “الأعنف منذ مطلع الشهر الحالي بعد تراجع وتيرة الغارات والقصف في الساعات الأخيرة” وفق المرصد الذي أعلن في وقت سابق عن مقتل ثمانية مدنيين بينهم طفلان جراء غارات وقصف صباحي على عدد من البلدات.
في المقابل، أفاد الإعلام السوري الرسمي باستمرار سقوط قذائف، الأحد، على أحياء في دمشق وريفها، مصدرها “المجموعات الإرهابية” في الغوطة الشرقية.
وبث التلفزيون الرسمي مشاهد مباشرة لاستهداف الجيش مدينة حرستا التي تسيطر حركة أحرار الشام الإسلامية على أجزاء منها، في عملية قال إن هدفها القضاء على “التنظيمات الإرهابية” التي تستهدف أحياء دمشق بالقذائف.
وتستهدف قوات النظام منذ الأحد الماضي الغوطة الشرقية بالغارات والقصف المدفعي والصاروخي الكثيف، ما تسبب بمقتل 529 مدنياً بينهم 130 طفلاً.
وكان النظام قد حشد نحو 30 ألفا من مقاتليه على تخوم الغوطة خلال الفترة الماضية ما يعكس إصراره على شن عملية عسكرية واسعة في المنطقة المحاصرة منذ العام 2013 والتي يقطنها نحو 400 ألف مدني.
ويعتبر نظام الأسد وحلفاؤه خاصة إيران أن الغوطة ثغرة أمنية كبيرة وجبت معالجتها، حتى وإن اقتضى ذلك قتل الآلاف من المواطنين الأبرياء، الأمر الذي يعمق حقيقة أن هذا النظام لا يمكن إطلاقا أن يكون جزءا من مستقبل سوريا.
ويستبعد مراقبون أن يلتزم النظام بالهدنة التي تم التوصل إليها في مجلس الأمن، وهو لن يعدم الذرائع لمواصلة استهداف منطقة الغوطة الشرقية.
وبعد أيام من المفاوضات الشاقة والمماطلات الروسية، أصدر مجلس الأمن الدولي السبت قراراً يدعو إلى وقف إطلاق نار “من دون تأخير” لثلاثين يوما بهدف إفساح المجال أمام وصول المساعدات الإنسانية وإجلاء الجرحى والمرضى.
واتفق كل من بوتين وماكرون وميركل الأحد وفق بيان للكرملين على تسريع “تبادل المعلومات” بشأن سوريا خلال مكالمات هاتفية حول قرار وقف إطلاق النار.
وأعلنت ميركل وماكرون في بيانين منفصلين أنهما طالبا بوتين “بممارسة أقصى الضغوط على النظام السوري من اجل تعليق فوري للغارات الجوية والمعارك”.
ويتضمن القرار الدولي استثناءات لوقف إطلاق النار شملت بطلب من موسكو “أفرادا ومجموعات وكيانات ومتعاونين مع القاعدة وتنظيم الدولة الاسلامية وكذلك مجموعات إرهابية أخرى حددها مجلس الأمن الدولي”.
وهذه الاستثناءات يمكن أن تفسح المجال أمام تفسيرات متناقضة إذ تصف دمشق فصائل المعارضة بأنها “إرهابية”، ما من شأنه وفق محللين أن يعمق التحديات.
والقرار الأممي لا يشمل فقط الغوطة الشرقية بل كل المناطق السورية ومن ضمنها عفرين بيد أن تركيا لا يبدو أنها هي الأخرى في وارد الالتزام به رغم ترحيبها بالقرار.
وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه لن تكون هناك هدنة في العملية العسكرية التي تستهدف منطقة عفرين في شمال سوريا.
وقال أردوغان في شانلي أورفا (جنوب) إن “هذا الأمر سيستمر حتى القضاء على آخر إرهابي”، لافتا إلى أكثر من ألفي “إرهابي” قتلهم الجيش التركي خلال العملية.
في المقابل أعلنت وحدات حماية الشعب في بيان عن ترحيبها واستعدادها للالتزام بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي، مع الاحتفاظ بحق الرد في إطار الدفاع المشروع عن النفس في حال أي اعتداء من قبل الجيش التركي والفصائل المتحالفة معه في عفرين.
وبدأت تركيا في 20 يناير بدعم من مقاتلين في فصائل معارضة سورية عملية عسكرية لطرد وحدات حماية الشعب الكردية من معقلها في عفرين. وتعتبر تركيا الوحدات، العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، امتدادا لحزب العمال الكردستاني.
ويرى مراقبون أن الإصرار التركي على مواصلة عملية عفرين والتصعيد الميداني للنظام السوري في الغوطة يشيان بأن اتفاق الهدنة سيكون مصيره كغيره من الاتفاقات مجرد “حبر على ورق”.